معيلات تعجزن عن إلحاق أطفالهن بالمدارس والسبب...؟
هناك مخاوف من نشأة جيل أمي لا يجيد أدنى مستويات القراءة والكتابة والعمليات الحسابية، في ظل سيطرة "هيئة تحرير الشام" على المدارس في إدلب.
هديل العمر
إدلب ـ تعاني الأمهات المعيلات في إدلب من صعوبة تسجيل أطفالهن في المدارس العامة أو الخاصة، في ظل الانتهاكات المستمرة التي تمارسها ما تسمى بـ "حكومة الإنقاذ"، وهي الذراع المدني لـ "هيئة تحرير الشام" بحق القطاع التعليمي العام وسعيها المتواصل إلى تهميشه.
يأتي ذلك في إطار التضييق الكبير الذي تفرضه "هيئة تحرير الشام"، على الواقع التعليمي من خلال تحويل المدارس العامة إلى قطاع خاص بمستثمرين محسوبين عليها ومنتمين إلى صفوفها، ما حرم آلاف الطلاب من حقهم في متابعة تعليمهم.
لم تتمكن سعاد الجمعة (35عاماً) وهي نازحة مقيمة في مدينة كفر تخاريم غرب إدلب، من إرسال طفليها إلى المدرسة هذا العام، بعد أن عمدت الهيئة إلى تحويلها إلى قطاع خاص بأقساط تصفها سعاد بـ "الخيالية" مقارنة مع دخلها.
تقول لوكالتنا إنها باتت تحتاج إلى مبلغ 70 دولار أمريكي شهرياً لتتمكن من إلحاق طفليها بالمدرسة، في حين تحصل على مبلغ 40 ليرة تركية يومياً، لقاء عملها في إحدى ورشات الخياطة.
وأضافت أنها كانت تأمل مستقبلاً جيداً لأطفالها، خاصة وأنهما كانا من الطلاب المتفوقين العام الفائت، ولكن سرعان ما تبددت آمالها بعد أن بات التعليم مقتصراً على الأغنياء وميسوري الحال، في ظل إشراف "هيئة تحرير الشام" على الواقع التعليمي في إدلب ومعظم المناطق المحتلة من قبل تركيا.
وأشارت إلى أنها ستضطر إلى إلحاق طفليها بالعمالة المبكرة لتعلمهما مهن وحرف تساعدهما على تحمل نفقاتهما وأعباء ومصاعب الحياة، في حال استمر وضع التعليم على ما هو عليه في المدينة.
ولا تخفي النازحة الثلاثينية محاولاتها تسجيل الطفلين في مدارس أخرى إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل نتيجة "عدم قدرة المدارس العامة على استيعاب أعداد الطلاب الكبيرة" في المدينة.
وتشير إحصائيات محلية إلى وجود 193.843 طفل لا يتلقون التعليم في إدلب، في حين وصلت نسبة الأطفال المتسربين في المخيمات إلى 36.848 طفل.
كما يفتقر 930 مخيماً إلى أدنى مستويات التعليم من نقاط تعليمية ودراسية، وهو ما أفضى إلى تسرب آلاف الأطفال وانقطاعهم عن متابعة تحصيلهم العلمي.
ولم تكن ختام العذاب (28عاماً) وهي نازحة مقيمة في مخيمات بلدة البردغلي شمال إدلب، أفضل حالاً من سابقتها حين لم تتمكن هي الأخرى من تسجيل أطفالها الثلاثة في مدرسة البلدة الوحيدة التي حولها "هيئة تحرير الشام" إلى مدرسة خاصة ومأجورة.
وتعبر ختام العذاب عن حزنها وألمها بعد عجزها عن إلحاق ابنائها بمدرستهم هذا العام، بسبب التكاليف الكبيرة التي لا طاقة لها بها بالقول "يا لهم من عديمي المسؤولية، هل وصل بهم الحال للاستهتار والتلاعب بمستقبل الطلاب والأطفال".
وتبين إنها وبعد وفاة زوجها بداية العام الحالي، بحادث سير، باتت تعاني من أوضاع اقتصادية ومعيشية غاية في الصعوبة دفعتها للعمل في الأراضي الزراعية وقطف الثمار بأجر لا يتجاوز 35 ليرة تركية يومياً.
وأضافت أنها تحتاج إلى أجرها الشهري كاملاً لتغطية نفقات دراسة أطفالها، إذ أنها لن تستطيع تأمين أي من مستلزماتها المعيشية في حال ارتياد أطفالها لمدارسهم، مما دفعها للعزوف عن إرسالهم إلى المدارس هذا العام.
وأشارت إلى أن ما يسمى بـ "حكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام" لا يهمهما سوى تحقيق أرباح طائلة من خلال فرض الضرائب وتأجير المدارس، دون الاكتراث لمستقبل الطلاب الذي بات مجهولاً في ظل الواقع التعليمي المتهالك الذي تشهده المنطقة.
وتتابع بحزن أن من واجب الجهات المعنية تخفيف الأعباء عن الطلاب وذويهم، لا أن يثقلوا كاهلهم ويزيدوا من معاناتهم وأعبائهم من خلال فرض الأقساط الشهرية والسنوية، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من تدني بمستوى المعيشة وفقر مدقع بات يحاصر الكثيرين.
وتشير إحصاءات منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة إلى أن أكثر من 2.4 مليون طفل سوري غير ملتحقين بالمدرسة.
وبحسب سكان ونازحين في إدلب، فإن ما يسمى بـ حكومة الإنقاذ تسعى لزيادة المدارس الخاصة على حساب العامة في إدلب، وذلك لما تحققه من أرباح عبر أخذ نسبة سنوية من هذه المدارس على هيئة ضرائب واتاوات.
من جهتها ترى سميرة العدل (35عاماً) اسم مستعار لمديرة في إحدى المدارس العامة شمال إدلب، أن القطاع التعليمي العام يمر بمرحلة تهميش مقصودة في إدلب، وهو ما بات جلياً من خلال انقطاع رواتب المعلمين وافتقار المدارس لأدنى أنواع الدعم المادي واللوجستي.
وتضيف أن العديد من المعيلات والسكان لم يتمكنوا من إرسال أطفالهم إلى المدارس هذا العام، بسبب الضغط الكبير الذي يفوق قدرة المدارس الاستيعابية من جهة، والتكاليف الباهظة التي تفرضها المدارس الخاصة على الأهالي الراغبين بمتابعة أطفالهم لتحصيلهم العلمي.
وأشارت إلى ضرورة تحمل الجهات المسؤولة واجباتها تجاه ما يحصل في القطاع التعليمي العام، والبحث عن حلول تتيح للأهالي والسكان وخاصة الأطفال الأيتام من متابعة دراستهم.
وتحذر من نشأة جيل أمي لا يجيد أدنى مستويات القراءة والكتابة والعمليات الحسابية، إذا ما بقي ملف التعليم في إدلب على ما هو عليه من فوضى وغياب الاهتمام والرعاية.