مصير مجهول يواجه مرضى الثلاسيميا في إدلب

يعاني مرضى الثلاسيميا في إدلب من ندرة المراكز الطبية وبعدها عن أماكن إقامتهم وخاصة بعد خروج معظم المراكز عن الخدمة بسبب العمليات العسكرية على المنطقة، ولم يعد هناك سوى مركزين لنقل الدم أحدهما في إدلب المحافظة والأخر في مشفى باب الهوى الحدودي.

سهير الإدلبي
إدلب ـ  
تتردد الطفلة هيام الحميدي ذات العشرة أعوام إلى مشفى باب الهوى كل شهر برفقة والدها الاربعيني للحصول على دم بشكل منتظم نتيجة إصابتها بمرض الثلاسيميا منذ ولادتها، فتجد أكياس دم متوفرة في المشفى أحياناً ولا تجد في كثير من الأحيان فيتبرع لها والدها بالدم اللازم.
هيام الحميدي بحاجة لعلاج مدى الحياة على شكل عمليات نقل دم شهرية وتناول يومي لدواء إزالة الحديد الزائد من الجسم قبل أن يترسب في أجزاء مختلفة منه، وفي حال عدم إتباع عمليات نقل الدم وتناوله بانتظام فستعاني من فقر دم مزمن يؤدي إلى شحوب في الوجه وتشوهات عظمية وتأخر في النمو وربما يفضي إلى الموت المحتم.
يقول والد هيام الحميدي ويدعى خالد أبو الوليد أن هيام ليست الوحيدة التي تعاني من المرض في العائلة فقد أصيب أخ أكبر منها بذات المرض وتوفي بعد رحلة علاج طويلة ومكلفة، وهو لا يخفي خوفه على ابنته من المصير ذاته أيضاً إن تأخر في علاجها أو في حال لم يجد متبرع دم لها.
لا تقتصر آلام الطفلة هيام الحميدي على صعوبة نقل الدم وأعراض المرض التي تظهر عليها وإنما تعاني من مشاكل أخرى نفسية مصدرها سخرية أقرانها وأبناء جيرانها من شحوب وجهها الدائم وتقول ببراءة "يصفونني بالصفراء، لا أحب اللعب معهم".
وأوضحت دراسة أجراها الباحث شاليغرام أن ٤٤% من المصابين بالثلاسيميا لديهم مشاكل نفسية و٦٧% يعانون من قلق الموت، ٢٠% اكتئاب ومشاكل عاطفية، و٤٩% من مشكلات في السلوك والتصرف بينما لا توجد أي عيادات متخصصة بالدعم النفسي في مراكز الثلاسيميا في الشمال السوري، ولا يخضع المريض لمثل هذه العلاجات، كما وتفتقر لحملات التوعية للتعريف بالمرض وآثاره وكيفية التعامل مع المريض وهو ما يسبب تفاقم الآثار النفسية الناتجة عن المرض.
والثلاسيميا هو اضطراب وراثي يؤدي إلى انخفاض نسبة الهيموغلوبين في الجسم عن المعدل الطبيعي، والهيموغلوبين هو عبارة عن بروتين يمكن خلايا الدم الحمراء من حمل الأوكسجين، وتحدث الثلاسيميا نتيجة خلل في الموروثات المسؤولة عن تصنيع الخضاب ونتيجة لذلك تتكسر خلايا الدم باكراً ولا يستطيع نقي العظام تعويض هذا النقص الكبير في كريات الدم، ما يؤدي لحدوث فقر شديد في الدم يحتاج لتعويض عن طريق نقل الدم أو زرع نقي للعظام وهي عملية مكلفة جداً وتصل إلى ١٠٠٠٠٠ دولار ولا يستطيع إجرائها سوى الميسورين بينما يعجز عن ذلك الغالبية العظمى من ذوي مرضى الثلاسيميا الشمال السوري نتيجة فقرهم المدقع وظروفهم المعيشية القاسية وما رافقها من حرب ونزوح وغلاء وانعدام فرص العمل.
لا تتوفر إحصائيات دقيقة لعدد مرضى الثلاسيميا في الشمال السوري، إلا أن الطبيب أحمد المحمود الأخصائي بأمراض الدم يعطي نسبة تقريبية لعدد المراجعين لمركز الدم في إدلب بقرابة ٧٠٠ مريض ثلاسيميا بين مقيمين ونازحين بشكل شهري وهي نسبة مرتفعة جداً على حد قوله.
وعن الخدمات التي يقدمها المركز لمرضى الثلاسيميا يضيف الطبيب أحمد المحمود أنه يقدم أدوية خالبات الحديد، الديس فرال (فيال) وفيروبوكس وهي عبارة عن حبوب ونقل الدم الدوري، إذ يحتاج مريض الثلاسيميا إلى ما يقارب ١٢٠٠ وحدة دم شهرياً وبعض التحاليل فيما يفتقر المركز إلى مضخات لتسريب حقن الديس فرال، والأدوية التي تقدم غالية الثمن في الوقت الذي يعاني فيه المركز من قلة الداعمين.
يواجه علاء الإسماعيل (٣٨عاماً) وهو أب لطفلين مصابين بالثلاسيميا وهما وائل (١٣عاماً) وأخته أمية (٨سنوات) صعوبات كبيرة بالوصول إلى مركز الثلاسيميا في مشفى إدلب، فهو يعيش في مخيمات أطمة الحدودية وبحاحة لتكاليف مواصلات في كل شهر عدا عن تأمين الأدوية المكلفة في حال عدم توفرها في المركز، يقول أنه يتابع حال طفليه منذ ولادتهما ويجهد في الحصول على دم لهما وتأمين تكاليف العلاج ويحز في نفسه أنه مرض لا يمكن الشفاء منه أبداً في الوقت الذي تعاني فيه المنطقة من قلة المراكز المعالجة والأخصائيين والداعمين.
وقدرت منظمة الصحة العالمية عدد المصابين بالثلاسيميا في تقرير لها صدر عام ٢٠١٥ بـ 4.4 مولود في كل ١٠٠٠٠ ولادة طبيعية في جميع أنحاء العالم، وأشار التقرير الصادر عن المنظمة أن ٥ % من سكان العالم حاملين لسمة الثلاسيميا ويطلق عليهم الناقلين الصامتين بينما قدرت نسبة الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض سريرية نتيجة الطفرات الجينية ب 1.7 %.