مسنات إدلب... بين نزوح وفقدان وغياب الرعاية والاهتمام

تعيش المسنات في ادلب ظروفاً بالغة التعقيد وسط الفقر والنزوح والفقدان، إذ تركت الحرب السورية آثارها على وجوههن فزادتها تعباً وتجاعيد

سهير الإدلبي
إدلب ـ ، واجتمعت عليهن آلام الأمراض والتشريد وقلة الرعاية الصحية والاجتماعية.
لم تستطع المسنة الستينية خديجة المليشو إخفاء دموعها وهي تتحدث عن فقدانها لزوجها وثلاثة من أبنائها في الحرب، فتقول بصوت يرتجف "قتلوا أبنائي الثلاثة، الأول راح ضحية الاعتقال من قبل حواجز النظام ليقضي في معتقلاته تحت التعذيب، والآخر في القصف على سوق مدينتي معرة النعمان، أما الثالث راح على يد مرتزقة داعش، وحتى زوجي آثر اللحاق بهم ليتركني وحيدة على إثر إصابته بنوبة قلبية منذ أقل من عام قهراً على أبنائه وسوء أوضاعه بعد نزوحنا واستقرارنا في هذه المخيمات الباردة".
تشكو المسنة خديجة المليشو الوحدة والفقر وقلة المساعدات، فهي قلما تتمكن من تأمين احتياجاتها الأساسية التي يتبرع لها بها أهل الخير في بعض الأحيان لتحتار من أين تأتي بها إن تأخروا عليها، لا سيما بكيفية تأمين أدوية السكري والضغط مع عدم وجود دخل ثابت تعيش منه.
وتواجه المسنات في إدلب واقعاً معيشياً مريراً في مخيمات النزوح، حيث لا أحد يلتفت لمعاناتهن المستمرة وحاجتهن لتقديم يد العون والمساعدة والمساندة بأوجاعهن التي باتت تئن وحيدة داخلهن، ولم تقتصر الصعوبات على نزوحهن ووجودهن بلا سند أو مأوى أو معيل، وإنما أيضاً في ذكرياتهن التي لا تفارقهن لبيوتهن التي أجبرن على مغادرتها هرباً من القصف والموت والدمار.
لم تقف الستينية هيام الأسود مكتوفة اليدين أمام واقعها المأساوي الذي جعل منها المعيلة الوحيدة لزوجها المصاب بفقدان البصر وأحفادها الأيتام، وآثرت الانطلاق والعمل وعدم الاستسلام.
وراحت الستينية تعمل كعاملة في إحدى منظمات المجتمع المدني بمدينة سرمدا شمال إدلب، ورغم تعبها الذي تكابده من خلال السير لمسافة ليست بالقصيرة وتقضية ساعات طويلة بعيدة عن خيمتها، فهي لم تتوانى عن إتقان عملها رغم كبر سنها.
وبنظرة مفعمة بآلام الحياة ومصاعبها وبعواطف عابرة ومشاعر ثائرة تقول هيام الأسود أنها لم تستطع الجلوس وانتظار من يتعاطف مع أوضاعهن "البائسة" التي أتت على أحلامهن وراحتهن وآمالهن بحياة طبيعية "لقد كسرت الحرب قلوبنا وأفقدتنا أبنائنا، نحاول أن نحافظ على ما تبقى لنا ممن يستمدون قوتهم من عزيمتنا وقدرتنا على الاستمرار والصمود".
تأمل هيام الأسود أن تفرج الغمة عنهم بأقرب وقت، لتنتهي مأساة الآلاف وتعيدهم إلى ديارهم بعد كل ما كابدوه من آلام.
ووسط المصاعب المتعددة التي تواجهها المسنات على كل الأصعدة النفسية والاجتماعية فإنهن بحاجة لرعاية صحية مكثفة قلما باتوا يحصلون عليها، لا سيما في ظل انتشار وباء كورونا كوفيد-١٩ الذي حصد أرواح الكثيرات منهن ممن يعانين الأمراض المزمنة وصعوبة الحصول على الأدوية، وسط فقدانها وغلاء أسعارها وانقطاع بعض الأصناف الدوائية.
وقالت المرشدة الاجتماعية أمل الزعتور (٣٥) عاماً إن نمط حياة الأشخاص يتغير مع تقدمهم في السن مما يؤثر على صحتهم النفسية والجسدية، فالتغيرات الوظيفية وفقدان الأحبة من التغيرات التي تؤثر سلباً في الصحة النفسية التي سرعان ما يسودها القلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية وصعوبة النوم واليأس والشعور بعدم الراحة وهو ما يزيد تلقائياً من حدة الأمراض المزمنة عند المسنات.
وتشير إلى أن كل تلك المتغيرات تترافق اليوم بالنزوح والفقر وقلة الرعاية والاهتمام وعدم وجود دخل ثابت ودور رعاية للمسنات زاد من تبعات تلك الأعراض فزادت من آلام المسنات أضعافاً مضاعفة.
وتدعو أمل الزعتور منظمات المجتمع المدني لمنح جانباً من اهتماماتها للمسنات في الشمال السوري ممن ضاقت بهم الحياة وانعدمت بهن السبل ووجدن أنفسهن وحيدات في مواجهة ظروفهن من خلال توفير الدعم المادي والمعنوي ومشاركتهن العمل والأنشطة الاجتماعية ما يخفف عنهن ما يشعرن به من إهمال.
ووفق إحصائيات فريق "منسقو استجابة سوريا" فإن عدد المسنين في الشمال السوري بلغ ٤١٧ ألف مسن ومسنة، نسبة ١٧٥ ألف منهم يقيمون ضمن مخيمات النازحين، وهم يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة وخاصة حالات ذوي الاحتياجات الخاصة الفاقدين للرعاية من كل جوانبها.