مصابو التوحد في إدلب... لا مراكز متخصصة ولا برامج توعية
زاد عدد الأطفال المصابين بمرض التوحد بعد الحرب السورية نتيجة عوامل عدة أبرزها النزوح والعوامل المجتمعية المتغيرة
سهير الإدلبي
إدلب ـ ، يواجه هؤلاء الأطفال تحديات ومعوقات كثيرة للتفاعل مع محيطهم وسط ندرة المراكز المتخصصة وانعدام النشاطات التوعوية حول المرض.
التوحد كما تعرفه منظمة الصحة العالمية هو طائفة من الاعتلالات تظهر في ضعف السلوك الاجتماعي والقدرة على التواصل والمهارات اللغوية إلى حد ما، كما ويتسم مصاب التوحد بضيق نطاق اهتمامه وأنشطته التي يميل في الغالب إلى التمسك بها وتكرارها، ويعاني غالباً من مشاكل أخرى مصاحبة وتشمل الصرع والاكتئاب والقلق واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط.
لم يعد الطفل هيثم البر (٥ سنوات) يتجاوب مع محيطه ولا يرغب بوجوده بين الأطفال الآخرين أو اللعب معهم، ظهرت عليه تلك الأعراض بعد نزوحه مع عائلته من مدينتهم سراقب أواخر عام ٢٠١٩، النزوح الذي أحدث تحول ملحوظ في حياته.
تقول والدة هيثم وتدعى ميساء البكر (٣٩ عاماً) "لم يكن ابني يعاني من التوحد في السابق، لا أدري لما حدث معه ذلك" وتضيف أن من أكثر ما يؤلمها هو عدم وجود مراكز مختصة بعلاج التوحد في الشمال السوري، وكل ما هنالك هو عبارة عن عيادات نفسية موزعة في ريف إدلب الشمالي وأطمة الحدودية وسرمدا وبعض المخيمات، تلك العيادات لا تقدم متابعة للحالات وإنما بعض الخدمات الجزئية في الوقت الذي تحتاج فيه الأم لمعرفة كيفية احتواء الطفل والتعامل معه وإمكانية تحسين حالته ومتابعتها.
ويعتبر التدخل المبكر إحدى أولويات العلماء في التصدي لمرض التوحد الذي يصيب الأطفال، وهناك دلائل على إمكانية استفادة أطفال صغار من عمر سبعة أشهر للعلاج ويعد نقلة نوعية، غير أن معظم الأطفال المصابين بالتوحد في سوريا لا يتم اكتشاف إصابتهم بالمرض إلا بعد بلوغهم الأربع سنوات.
"من شأن التدخل المبكر أن يساعد على نحو كبير في حل المشكلات التي تتعلق بالكلام واللغة وتعديل السلوك من خلال برامج تحليل السلوك التطبيقي والتدخل السلوكي المكثف ويكون لهذا التدخل تأثيراً أفضل كلما بدأ في سن صغيرة" وفق تعبير الطبيب الأخصائي بالأمراض النفسية وائل المحمود (٣٨عاماً) الذي تحدث عن مرض التوحد في الشمال السوري قائلاً أن هنالك زيادة واضحة في عدد الأطفال المصابين بالتوحد من خلال زياراتهم الدورية لعيادته، ويرجع السبب إلى ما مرت وتمر به المنطقة من حرب ونزوح ومتغيرات إضافة لوجود عامل وراثي.
مشيراً إلى أن المرضى معظمهم من الأطفال، وتأخر ملاحظتهم من قبل الأهل يسهم في تأخر العلاج وزيادة وضعهم سوءاً مع مرور الوقت.
وعن أعراض ظهور المرض يقول "من الصعب تحديد اضطرابات التوحد لدى الطفل قبل بلوغه ١٢ شهر ولكن يمكن تشخيصها بصورة عامة عند بلوغه العامين، ومن السمات المميزة لظهور المرض لديه هو التأخر أو التراجع المؤقت في تطوير مهاراته اللغوية الاجتماعية.
وركز وائل المحمود على أهمية دور الوالدين في توفير الدعم اللازم لطفلهما المصاب بالتوحد وبمقدورهما أن يساعدا في ضمان إتاحة الخدمات الصحية والتعليمية للطفل، ويقدمان بيئات رعاية وتحفيز لدى نموه من خلال تزويد الطفل بالعلاجات النفسية والسلوكية، ويتم ذلك عبر تثقيف وتوعية الأهل بهذا المرض وتدريبهم على كيفية الاعتناء بأطفالهم، ليصبحوا قادرين على تدريب أبنائهم لتلبية احتياجاتهم اليومية حتى يتمكنوا من الاستقلال بأكلهم ولباسهم ونظافتهم الشخصية على الأقل.
من جهته يقول مدير مركز عقول مبدعة عمار هلال (٣٠عاماً) "هنالك انكفاء لمعظم الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني عن مرض التوحد وما يزال التعاطي مع هذا المرض قاصراً ويفتقر إلى الكثير من المعرفة، إذ أن ضعف التواصل اللفظي الذي يعاني منه مصاب التوحد يجعل من الصعب عليهم التعامل مع هذه الفئة".
ويعد مركز عقول مبدعة المركز الوحيد في الشمال السوري الذي يعنى بشؤون ذوي الاحتياجات الخاصة، غير أن توقف الدعم عن المركز مؤخراً حد من نشاطاته ومشاريعه بشكل كبير، لكنه ما يزال يتابع عدة حالات لأطفال التوحد عبر برامج علاجية مدروسة.
وأكد عمار الهلال أن نسبة الاستجابة للعلاج تختلف من حالة إلى أخرى وتتراوح نسبة العلاج والمعافاة بين 50 ـ 80%، ومعظم الحالات التي يتم التعامل معها بأساليب علاجية متخصصة ودقيقة لاقت نجاحاً ملفتاً وهو ما شجع الأهالي على مراجعة المركز دون تردد، ومن تلك العلاجات نشاطات حركية ورياضية وترفيهية إلى جانب خدمات الدعم النفسي.
ولا تخفي الأم أمل الصبوح (٣٢عاماً) سعادتها ببدء استجابة طفلها سليم البالغ من العمر ست سنوات للعلاج النفسي الذي يقدمه مركز عقول مبدعة، فهو بدأ لتوه يستجيب للعلاج ويعود بشكل تدريجي لحياته الطبيعية ولنطق بعض الكلمات.
تقول أمل صبوح "أحلم أن أرى ابني في المدرسة مع أقرانه بداية العام الدراسي المقبل"، ودعت لدعم المراكز المتخصصة بمصابي التوحد وتوليتها اهتماماً كبيراً لكي يتمكنوا من استقبال الحالات وعلاجها ومتابعتها.
ولا توجد إحصائيات عن عدد الأطفال السوريين المصابين بالتوحد إلا أن تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن طفلاً واحداً بين كل ١٦٠ طفل يصاب بأحد اضطرابات طيف التوحد في العالم، ويوافق الثاني من نيسان/أبريل من كل عام اليوم العالمي للتوعية باضطرابات طيف التوحد عبر وسائط مختلفة منها وسائل التواصل الاجتماعي.