مصابات الزلزال... الذكريات المرعبة تعمّق جراحهن
ارتفعت أعداد الضحايا في آخر حصيلة لضحايا الزلزال في الشمال السوري، إلى 2274 وفاة، وأكثر من 12400 مصاب، جراء الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في 6 فبراير/شباط الجاري.
هلا الأحمد
إدلب ـ بين قصص أولئك الذين لقوا حتفهم أو نزحوا بشكل مأساوي، ومعجزات نجاة العالقين تحت الأنقاض جنباً إلى جنب مع النداءات المستمرة للمساعدة، تبدو قصص الأمهات المصابات جراء الزلزال اللواتي خرجن من تحت أنقاض منازلهن يصارعن آلام الإصابة والفقد لأبنائهن وعوائلهن من أكثر المشاهد إيلاماً.
بينما تركن على سرير إحدى مشافي إدلب تردد عروبة الجهاد 33 عاماً دعوات أن يخرج أبنائها أحياء من تحت أنقاض منزلها الذي تهدم فوق رؤوسهم إثر الزلزال المدمر، وتقول "أرجو أن تحدث معجزة يعود بها أطفالي إلي".
خرجت عروبة الجهاد من تحت الإنقاض بإصابات عديدة في مختلف أنحاء جسدها النحيل، تمثلت في كسور خطيرة في يديها وقدميها وظهرها، وأجرت العديد من العمليات الجراحية حتى الآن، ومازالت بحاجة لمزيد من العمليات والعلاج الفيزيائي لتتمكن من الحركة مرة أخرى.
تحاول شقيقتها وتدعى مرام الجهاد إخفاء دموع الحزن على حال شقيقتها التي لم تستطع حتى الآن إخبارها بوفاة أبنائها الثلاثة وزوجها، لخوفها من تدهور حالة أختها الحرجة أساساً، وكثيراً ما تمنحها أمل بأنهم مازالوا أحياء وأنهم يبحثون عنهم في المشافي والمراكز العلاجية، بينما حدس الأم وإحساسها يخبرها دائماً أن أبنائها ليسوا بخير.
حال عروبة الجهاد ليس بعيداً عن حالات كثيرة مشابهة، فعلى الجانب الآخر من الغرفة التي ترقد فيها عروبة خرجت هيام الجدول 28 عاماً من غرفة العناية المركزة، بعد أن استقرت حالتها التي تمثلت بنزيف دماغي إثر إصابتها جراء الزلزال.
تقول هيام الجدول أنها لا تعي حتى الآن ما الذي حدث، لقد كان أشبه بكابوس مرعب حين استفاقت من نومها على صوت انهيار البناء الذي تقيم فيه مع عائلتها في مدينة حارم في إدلب.
نجى زوج هيام الجدول وابنها جاد البالغ من العمر سنتين، لكن ابنتها سلوى البالغة من العمر أربع سنوات لم يكتب لها النجاة، بعد أن فارقت الحياة إثر انهيار المبنى الذي كانوا يقيمون فيه.
من جانبها تنعي الخمسينية خديجة الربيع مقتل اثنين من أبنائها الذين قتلوا في الزلزال، بينما تصارع جراحها في مشفى الشفاء بمدينة سرمدا شمال إدلب.
تقول خديجة الربيع التي أصيبت بكسور وهرس بعظام قدميها التي غطاها ركام منزلها أن آلام الكسور لا تعني شيئا أمام فقدان الأبناء والأعزاء.
تصمت قليلاً لتتابع بصوت يخنقه القهر والألم أنها كانت تريد فقط توديع أبناءها قبل مواراتهم التراب، كانت تتوق لعناقهم العناق الأخير، غير أن إصابتها منعتها من ذلك.
لم يغير الزلزال العنيف في سوريا وجه الأرض فحسب، بل غير طبيعة كل من عاش تفاصيل الكارثة وآثارها المفزعة نتيجة هول الصدمة التي هددت حياتهم، تقول المرشدة النفسية ريم البكري 35 عاماً.
وأضافت أن هذا التغير النفسي في حال لم يعالج سيتحول إلى ما أسمته بـ "اكتئاب ما بعد الصدمة"، الذي من المتوقع أن تعاني منه فئات كبيرة من المتضررين، لاسيما النساء المصابات.
واقترحت ريم البكري الإسراع في تقديم سبل الخدمات الإرشادية والدعم النفسي لهؤلاء النساء ما يساعدهن على تخطي هذه المرحلة الحرجة بعد الصدمة.
وأشارت إلى أن الإسعافات الأولية النفسية من شأنها التقليل من ردود الفعل التي تتأثر بالإجهاد الناتج عن الصدمة، في سبيل الحد من ردود الفعل المحتملة لاضطراب ما بعد الصدمة وتشخيصه.