مصابات الحرب في إدلب والشمال السوري في مهب الريح
لم تسلم المرأة السورية من إصابات الحرب التي حلت بمئات الآلاف من المدنيين إثر القصف العنيف للتجمعات المدنية والأسواق والمنشآت الحيوية
سهير الإدلبي
إدلب ـ لتزيد الإصابات من معاناة المرأة السورية التي سترافقها طيلة حياتها لتقضي على أي أمل لديها.
تجلس علياء الحسون الأربعينية على كرسيها المتحرك أمام باب خيمتها في مخيم باتبو شمال إدلب وتضع أمامها بعض أكياس الخبز لتبيعها بغية الحصول بعد انتهائها على كيسي خبز مجانية تطعمها لأبنائها.
فقدت علياء الحسون ساقها الأيمن في القصف الذي طال قريتها الفطيرة إحدى قرى جبل الزاوية أواخر عام ٢٠١٦ وهو ما تسبب لها بإعاقة دائمة، وتخلي زوجها عنها بعد أن فضل الزواج بأخرى على العيش والعناية بزوجة معاقة لا حول لها ولا قوة.
تتذكر علياء الحسون حادثة بتر ساقها بكثير من الألم والدموع وتقول بغصة "ليتني فقدت قدمي وحسب في ذلك اليوم، لكنني فقدت ولدي وفلذة كبدي عمر في الحادثة ذاتها".
حدث ذلك مع علياء حين كانت تشتري بعض الخضار من سوق بلدتها برفقة ولدها عمر البالغ من العمر أربع سنوات حين فاجأتهم الطائرة الحربية بقصف السوق بأربع صواريخ "لم أعي ما الذي حدث، الدخان الأسود ملأ المكان والناس راحوا يهرعون هاربين، رحت أبحث بنظراتي الخائفة عن ولدي عمر بين الجثث المنتشرة والأنقاض المتناثرة، لم أستطع النهوض ولم أكن أعلم أنني فقدت ساقي، رأيت عمر ملقى على الأرض، كان بعيد عني وفاقد الحركة، رحت أزحف لأصل إليه، وحين رأيت الدماء تخرج من وجهه بغزارة أيقنت أنه توفي، ومع ذلك رحت أطلب النجدة علهم يستطيعون إسعافه، وتم نقلنا إلى المشفى لنخرج منها بعد ساعات قليلة، أنا بقدم واحدة وعمر جثة هامدة".
وكأن ما مرت به علياء الحسون من مآسي لم يكن كافياً ليتخلى عنها زوجها ويتزوج بأخرى بعد أن غدت معاقة تاركاً لها ستة أولاد دون أي معيل أو سند بعد تملصه من مسؤولياته "دون شفقة أو ضمير" على حد تعبيرها.
تعيش علياء الحسون اليوم على الصدقات والمساعدات الإنسانية إضافة لبيعها الخبز لتؤمن لأبنائها قوت يومهم.
ضمت مناطق شمال غرب سوريا القسم الأكبر من مصابات ومصابي الحرب كنتيجة طبيعية للقصف المتواصل منذ سنوات، ويواجه هؤلاء صعوبات كبيرة في تأمين أطراف صناعية ويفتقرون للعناية الطبية والنفسية.
مناف الراعي (٣٦عاماً) فني أطراف صناعية يقول إن مصابي الحرب لا يجدون جهات تساعدهم في تحمل تكاليف
علاجهم، في الوقت الذي يعانون فيه الفقر والحاجة والعجز عن تأمين العلاج والأطراف الصناعية بمفردهم في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها، ويرجع تراجع نشاط الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني فيما يخص الخدمات المقدمة لمصابات الحرب إلى شح التمويل والتكاليف الباهظة التي يستلزمها العلاج الطويل الأمد.
وتبلغ كلفة تركيب الطرف الصناعي الواحد بين (800 ـ 1500) دولار أمريكي بينما تصل تكلفة الطرف الذكي إلى حوالي ٤٠ ألف دولار أمريكي وفق الخبير الراعي.
أثار نفسية وجروحاً عميقة خلفتها إصابات الحرب للنساء السوريات من مختلف الأعمار، وحول الموضوع تحدثنا المرشدة النفسية فاتن السويد "الإعاقة تجعل صاحبها مع حاجته للعون الخارجي يشعر بالخيبة والإحباط والدونية وفقدان الثقة بالنفس ويعاني صاحبها من الاكتئاب والصدمة والقلق والشعور بالخسارة لفقدان عضو من أعضاء جسده، وهذه الأعراض تكون مضاعفة فيما يتعلق بالنساء المصابات اللواتي يعانين التهميش والإهمال في كثير من الأحيان في مجتمع ذكوري بحت".
وتضيف فاتن السويد أن المرأة المصابة عادة ما تصاب بخيبة أمل وفقدان أي رغبة في الحياة، ولم يعد لديها أي أحلام أو طموحات مستقبلية، وهي لا تفكر سوى بكيفية تدبير أمورها وكيف ستتأقلم مع إعاقتها وإصابتها فاقدة كل حقوقها بالأمن والأسرة والحركة والحياة الطبيعية.