مريضات السرطان في إدلب... رحلة معاناة لا تنتهي

تعاني مريضات السرطان في إدلب من صعوبات عدة، والتي تتمثل بنقص الإمكانيات الطبية، واقتصار العلاج على مركز واحد فقط، بالإضافة إلى الأوضاع المعيشية الصعبة التي تشهدها المدينة

سهير الإدلبي
إدلب ـ ، وهذا ما زاد من رحلة معاناتهن.
 أنتشر مرض السرطان مؤخراً بمختلف أنواعه في المناطق الشمالية والشمالية الغربية من سوريا بشكل ملحوظ، وأظهرت إحصائية صادرة عن إدارة معبر باب الهوى أن ١٨٨٩ شخصاً تمكنوا من دخول تركيا سنة ٢٠١٨ لتلقي العلاج، ٢٨٤ منهم مصابون بسرطان الثدي والآخرون مصابون بأنواع أخرى من مرض السرطان.
لم تتوقع حنان اليوسف (٣٣عاماً) أن الألم الذي ظهر فجأة في رأسها هو كتلة سرطانية راحت تفتك بجسدها النحيل دون بصيص أمل بعلاجها والشفاء منها وسط ما يواجهها من ظروف معيشية صعبة.
تقول حنان اليوسف وهي تنحدر من مدينة خان شيخون ومقيمة في بلدة سرمدا أن سوء أوضاع زوجها المادية وفقره حال دون وصولها للعلاج الباهظ الثمن، وهي تتردد للمشافي المجانية في إدلب بين الحين والآخر للحصول على المسكنات وبعض الجرعات الكيماوية التي تسهم بإيقاف المرض لفترات معينة على حد قولها.
حنان اليوسف واحدة من مئات النساء اللواتي لا يجدن سبيلاً للعلاج بسبب نقص التجهيزات والأخصائيين والأدوية في الشمال السوري.
وتتردد حنان اليوسف للمركز الطبي في إدلب للحصول على جرعات كيماوية مجانية وإن كانت هذه الجرعات تعتبر غير كافية لشفاء المرض أو احتوائه فهي تبقى أفضل من لا شيء "إنها تشعرني أنني أتلقى العلاج ولا أقف مكتوفة اليدين أمام أخطر الأمراض على الإطلاق وأقلها شفاءً".
لم تتمكن حنان اليوسف من الحصول على العلاج المجاني في تركيا بسبب إغلاق المعابر وصعوبة الإجراءات المتعلقة بالدخول، ورغم تكرر محاولاتها للدخول فهي لم تفلح في ذلك ما دفعها للاستسلام لمرضها وانتظار مصيرها المحتوم والاكتفاء بالجرعات الكيماوية.
إحدى الحالات الأخرى كانت لربى القدح (٣٠ عاماً) التي قصت علينا معاناتها مع المرض الذي استمر لسنوات قائلةً "كانت بداية مرضي حين شعرت بوجود كتلة في صدري، هذه الكتلة تم استئصالها في مشفى باب الهوى، ليتم منحي جرعات كيماوية في مشفى إدلب المركزي حيث تلقيت أكثر من ١٥ جرعة خلال سنتين، وحين استقر وضعي الصحي عدت إلى منزلي الكائن في حربنوش بريف إدلب الشمالي".
بعد فترة قصيرة فوجئت ربى القدح بظهور كتل جديدة بمناطق متفرقة من جسمها وهو ما يعني انتشار المرض واستفحاله، لم يعد بوسعها فعل شيء سوى أخذ الجرعات الاعتيادية وانتظار ما سيؤول إليه مصيرها، تقول بحرقة يغلب عليها مشاعر الخوف واليأس "أعلم أنه لم يعد أمامي الكثير من الوقت، المرض ينتشر بسرعة وأشعر باقتراب نهايتي، ولكنني راضية بما كتبه الله لي".
وأفتتح أول مركز طبي في إدلب مخصص لمعالجة أورام الثدي والليمفوما في مشفى إدلب المركزي بالتعاون مع الجمعية الطبية السورية الأمريكية سامز، في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2018.
يقدم المركز العلاج الكيماوي فقط إضافة لتقديم استشارات طبية لمرضى الأورام الخبيثة، لكنه يبقى غير كاف لحاجة المرضى المصابين بكتل سرطانية للعلاج الإشعاعي الأكثر فاعلية والغير متوفر في المركز.
والمركز معد فقط لعلاج واستئصال مرض سرطان الثدي والليمفوما فيما باقي الحالات يقتصر المركز على الكشف المبكر عنها وتحويلها للعلاج إلى تركيا.
عن المركز وعدد الحالات التي يستقبلها شهرياً يتحدث الطبيب ملهم خليل (٣٣عاماً) أخصائي دم وأورام إن المركز هو الوحيد المختص بمعالجة السرطان في المنطقة وهو يستقبل شهرياً أكثر من ٤٠ مريضة سرطان، عشرين بالمئة منهن مريضات سرطان ثدي والبقية تتنوع بين سرطانات الرحم والمبيض والقولون والليمفوما والدم.
وأشار خليل إلى وجود نسب شفاء تامة من مرض السرطان بعد الاستفادة الكبيرة من الجرعات الكيماوية والعلاج الهرموني والجراحة التي يقدمها المركز لمريضات السرطان، ويعتمد هذا الأمر بالدرجة الأولى على طبيعة الكشف المبكر للمرض إن كان من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة، وكلما كانت مرحلة الكشف عن المرض أبكر كلما كانت الاستفادة أكبر وفق تعبيره.
معاناة مرضى السرطان وقلة بل ندرة عدد المرضى المعافين من هذا المرض دفع العديد منهم للاستسلام لقدرهم والتوقف عن متابعة العلاج أو حتى الحصول على الأدوية المفقودة والباهظة الثمن.
وعن أسباب زيادة نسبة مرض السرطان يرى الطبيب ملهم خليل أنه ليس ثمة زيادة في نسبة مرض السرطان وإنما هناك زيادة بنسبة التشخيص لاكتشاف المرض وذلك لسببين غالباً، السبب الأول زيادة الوعي لدى الأهالي نتيجة النشاطات التي تجريها منظمات المجتمع المدني بضرورة الكشف المبكر عن السرطان، والسبب الآخر هو وجود مركز متخصص ومجاني في إدلب ما دفع المرضى لزيارته والاطمئنان على صحتهم لدى شكهم بوجود أي كتلة أو ورم واكتشاف الورم بشكل مبكر وبالتالي المساهمة بشفائه والسيطرة عليه بشكل مبكر أيضاً.
من جهة أخرى يؤكد الطبيب علاء الموسى (٣٢عاماً) الأخصائي بأمراض القلب أن نسبة الإصابة بمرض السرطان زادت بكافة أنواعه لا سيما الثدي والقولون والرئة والدم بسبب الحرب، والتي اعتبرها السبب الأهم في زيادة انتشار الأورام السرطانية لما رافقها من تلوث للبيئة جراء استخدام شتى أنواع الأسلحة والمواد المتفجرة وما نتج عنها من مواد سامة ومؤكسدة ومسرطنة، فضلاً عن انتشار الأطعمة الفاسدة وانعدام معايير النظافة العامة.
وكانت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية قالت في تقريرها الصادر في أيلول/سبتمبر ٢٠١٨ إن سوريا احتلت المركز الخامس بين دول غرب آسيا بعدد الإصابات بمرض السرطان قياساً بعدد السكان، وأن هناك ١٩٦ شخصاً يصاب بالسرطان من كل ١٠٠ ألف سوري وأن المرض يتسبب بوفاة ١٠٥ أشخاص من كل ١٠٠ ألف سوري.