مقدمي الخدمات الطبية... ارتفاع معدل الشكاوى ومطالب بضرورة فرض إجراءات حماية

ارتفع معدل الشكاوى ضد مقدمي الخدمة الطبية خلال الفترة الأخيرة ووصل بعضها لحد الاتهام بهتك العرض، وهو الأمر الذي لاقى رفض من المجتمع المدني بمختلف اهتماماته والمختصين بحقوق النساء.

أسماء فتحي

القاهرة ـ باتت الحاجة ملحة لصدور قانون لمناهضة العنف ضد النساء، فضلاً عن تفعيل نصوص القوانين التي تحميهن داخل أماكن العمل وأثناء تلقي الخدمة الطبية، وإقامة حملات توعوية للنساء لتعريفهن على حقوقهن وكيفية الحصول عليها أثناء تلقي الخدمة الطبية.

وقعت العديد من النساء في قبضة أطباء لا يحترمون ضوابط عملهم مستغلين سلطتهم على المرضى في فعل ما شاءوا خاصة وإن كانت تقف خلفهم نقابة وقانون يدعم إلى حد كبير حالة الخلط التي تحدث لعدم الحسم في آليات الكشف الطبي ووضع ضوابط ذات معالم واضحة لممارسته خاصة وإن كنا نتحدث عن نساء وقعن فرائس عنف أسري أو مجتمعي وباتوا أكثر تخوفاً من الآخرين.

التقت وكالتنا مع عدة نساء وقعن فريسة للاعتداء الطبي بصور مختلفة وصل بعضها لحد الضرب الذي قيل أنه بغرض حمايتها من الموت المحقق، ورأى بعض المهتمين بهذه القضية أن عدد ليس بالقليل من الأطباء يظنون أنهم على دراية أكثر ولا يحق للمريض أن يتدخل في أدوات ممارستهم لعملهم، لذلك تقدم الخدمة بشكل أتوماتيكي دون وضع متلقيها في اعتباره وهو أمر أصبح مرفوض مع زيادة الوعي المجتمعي خاصة بين النساء.

وتتعرض النساء لأزمات كثيرة، منها عدم فهمهن لملامح الكشف الممارس عليهن، وبالتالي تعتمدن على مشاعرهن التي قد تحتمل الصواب والخطأ وهو الأمر الذي حرص الكثيرون على بحث سبل التعامل معه وانتهت بضرورة إخبار المريضة بطبيعة الكشف الممارس معها بشكل واضح قبل اجراؤه وحقها في أن تطلب وجود أكثر من طبيب أثناء تلقيها للخدمة مع ضرورة وجود أحد أفراد أطقم التمريض.

 

حالات قاسية

أثارت الواقعة المعروفة على مواقع التواصل الاجتماعي "بطبيب الدقي المتحرش" حفيظة جميع المعنيين بالملف النسوي والحقوقي، بعد اتهام المريضة له بهتك عرضها، وما تبع ذلك من رد فعل أجزم الجميع بأنه تعدى على الضحية، وتدخل هذه الحادثة ضمن سلسلة من الشكاوى والاعتداءات التي ارتفع معدلها مؤخراً.

وعن الممارسات الطبية المشكوك في مشروعيتها أثناء تلقي الخدمة قالت سيدة جمال، وهو اسم مستعار، أنها أثناء ولادة طفلها كانت حقل تجارب داخل أحد المراكز الطبية بداية من الأطباء الصغار وصولاً للاستشاريين "أثناء الولادة لم يتم تخديري ورأيت أكثر من خمس أطباء بدرجات مختلفة يتوافدون لفحصي وسبقهم اثنان من أطقم التمريض، وأكدوا لي أن ولادتي طبيعية وأن هذا أمر معتاد لدرجة أن أحدهم صفع بطني بشكل أفقدني توازني وخرجت من الولادة دون أن أتحدث وعانيت لنحو 6 أشهر في صمت، ورغم مرور 6 أعوام على ذلك لازلت أشعر بالألم كلما تذكرته".

بينما قالت سالي جميل "ذهبت للكشف الطبي قبل زواجي بشهر لمعاناتي من التهابات نتج عنها بثور في عضوي التناسلي ولم أشعر بالراحة أثناء ذلك خاصة أن الطبيب فحص أجزاء من جسدي لا علاقة لها بالشكوى، فخبرتي بالكشف النسائي ضعيفة وأخبرت والدتي التي لم يسمح لها الطبيب بالوقوف إلى جواري أثناء الكشف وطلب منها أن تجلس خلف الستارة، واستخفت بي وقالت 'الكشف يكون بهذه الطريقة، أنتي لا تعرفين شيئاً، فهو الطبيب ويعلم ما عليه فعله'، وبعد زواجي وفحصي أكثر من مرة أدركت أن ما حدث معي اعتداء ولا علاقة لها بما كنت أعاني ولكن مرور الوقت وخوفي من زوجي امتنعت عن الحديث".

 

وعي النساء بأشكال الاعتداء ضدهن

قالت رئيس مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون انتصار السعيد أن "النساء تتعرضن لجميع أنواع العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي ومنه ما يحدث أثناء تلقي الخدمات الطبية، وهو ما حرصت المؤسسة خلال الأربع سنوات الماضية على دراسته محاولين تقييم السلوك المهني لمقدمي الخدمات الطبية خاصة في التعامل مع النساء من خلال بناء قدراتهن وانتهينا بمدونة سلوك نسعى لتعميمها على مستوى وزارة الصحة وتم تصميم تطبيق باسم "رعاية آمنة" لمساعدة النساء أكثر على فهم حقوقهن والأماكن الأكثر أماناً لهن والملتزمة بمعايير مدونة السلوك".

وعن أسباب الاعتداءات الطبية التي ارتفعت في الفترة الأخيرة، أكدت انتصار السعيد، أنها موجودة طوال الوقت ولكنها أحد الأفعال المسكوت عنها والآن النساء أكثر وعياً وهو ما جعلهن يتحدثن عما يحدث لهن من انتهاكات فبدأن بالحديث والفضح أحياناً.

وأضافت أن المؤسسة تمكنت من الحصول على أكثر من حكم قانوني لصالح من تعرضن لمثل تلك الانتهاكات خلال الفترة الماضية، وأن لهم الريادة في العمل على هذا الملف الشائك وتحقيق عدد من النجاحات سواء على مستوى المستشفيات العامة أو الخاصة وكذلك توجيه التدريبات لجميع فئات تقديم الخدمة الطبية.

 

 

لماذا يختلط الأمر على النساء أثناء الكشف بين التحرش وأداء الخدمة؟

مجموعة من الحقوق لا تعطى للنساء قبل توقيع الكشف الطبي عليهن، جعلت هناك حالة من التشكيك أثناء تلقي الخدمة الطبية خاصة وإن تطرقت لأماكن لا تشكو منها المريضة، وهو الأمر الذي يجعلها تقف عاجزة عن تحديد ما يحدث لها إن كان عمل دؤوب من طبيب متمكن أو تحرشاً بها وانتهاك لخصوصيتها.

واعتبرت انتصار السعيد، أن السبب في ذلك يعود بالأساس لحجر مقدم الخدمة على حقوق المريضة والتي يعد واحد من أهم محاورها الإفصاح عن طبيعة ما سيحدث لها من كشف بعد وصفها لما تعاني منه فعلياً، وبالتالي لن تحدث لها المفاجأة أثناء تلقي الخدمة فيكون رد فعلها إما بالصمت الناتج عن التشكك أو بالفضح المبني على ما شعرت به أثناء تلك الممارسة.

وأوضحت أن المؤسسة وقفت على تلك الأزمة من خلال عملها الميداني ودراسة الواقع داخل المنظومة الطبية وقامت بعقد سلسلة من الورش التوعوية والتأهيلية للمعنيين بذلك الأمر من أجل تنمية قدراتهم، واستفاد من ذلك خلال الأربع سنوات الماضية أكثر من 1500 مقدم خدمة في أربع محافظات هي "القاهرة والإسكندرية والبحيرة وسوهاج" ويستهدف البرنامج عدد من المحافظات الأخرى مستقبلاً.

 

الدعم الغير مشروط للأطباء على حساب الطرف الآخر يعمق الأزمة ويزيد الفجوة

وأكدت انتصار السعيد "أن نقابة الأطباء واحدة من أقوى النقابات المهنية في الدفاع عن حقوق أعضائها"، لافتةً إلى أن هذا الدعم الذي يبدو غير مشروط ناتج عن الوضع الذي يعملون به ومعاناتهم في بيئة عملهم وظروفها القاسية فضلاً عن العنف المضاد الذي يتعرضون له من أهالي المرضى، ولكنها رأت أن هذا لا علاقة لها بالعمل وفق قواعد مهنية واضحة لا تؤثر على متلقي الخدمة الطبية.

وأوضحت أن الاعتراف بالخطأ لا ينتقص من مرتدي المريول الأبيض فهم ليسوا ملائكة منزهين عن الخطأ وأنه على نقابة الأطباء مراجعة مواقفها وتحري الحقيقية فيما يتم الإعلان عنه من شكاوى وفتح المجال للعمل مع المجتمع المدني من أجل الوصول لخدمة تضمن حقوق جميع أطرافها.

ومن جانبها قالت الاخصائية النفسية رشا سويلم، أن دور النقابة هو حماية أعضائها مع تحري أخطائهم، معتبرةً أن حماية المعتدي تجلب الكثير من التوابع الكارثية لذلك يجب أن يتم إعلاء مبدأ العدالة على دعم الأعضاء، والتعامل مع القضايا والشكاوى المقدمة دون الانسياق للاحتمالات الأضعف المرتبطة بكذب كل من يدين مقدم خدمة من أجل الوقوف على الحقائق وضمان مزيد من الأمان أثناء ذلك.

 

 

القانون يدعم حقوق الجميع ولكن تطبيقه يحتاج لتفعيل أسرع ومراعاة للنوع الاجتماعي

وقالت أن عدد من النساء تشتكين من تعرضهن لانتهاكات أثناء تلقي الخدمة الطبية وبعضهن حصلن على حقوقهن بينما ظلت أخريات تعانين من ضياعها فيما آثرت الكثيرات الصمت لتأكدها أن حديثها بلا جدوى وهو الأمر الذي يجعل من مناقشة أوجه القصور القانوني ضرورة حتمية للوصول لواقع أفضل داخل المنظومة الطبية.

وأضافت رشا سويلم أن الأزمة تكمن في تنفيذ القانون وليس وجوده، فالكثيرون في تقديرها يستطيعون الإفلات من العقاب والأهم هو التمكن من وضع كل من يخالف نصوصه في ميزان تطبيق العدالة، لافتةً إلى أن عدم قدرة الكثيرات من الحصول على حقوقهن بعد اللجوء للمسار القانوني جعل البعض يصمت ويقبل الأمر الواقع حتى لا يوصم مجتمعياً بلا جدوى.

وأوضحت أن هناك عدد من الإجراءات التي يجب تنفيذها لتشعر المرأة بالأمان أثناء تقديم الشكوى داخل أقسام الشرطة والجهات التي تلجأ لها للبوح بما وقع عليها من عنف حتى يتشجع غيرها على رفض الانتهاكات التي تحدث لهم، بالإضافة إلى عدم تعقيد الأمر بإجراءات إدارية قد تجعلها تنفر من اللجوء للقانون.

 

بعض الأطباء بحاجة إلى تأهيل نفسي

قالت رشا سويلم إن انتهاك الطبيب لحقوق المرضى مخالف للأمانة العلمية وأغلبها ناتج عن تراجع معدل القيم والأخلاق أو الضغط الواقع على مقدم الخدمة وقد ينتج عن ذلك إسقاط ومحاولة للسيطرة على الطرف الأضعف اجتماعياً ويعد علاج ذلك الفعال هو التأهيل النفسي للمعتدي.

وبينت إن السبب في تفاقم الأزمة الحالية إلى الصمت العاجز من بعض النساء بعد تلقي الخدمة وانتهاك خصوصيتها بالاعتداء الجنسي والبدني الناتج عن عدم قدرتهن على "الكلام" خوفاً من الأهل والمحيطين بها.

وأشارت إلى أن السبب في المطالبة بوضع اعتبار النوع الاجتماعي في الحسبان أثناء الكشف الطبي والالتزام بمعايير السلوك المهني وما يسبق ذلك من أخطار بطبيعة الكشف يعود إلى كون المرأة طرف أضعف مجتمعياً وهي بحاجة لرعاية وحماية من سلطة المجتمع الأبوي، فضلاً عن دورها المرتبط بالأسرة وتربية الأبناء وأهمية صحتها النفسية في اتمام الأمر على الوجه المرجو والأكثر إفادة للمجتمع.

وأكدت الاخصائية النفسية رشا سويلم أن الوضع الحالي يتطلب القيام بسلسلة من الحملات التوعوية للنساء لتعريفهن بحقوقهن وكيفية الحصول عليها أثناء تلقي الخدمة الطبي، مؤكدة أن بعض الأطباء والمتخصصين النفسيين يقومون بالعمل على نشر التوعية سواء في أماكن عمل النساء أو قراهم وتوعية الأطباء أنفسهم بأسلوب التعامل مع المريض وحقه في الحصول على معلومات حول طبيعة الكشف المقدم له وما يتبع ذلك أثناء تلقيه للخدمة.