مقاومة الشيخ مقصود... حكاية انتفاضة شعبية قادتها النساء

عاش حي الشيخ مقصود في حلب بوجه هجمات حكومة دمشق تارة والجماعات المرتزقة تارة أخرى، تعرض خلالها لمجازر فظيعة والقصف العشوائي لسنوات عديدة، تخللتها قصص مقاومة أبدتها النساء خلال حرب الشعب الثورية.

سيبيلييا الإبراهيم

حلب ـ مع بداية الأزمة السورية بدأت الفوضى تنتقل من منطقة لأخرى دون رادع، ولكن الواقع في حي الشيخ مقصود كان مختلفاً، فالمقاومة الشعبية بريادة المرأة كانت السد المنيع لهذه الفوضى، مشاركين في إطلاق شرارة ثورة روج آفا.

تعرف المرأة في شمال وشرق سوريا بنضالها ومقاومتها وكفاحها بوجه الظلم والذهنية الذكورية التي تسيطر على المجتمع، فلم تتوانى عن الوقوف بوجه كافة أشكال الانتهاكات وأثبتت جدارتها مع بداية انطلاق ثورة روج آفا التي كان حي الشيخ مقصود في حلب نقطة بداية شرارتها.

تزامناً مع بداية الأزمة السورية، عمل أهالي حي الشيخ مقصود على إدارة شؤونهم بأنفسهم وأعلنوا إدارتهم الذاتية من خلال تشكيل مجالس تنفيذية للحي، وكومينات ومجلس المرأة، وهو ما لم تتقبله حكومة دمشق والمجموعات المسلحة، ليتم شن الهجمات بالطائرات الحربية والأسلحة الثقيلة حتى المحرمة منها دولياً، على الحي، إلا أنها دائماً ما جوبهت بمقاومة لا مثيل لها من قبل الأهالي، وكان لذلك دور بارز في توسع رقعة الثورة.

وتقول سعاد حسن وهي من مهجري عفرين أنهن تعرفن على حقيقية تاريخ المرأة من خلال فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان، وهو ما ساهم في قدرتهن على تنظيم أنفسهن "انتهاج النساء في شمال وشرق سوريا لفكر وفلسفة القائد أوجلان، مكنهن من قيادة ثورة روج آفا عام 2012، لتحرير المرأة من الفكر السلطوي".

وأضافت "لقد كان الشعب متعطشاً للتحرر من الظلام والعبودية والقوانين الجائرة، ليكونوا أصحاب القرار والإرادة الحرة، لقد عرفت ثورة روج آفا بثورة المرأة، فقد ولدت ثورة تحرير المرأة من رحم ثورة تحرير المنطقة"، مشيرةً إلى أنهن شاركن في الثورة بكل ما أوتين من قوة من خلال حمل السلاح وتنظيم الفعاليات والنشاطات المختلفة والمظاهرات "كان للمرأة الواعية التي تسير وفق فلسفة القائد أوجلان الدور البارز في توعية النساء من حولها".

 

"شهادة كولي سلمو شرارة انتفاضة النساء"

بدأت انتفاضة حي الشيخ مقصود إثر استشهاد كولي سلمو، وهي من النساء المناضلات اللواتي لعبن دوراً كبيراً في تنظيم المجتمع، وأصحبت واحدة من رموز المقاومة "كانت شهادة المناضلة كولي سلمو في الثالث عشر من آذار عام 2012، شرارة الانتفاضة الشعبية في حي الشيخ مقصود".

وأضافت "عملت النساء خلال الثورة على تنظيم صفوفهن وبناء الحواجز الأمنية لحماية حيّهن، لقد سعينا جاهدين للحصول على حقوقنا، وأثبتنا للمجتمع أننا صاحبات إرادة قوية وقادرات على الوقوف في وجه المرتزقة"، مشيرةً إلى أنه قبل ثورة روج آفا كانت النساء مقيدات بالنظرة الدونية والمهام المنوطة بهن التي وضعها لهن المجتمع.

وأوضحت أنه بعد المقاومة التي أبداها أهالي الحي تم إنشاء مختلف المؤسسات وذلك بعد الإعلان رسمياً عن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا واتباع نظام الرئاسة المشتركة، وهو ما دفع بالنساء للقيام بدورهن في المجتمع والمشاركة في كافة المجالات التي كانت البعض منها حكراً على الرجال "لقد تم العمل بالمساواة بين الجنسين، حيث شاركت النساء إلى جانب الرجال في اتخاذ القرارات المتعلقة بمنطقتهم، وقاموا بتنظيم المجتمع يداً واحدة".

 

"كانت الأمهات تستقبلن نبأ استشهاد أبنائهن بالزغاريد"

وعن دور المرأة في المقاومة، بينت سعاد حسن أنه "تحلي النساء بالإرادة منحهن القوة للوقوف بوجه المرتزقة، وكن تنطلقن في الصباح نحو المكان الذي كان يعد فيه الطعام للمقاتلين حتى ساعات الظهيرة، وفي المساء ترفعن السلاح وتحمين الحي حتى ساعات الصباح الباكر ترسيخاً لمبدأ الحماية الجوهرية، كما شاركن في المستوصف لإسعاف الجرحى ومساندتهم إلى جانب تنظيم الفعاليات"، مشيرةً إلى أن جميع المكونات كانوا يقاومون ويناضلون بقلب واحد "لقد كانت الأمهات تتركن أطفالهن في المنازل وتذهبن إلى الجبهات للمشاركة في القتال، غير آبهات بما سيحل بهن، حتى أنهن كن تستقبلن نبأ استشهاد أبنائهن بالزغاريد".

ولفتت إلى أن كافة الثورات التي شهدها العالم لم تنجح في الوصول إلى مآربها لأنها لم تكن تضم في صفوفها نساء على عكس ثورة روج آفا التي شاركت فيها المرأة وكانت الطليعية "ساهم قيادة النساء للثورة والحراك الشعبي في تغيير واقعهن"، مناشدة جميع النساء بمساندة النساء في المناطق المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتها، ودعم الانتفاضة الشعبية في إيران وشرق كردستان، والاقتداء بثورة المرأة في روج آفا "طالما أن المرأة هي من تقود الثورة في إيران وشرق كردستان، فحتماً سينتصرون على الظلم والعبودية، وكلنا ثقة وأمل بالثورة التي بدأت بوفاة جينا أميني".

 

 

وحول الدور البارز الذي لعبتهُ المرأة الكردية في ثورة روج آفا، وخاصة في حرب الشعب الثورية في حلب، وكيف استطاعت التأثير على النساء من المكونات الأخرى في المنطقة وتشجيعهن للانضمام للمقاومة، تقول عضوة علاقات مؤتمر ستار فاطمة حسن وهي من النساء الشاهدات على مقاومة الشيخ مقصود "عندما انطلقت الثورة السورية من مدينة درعا وتوسعت رقعتها، اتخذنا نحن أهالي حلب الخط الثالث، فكأهالي حي الشيخ مقصود والأشرفية لم نتفق على ما تودهُ المعارضة التي انقسمت إلى مجموعات، كما لم نتفق مع حكومة دمشق وذهنيتها".

وأضافت "عندما بدأت المعارك بين قوات حكومة دمشق والمرتزقة في العديد من المدن السورية، قصد الأهالي أحياء حلب خاصة الشيخ مقصود والأشرفية اللتان كانتا تعيشان حالة من الاستقرار والأمن بعد أن قمنا بتنظيم أنفسنا نساءً ورجالاً وأطفالاً لحماية مدينتنا، وجهزنا الأقبية آنذاك لاستقبال الأهالي وحمايتهم من القصف العشوائي، كل فرد من أهالي الحي اتخذ دوره، الجميع حمل على عاتقه الحماية والدفاع عن الحي، منهم من قدم المساعدة في المستوصف الوحيد في الحي، وآخرين في قوات الحماية الجوهرية، وبعضهم في التنظيم".

 

المقاومة والتنظيم أساس تطور المجتمعات

وعن المقاومة والصمود الذي أبداه أهالي حي الشيخ مقصود، تقول فاطمة حسن التي بدأت بالعمل ضمن حركة تحرر المرأة منذ أربعين عاماً، أن المقاومة والتضامن والتنظيم أساس تطور المجتمعات "بتكاتف المكونات انتصرت مقاومة الشيخ مقصود، وإذا لم يكن الشعب منظماً فلن يكون بإمكانه إدارة نفسه، أهالي الحي كانوا يداً واحدة مع القوات العسكرية المدافعة عنهم، حيث أن كل عائلة وبجميع أفرادها دافعوا عن الحي بكل ما يمتلكون من قوة وإرادة كالانضمام لصفوف الدفاع، تأمين متطلبات القوات العسكرية من مأكل ومشرب وإرسالها لهم".

ولفتت إلى أنه بعد عودة النازحين إلى مناطقهم بدأوا يروون قصص مقاومة الحيين، وسعوا للسير على خطاهم "لقد استطعنا إيصال فكرة حركة تحرر المرأة للنساء من جميع المكونات، من خلال إنشاء المؤسسات النسوية وتوعية المجتمع وتعريفه بحقيقة المرأة وتاريخها".

 

 

وعن المقاومة التي تبديها النساء في إيران وشرق كردستان والانتفاضة التي تقدنها، تقول "نساء العالم أجمع تأثرن بمقاومة ونضال المرأة في إيران وشرق كردستان اللواتي سرن على خطى ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا للحصول على حقوقهن ولعب دورهن في كافة المجالات"، داعية النساء للتضامن مع بعضهن البعض والنضال ضد الذهنية الذكورية والأنظمة الأبوية يداً بيد.

وحول تأثر المرأة العربية بمقاومة وإصرار الكرديات اللواتي أخذن زمام المبادرة في الانتفاضة، تقول عضوة مكتب العلاقات في مجلس سوريا الديمقراطية فرع حلب فاطمة الحسينو، وهي إحدى المشاركات في مقاومة الشيخ مقصود والمساهمات في بناء المؤسسات وتمثيل المرأة العربية بها، أنهن اتخذن النساء الكرديات اللواتي أبدين مقاومة لا مثيل لها قدوة لنا في النضال والتواجد إلى جانب الرجال في ساحات القتال على غير العادة، مشيرةً إلى أنه لم يسبق لهن أن تقلدن مراكز صنع القرار أو المشاركة في إدارة المجتمع إلى جانب الرجل كما يحصل الآن، إثر العادات والتقاليد البالية التي كانت مسيطرة على المجتمع.

ولفتت إلى أن الأمهات اللواتي شاركن في المقاومة التي شهدها الحي خاصة الكبيرات في السن كن تسعين لتأمين المواد الغذائية للأهالي في ظل الحرب، كن تتجولن في الشوارع والمشافي للاطمئنان على المرضى والجرحى وتقديم المساعدة لهم "لقد تأثرت كثيراً بمقاومة النساء الكرديات وهو ما منحني الدافع للخروج من قوقعة المنزل والعائلة والانضمام إلى الثورة والمقاومة، فبالرغم من أنني امرأة متعلمة إلا أنني كنت أقبع داخل جدران المنزل"، مضيفةً "لقد أحدثت الثورة تغيير كبير في شخصيتي، والآن أنا امرأة فاعلة ضمن المجتمع، وأسعى لإيصال صوت كافة النساء".

 

ساهمت النساء في إعادة الحياة لحي الشيخ مقصود

وعن مرحلة ما بعد التحرير والدور الذي لعبته النساء في بناء المؤسسات وإعادة الحياة للحي وتغيير النظرة المجتمعية، تقول فاطمة الحسينو "استطعنا تغيير نظرة المجتمع للمرأة، فقد أثبتنا قدرتنا من خلال تنظيم أنفسنا، من إدارة المنطقة والمؤسسات والأحزاب السياسية في الحي، وبدائنا بحملات توعوية ضمن المجتمع للتعريف بمفهوم الحرية وأهميته للنساء والشعوب"، لافتةً إلى أنه بعد تحرير الحي سارعن إلى فتح المدارس لإعادة العملية التعليمية "قمنا بإعداد المعلمات لنحارب الجهل".

وعن العراقيل والصعوبات التي واجهنها في مواجهة الذهنية الذكورية التي كانت ترفض مشاركة المرأة في كافة المجالات، توضح "كانت هناك العديد من العراقيل التي واجهتنا خاصةً الذهنية الذكورية التي ترفض مشاركة المرأة ضمن المؤسسات إلى جانب الرجال خاصة في المجال السياسي"، مضيفةً "لقد قررت الانضمام للحقل السياسي لأمثل المرأة العربية وبالتالي المجتمع ككل، فنحن في حي الشيخ مقصود تجاوزنا مرحلة التفريق على أساس المكون، فنحن جميعاً نمثل قضية شعب"، مؤكدةً على أنهم سيواصلون النضال للوصول إلى مجتمع حر ديمقراطي متعددي يتحلى بالمساواة الفعلية.