منها الميول الانتحارية وفقدان الثقة... كيف تتأثر النساء الواقع عليهن العنف

يعد فقدان الثقة والخوف المستمر والتردد نتاج تحكم آخرون في مصائرهن من أهم نتائج العنف المباشر على النساء.

أسماء فتحي

القاهرة ـ النساء المعرضات للعنف تعانين لفترات طويلة من حياتهن بفعل آثاره وهو الأمر الذي يحتاج لتدخل سواء بالدعم النفسي أو القانوني للتعامل معه حتى يتسنى لهن تجاوزه.

"لم أنس يوماً ما حدث معي وحتى اليوم لا أستطيع أن أتخذ قرار مصيري يتعلق بحياتي خوفاً من شيء ما لا أعلمه"، بهذه العبارة بدأت غادة محمد اسم مستعار، الحديث عن معاناتها وهي طفلة من والداها الذي كان لا يسمح لها بالحديث مطلقاً معتبراً "حديث البنات في الأمور المصيرية عيب".

وقالت "كان يضربني كثيراً لدرجة أني فقدت النطق أكثر من مرة، ولم تكن والداتي قادرة على التدخل فهي أيضاً عرضة لنيران غضبه"، مؤكدة أن والداها كان عدواني لدرجة أنها ظلت سنوات بمجرد علمها بوصوله للمنزل تختبئ خوفاً منه "مرت سنوات وفقدته وكذلك أمي وبت المسؤولة عن نفسي ولكني لم أتعافى قد، فحتى اليوم لا أستطيع أن أقرر وأرتبك من الصوت المرتفع، رغم مرور نحو 20 عام على تعنيفي".

ولا يمكننا أن نبني حديثاً عن العنف بالتزامن مع حملة الـ 16 يوم العالمية دون التفكير في حجم ما يتركه من إيذاء على المتعرضات له سواء من الرغبة المستمرة في الانتحار أو فقد الثقة والخوف وغيرها من المشاعر التي تحتاج بالفعل لتدخل طبي نفسي لتجاوزها وأيضاً دعم من المحيطين مع الابتعاد عن الوصم والإدانة لكونهما يزيدان الأمر تعقيداً.

 

النساء في الصعيد تعانين من العنف والخوف وفقد الثقة أبرز ملامحه

قالت مسؤولة المتابعة والتقييم في جمعية أنا مصري للتنمية والتدريب في قنا أسماء سيد، أن واحدة من أهم نتائج العنف المباشر على النساء في الصعيد فقد الثقة والخوف المستمر، والتردد نتاج تحكم آخرون في مصائرهن.

وأوضحت أن بعض النساء تتعرضن للضرب والتعنيف وكثيرات تخفن لأبسط الأشياء حتى على مستوى التحدث والنقاش على عكس الفتيات والنساء اللواتي تعشن في المدن لأن فيها قدر ليس بالقليل من الحرية على الأقل في البوح مما يحدث معهن من عنف وأخذ موقف تجاه المعنف.

وأكدت أن اللجوء للقضاء لا يعد الخيار الأفضل للكثيرات خوفاً من الوصم المجتمعي لكونه مازال يلقي اللوم على الفتاة حتى وإن كانت متعرضة لعنف فهناك قبول لما يحدث معها وعادة ما يتم إدانتها لكونها سبب ما وقع معها من ممارسات.

وعن معاناة الفتيات مع العنف فقد كشفت أسماء سيد، أن واقع وتأثير العنف لا يتم تجاوزه بسهولة فقد التقت فتيات على سبيل المثال تعرضن للاعتداء أو التحرش في المواصلات العامة وهو الأمر الذي جعلهن في خوف عادة من الشارع ومن المجتمع خوفاً من وقوع الأمر ذاته مرة أخرى بل أن بعضهن يقبعن في المنزل ويخفن الخروج للشارع أو مجرد التواجد في الفضاء العام.

وبينت أن المرأة عليها رفض العنف وعدم القبول به لأن هناك معاملة دونية للنساء واستحقاق ذكوري في رفع الصوت وانتهاك مساحة النساء والفتيات بحاجة لمواجهة، مشيرة إلى وجود تقدم نوعي في الوعي وهناك نساء في الصعيد بالفعل تحررن من الخوف نتيجة رفع معدل الوعي، معتبرة أن ذلك بداية التغيير الحقيقي.

 

 

 

الانتصار للمعنفات وترضيتهن تسرع تعافيهن

أكدت أخصائية خط نجدة الطفل وأخصائية دعم نفسي بقطاع اللاجئين للأطفال ضد العنف يسرى عبد السلام، أن أكثر الأمور التي تؤثر على الأسر مستقبلاً تتمثل في تعرض الفتيات للعنف في مرحلة مبكرة من عمرهن، مضيفة أنها استقبلت حالات كثيرة وصلت لإيذاء الذات وكره الفتاة لجسدها ولمن حولها وأسرتها بسبب ما تمت ممارسته عليها من عنف، فضلاً عن الرغبة المستمرة في الانتحار لشعورها بالعجز وعدم الرضا، ولوم الذات المتواصل وهو الأمر الذي دفع الكثيرات لمحاولة الانتحار.

وأوضحت أن أهم محور لمناهضة العنف هو تصديق الفتيات والانصات لهن لأن أزمة الفتاة تكمن في عدم تقبلها في حال افصاحها عما حدث معها، مؤكدة أن تقديم الدعم النفسي والقانوني أحد أهم أدوات الحماية والترضية للفتاة التي تتعرض للعنف.

وعن التجارب التي صادفتها قالت "كانت هناك شقيقتين تعرضن لتحرش جنسي من قبل مدرس خاص بهم ولم يكونوا مدركين لما يحدث معهن والجاني في تلك الواقعة كان يهددهن فهو يتمتع بسمعة جيدة ومتدين وذو علم ويعرف أسرتهن، وهو ما جعلهن يأثرن الصمت ورغم أنهم في عمر الـ 16 عام تقريباً إلا أنهم عانوا من التبول اللاإرادي والخوف والقلق والتوتر حتى اضطرت إحداهن بعد ضغط والداتها بالبوح بما حدث معهن، ولم تكن لدى الأسرة رغبة في الابلاغ حتى تم تقديم إرشاد أسري ودعم نفسي لهم وتقدموا بالإبلاغ وحالياً بعد سلسلة من الإجراءات والكشف الطبي على الفتاتين لأنه الاعتداء كان جنسي واقترب من هتك العرض فقد صدر حكم على المتهم بالسجن 7 سنوات".

وأكدت أن تلك الأسرة تعرضت لضغط نفسي كبير ولكن بمجرد صدور الحكم حدث تطور كبير في حالة الفتاتين النفسية، لكنهن لا زلن تعشن جانب ليس بالقليل من الأعراض السلبية التي حدثت لهن على خلفية تلك الانتهاكات التي تعرضن لها.