منها الفقر وسوء الأوضاع الصحية والنفسية... هكذا تدفع النساء ضريبة كثرة الإنجاب

رغم أن كثرة الإنجاب واحدة من الثقافات التي بدأت تتراجع في الفترة الأخيرة إلا أنها مازالت مستمرة وتؤثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية وعلى صحة المرأة النفسية والجسدية.

أسماء فتحي

القاهرة ـ لا يمكن إغفال أن كثرة الانجاب تؤثر سلباً على المجتمع والنساء في طليعة المتضررات منه، مخلفاً أثاراً على صحتهن النفسية والجسدية، والأسوأ أن بعض العائلات مازلن يرون في كثرة الأطفال "العزوة والسند" وهو الأمر الذي ينال من أعمارهن فالكثيرات تدفعن ضريبة ذلك لدرجة وصلت لفقد الأرواح في سبيله.

يحتاج الأمر للكثير من العمل لتغيير ثقافة المجتمع الذي مازال يرى في كثرة الإنجاب ضرورة لإعلاء شأن الأسر، فضلاً عن التنبيه بتأثير ذلك على أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، بل ومستقبل الأطفال أنفسهم وتعليمهم وتنمية مهاراتهم، كما أن النساء أنفسهم عليهم عبء الدفاع عن ذواتهن وقدرتهن على الإنجاب من عدمه.

 

"النساء لسن أصحاب القرار المنفرد في الانجاب"

"أنجبت 6 أطفال وكبرت قبل الأوان ولو عاد بي الزمن لما فعلت ذلك ولكن قرار الإنجاب لم يكن بيدي ولا أعتقد أن النساء تستطعن التقرير في تلك المسألة"، بتلك العبارة بدأت سهام عمر "اسم مستعار"، حديثها وأوضحت أنها تزوجت في عمر الـ 14 عام وفكرة أنها تنجب من عدمه كانت تعود لزوجها كلياً "المرأة مفعول به في العلاقات بمجتمعنا".

قالت "حاولت تعليمهم خاصة في البدايات، إلا أني لم أتمكن من إتمام الأمر فقط ابني الأكبر واصل تلك المسيرة"، موضحة أن ظروف المعيشة حالت دون ذلك لأن زوجها لم يستطع الإنفاق على الأسرة، وهو الأمر الذي جعل ابنها الثاني يتجه للعمل في سن مبكر لمساعدته.

وأضافت "كنت أتمنى أن يصبح أطفالي متعلمين ويكملون مسيرتهم التي حرمت منها في صغري ولكننا لم نستطع فعل ذلك، وأنا لم يكن أمامي خيار فوالدة زوجي كانت ترى أنه في كثرة الأطفال عزوة وسند لزوجي وكانت تحثه على الاستمرار في الإنجاب حتى بت عجوز في الثلاثين من عمري وشاب شعر رأسي وتعرضت للكثير من الأمراض ولم أتوقف عن الانجاب إلا حين أخبرهم الطبيب أن في ذلك خطورة على حياتي".

الكثيرات لا قرار لهن في مسألة الإنجاب، فسهام عمر ليست الوحيدة فقد التقينا الكثيرات ممن أكدن أن قرار الإنجاب يعود للزوج وأسرته من جهة وللثقافة القائلة بأن كثرة الأطفال ضرورة لأسرة أكثر قدرة على النفوذ خاصة إن كان الأطفال ذكور وغيرها من العبارات المحفزة على الإنجاب والمخربة بالأساس في المجتمع.

 

صحة المرأة تتضرر وبعض النساء تفارقن الحياة

قالت المديرة التنفيذية ومؤسسة مبادرة صوت لدعم حقوق المرأة نها سيد، إن الإنجاب بكثرة يؤثر سلباً على الأسرة كاملة بما فيها الأطفال ذواتهم والنساء تتضررن منه بشكل مباشر "يؤثر على صحة المرأة الجسدية والنفسية فعلى مستوى الجسد لا يمكنها مع الوقت أن تفي بمتطلبات أطفالها واحتياجاتهم سواء في الدراسة أو الرياضة أو أيا من مظاهر الدور الرعائي لهم، وهذا بالتبعية تتم ترجمته لمشاعر تنال من سلامتها النفسية".

وأوضحت أنهم في شهر تشرين الأول لعام 2023 أطلقوا حملة استهدفت قضية زيادة معدل الإنجاب للنساء وتأثيره عليهن وكانت لديهم دراسة لحالة امرأة في الصعيد ظلت تنجب حتى تتمكن من إنجاب ذكر حتى انتهى أمرها وفارقت الحياة مع آخر ولادة لها ودفعت حياتها ضريبة فقط لأنها تنجب فتيات.

 

آثار نفسية واجتماعية سلبية بالجملة

كشفت مسؤولة التشبيك في مؤسسة مصريين بلا حدود للتنمية إيمان يوسف، أن كثرة الإنجاب يستهلك أجساد النساء ويؤثر على صحتهن العامة خاصة المتزوجات مبكراً.

وبينت أن لكثرة الإنجاب أثار سلبية على صحة المرأة النفسية فمسألة تربية الأبناء وتلبية متطلباتهم أمر صعب على النساء ويجعلهن في مرحلة مشاعرية صعبة للغاية وهو بدوره يؤثر على الأطفال ذواتهم وتلبية احتياجاتهم والتركيز على تنمية مهاراتهم وتطويرهم.

وأشارت إلى أن الإنجاب بكثرة له آثار اجتماعية فلا تستطيع الأسرة أن توفر للأطفال فرص تعليم ملائمة وعادلة، وكذلك رعايتهم الصحية وتوفير الأدوية وتقديم الدعم بشكل مناسب، معتبرة أنه كلما زاد العدد قلت القدرة على تلبية الاحتياجات.

وأوضحت أن الأوضاع الاقتصادية للنساء تتضرر ويزداد فقرهن بفعل غلاء مستوى المعيشة وهو ما يجعلهن يقررن البحث عن عمل في أكثر من وظيفة لتلبية احتياجات الأطفال ويضغطن على ذواتهن بمنح الأولوية في تلبية الاحتياجات للأطفال مما يحرمهن من الاستمتاع باعتبار أن ما يحتجن له حتى وإن كانت أدوية رفاهية.

 

 

الأوضاع الاقتصادية تتضرر كذلك

أكدت نهى سيد، أن النساء تدفعن ضريبة كثرة الإنجاب لعدم قدرتهن على الولادة في مكان جيد وبالتالي تتعرض لبعض مخاطر الولادة ومنها ناسور الولادة وغيره من الأمراض اللاحقة على وضع الجنين، وبعضهن لا يتمكن من التعافي بفعل ارتفاع أسعار الأدوية وعدم القدرة المالية لتوفير ما قد تحتاجه كي تطيب جراحها "بعض النساء تصبح لديهن احتياجات بعد الولادة منها الفوط الصحية والفيتامينات وجميعها قد لا يمكن توفيرها بفعل توزيع الأموال على احتياجات عدد أكبر من الأفراد داخل الأسرة".

وأوضحت أنه لا يمكن إغفال تأثير كثرة الإنجاب سلباً على الأطفال أنفسهم كون الأم لا تستطيع إعطائهم الوقت الذي يحتاجونه لأن وقتها يتوزع على عدد ليس بالقليل وبالتالي قد لا يلبي الاحتياج.

ولفتت إلى أن طاقة الأم ذاتها لا تحتمل العدد الأكبر وذلك يؤثر سلباً كذلك على الأطفال ذواتهم وتنشأتهم، كاشفة أنهم التقوا عدد كبير منهن أكدن أنهن تشعرن بالندم والتقصير في حق أبنائهم، بل وكرهن فكرة الأمومة ولديهن أزمات تتعلق بتقبل الجميع.