منبج... مباني لونت بالأسود تروي معاناة الأهالي إبان سيطرة داعش

تكثر الأماكن التي شهدت على جرائم داعش في مدينة منبج والتي تروي كل زاوية فيها الانتهاكات التي ارتكبت بحق الأهالي من قتل ونفي وتعذيب.

سيبيلييا الإبراهيم

منبج ـ شهدت مدينة منبج في شمال وشرق سوريا خلال سيطرة داعش جرائم يندى لها جبين الإنسانية من قتل وقصاص ورجم واعتقال وتصفية الأهالي على يد داعش الذي حول كل زقاق من أزقة المدينة مكاناً لممارسة التعذيب والقتل ونشر الرعب بين الأهالي، لكن كان تحرير منبج البوابة لتصبح كل تلك الأماكن منارة للحرية والخلاص من العبودية.

بجهود قوات سوريا الديمقراطية وقوات مجلس منبج العسكري من أبناء مدينة منبج وشمال وشرق سوريا تحررت مدينة منبج في 12 آب/أغسطس عام 2016، وتم الإعلان عن تحريرها في الخامس عشر من الشهر ذاته، من مرتزقة داعش الذي سيطر على المدينة أواخر عام 2013.

نورا الحامد نائبة الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة المدنية الديمقراطية في منبج وريفها، تقول إن "داعش منذ بداية سيطرته على مدينة منبج ارتكب انتهاكات عدة بحق الأهالي وخاصة النساء، ونشر الخوف والرعب بينهم، وفرض قيود على النساء والرجال على حد سواء، كاللباس الأسود للنساء ومنعهن من الخروج والدخول دون محرم، وفي حال شاهدو رجل وزوجته وكانت الأخيرة ترتدي لباس "غير شرعي" يقومون بتعنيف الرجل وإهانته واعتقاله وفي حالات أخرى تصل العقوبة لحد القصاص أو رجم المرأة حتى الموت".

 

مراكز عامة تحولت لسجون

وأوضحت نورا الحامد أنه إبان سيطرة داعش على مدينة منبج حول العديد من المراكز العامة مقرات لها وبعضها كانت سجون لإيواء السجناء وممارسة كافة أشكال التعذيب عليهم "خلال سيطرت داعش على المدينة تم تحويل العديد من مراكز المدينة إلى سجون ومعتقلات للأهالي وغالبية المساجين كانوا من المدنيين العزل الذين لا يرتكبون أي جرم، ومن بين تلك الأماكن التي حولها داعش إلى سجن هو المركز الثقافي القديم".

وعن مبنى الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج وريفها الذي كان إبان سيطرة داعش مكان لزج الأهالي به، تطرقت إلى الغرف التي كانت تستخدم كسجون وتنفيذ الجرائم بحق الأهالي "الغرفة التي تقع في الطابق الأول من الإدارة والغرفة التي بجانبها كانتا مكان للوالي كما كان يصفه داعش، يفرض فيهما الأحكام الجائرة على الأهالي المعتقلين دون سبب وتحت ذرائع واهية"، مبينةً أنه بعد تحرير المدينة أصبح المبنى مكان لخدمة الأهالي.

وعما كان يعيشه السجناء في معتقلات داعش، ذكرت نورا الحامد قصص نقلاً عن بعض المساجين الذين زاروا منبج بعد التحرير وترددوا إلى مبنى الإدارة المدينة الديمقراطية لرؤية ما حل بالمكان الذي كان يستخدم لتعذيبهم "أحد المساجين الذي زار الإدارة منذ أيام قليلة عندما دخل المبنى بدا عليه الرعب والتوتر بعد أن عادت به الذاكرة إلى ما قبل تحرير منبج، فتفقد المكان وكيف كانت كل زاوية منه يمارس فيها القتل والتعذيب".

ولفتت إلى أنه يوجد داخل المبنى غرفة طولها عشرة أمتار تقع في الجهة الثانية للإدارة كان يزج به داعش المئات من المساجين فوق بعضهم البعض وكانت النوافذ فيها مغلقة لا يرون النور إلا من خلال ثقب صغير في أحد جدران الغرفة.

 

الفندق

وعن أكثر الأماكن رعباً فندق مدينة منبج المبنى الذي يتشكل من خمسة طوابق وتم طلائه باللون الأسود، تقول نورا الحامد إن "الفندق الذي حوله داعش لسجن، كان يمارس فيه أقسى أشكال التعذيب بحق المعتقلين المدنيين كقص الأطراف والقصاص، بالإضافة إلى العامل النفسي من خلال ترهيب الأهالي وزرع الخوف داخلهم"، موضحةً أن داعش كانت تستخدم قبو الفندق لزج الأهالي فيه، والطوابق الأخرى تستخدمها كمكاتب "أمنية" لها.

ونوهت إلى أنه "بعد تحرير منبج شوهدت أدوات التعذيب التي كانت تستخدمها داعش وكان هناك آثار للدماء على الجدران، وتم اكتشاف العديد من المقابر الجماعية بالقرب من الفندق، فمنذ عامين وخلال قيام عامل بفتح ممر صرف صحي اكتشف مقبرة جماعية تضم 30 شخصاً من ضمنها جثة امرأة وطفل، ومنذ أشهر أيضاً تم الكشف عن مقبرة جماعية أخرى تضم رفاة مدنيين من نساء وأطفال وكبار السن".

 

الساحة العامة

وأما عن الساحة العامة التي تقع في مركز المدينة، قالت نورا الحامد "بحكم أن الساحة العامة هي مركز منبج المكتظ بالسكان فكانت داعش تقوم بارتكاب الجرائم في الساحة، وكان هناك نصب لارتكاب الجرائم به في الساحة، وبعد تحرير المدينة توافد أهالي الضحايا إلى الإدارة وطالبوا بإزالة هذا النصب الذي يذكرهم بجرائم داعش بحق أبنائهم".

وذكرت بعض الجرائم الشنيعة التي ارتكبتها داعش في الساحة العامة "أول جريمة ارتكبت في الساحة العامة كانت بحق طفل لا يتجاوز الـ 14 عاماً، بالإضافة إلى جرائم رجم النساء التي كانوا ينفذونها من خلال وضعهن داخل حفرة في الساحة ومن ثم يرجمونهن، وبعد تحرير المدينة تم ردم الحفرة وتسويتها مع الأرض".

 

محكمة داعش

وعن المبنى الواقع غرب الفندق والذي حولته داعش لمحكمة، أوضحت نورا الحامد أن "المبنى يعتبر من أقدم المباني في مدينة منبج تم بنائه أثناء الانتداب الفرنسي، لكن خلال سيطرة داعش على المدينة طلته باللون الأسود واستخدمته كمحكمة تابعة لها".

وأضافت "بعد تحرير المدينة لم تقم الإدارة بإزالة اللون الأسود منها ليبقى شاهداً على الجرائم التي كانت ترتكبها داعش بحق الأهالي لأن العالم يغض النظر عن تلك الجرائم".

وبعد أن تحررت المدينة من داعش اطلق المجلس المدني حملة "التعليم قبل الطعام"أثناء سيطرة داعش انقطع الطلاب والطالبات لأعوام عن التعليم "قام داعش بتحويل كافة المدارس إلى سجون ومن ضمنها مدرسة زيدان بن حنيضل التي تم تحويلها إلى محكمة أيضاً، وتمت إعادة ترميم المدارس بعد إزالة مخلفات داعش وتأهيلها لاستقبال الطلبة"، بحسب ما بينته نورا الحامد.

 

إعادة ثقافة كل مكون

وأكدت نورا الحامد أنه "بحكم أن التعليم أساس نهضة المجتمعات فكان لا بد من اطلاق حملة "التعليم قبل الطعام" من أجل التخلص من فكر داعش المتطرف الذي زرعته في المنطقة، فتحرير منبج ساهم في تغيير واقع التعليم جذرياً وأصبح مستوى التعليم جيد في كافة المدارس التي تم ترميمها، بالإضافة إلى افتتاح مكتب اللغات والجمعية الشركسية والتركمانية لتعليم كل مكون لغته الأم وإعادة إحياء الثقافات التي سعت الأنظمة السابقة لإمحائها".

وباركت نائبة الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة المدنية الديمقراطية نورا الحامد حلول الذكرى السابعة لتحرير مدينة منبج من رجس الإرهاب داعش "نبارك هذا اليوم على أهالي مدينة منبج الصامدون والمقاومون، وذوي الشهداء الذين ضحوا بأبنائهم في سبيل تحرير المدينة".