من مخيم الهول إلى جدعة... مسار الترميم الإنساني والفكري للعائلات العراقية
تواجه العائلات العراقية التي نزحت سابقاً إلى مخيم الهول، جملة من التحديات التي تعيق عودتها إلى بلدها منها عدم امتلاك الأطفال لوثائق ثبوتية خاصة من ولدوا داخل المخيم، والدمار الذي لحق بمنازلهم في مناطقهم، فضلاً عن الخوف من الثأر.

رجاء حميد رشيد
العراق ـ ملف مخيم الهول من الملفات الإنسانية والأمنية الحساسة في المنطقة، لذلك يتم القيام بإجراءات دقيقة من قبل الجهات المختصة لإعادة العوائل العراقية، وتأهيلهم ودمجهم مجتمعياً، ضمن خطة شاملة تستهدف معالجة التحديات المرتبطة بالمخيم وتأمين الحدود.
أوضحت بشرى الزويني باحثة مشاركة في مشروع إعادة تأهيل عوائل (النساء والأطفال) داعش العائدين من مخيم الهول، أنها عملت ضمن فريق مكوّن من مجموعة باحثات من خلفيات متنوعة، منهن أكاديميات وناشطات مدنيات، بالإضافة إلى مختصات في علم النفس وفريق استعراضي فني، قائلة إن الفريق ومن خلال ملء استمارات وملاحظات ميدانية، كان يعمل على تقييم ما إذا كانت المرأة المصنفة ضمن العائدات متأثرة بتطرف داعش أم غير ذلك.
وبينت أنه تم تجميع العوائل المستقبلة من مخيم الهول داخل الأراضي السورية، من العراقيين فقط من النساء والأطفال في مخيمات جدعة (1، 2، 3، 4، 5...الخ) في نينوى شمال العراق.
وأشارت إلى أنها شاركت تحديداً في مشروع بمخيم جدعة (5)، حيث تم استقبال النساء والأطفال الذين خضعوا لبرنامج تأهيل نفسي متكامل، يتم تنفيذه بالشراكة مع عدة جهات، من بينها وزارة الهجرة والمهجرين، وزارة الصحة، وزارة التربية، إضافة إلى منظمات من المجتمع المدني، ويتضمن البرنامج دروساً وصفوفاً تعليمية وأنشطة متعددة منها المسرحيات والحفلات.
إعادة تأهيل فكري
وبيّنت أن البرنامج يمتد لأربعة أشهر، حيث تتم خلاله عملية إعادة تأهيل فكري إيجابي، لغرض دمج هؤلاء الأفراد في الحياة الطبيعية "من خلال هذه المرحلة، وبالاعتماد على المعايشة اليومية والمراقبة، نستطيع إدارة المخيمات والتمييز بين المتطرفات وغير المتطرفات من النساء والأطفال ليتم التركيز عليهم في البرنامج التأهيلي".
وأوضحت أنه في البداية كان الأطفال يرسمون صوراً تتعلق بالذبح، والأسلحة، والمتفجرات، لكن مع استمرار الجلسات النفسية والأنشطة التأهيلية، بدأت الرسومات تتغير تدريجياً نحو الطابع السلمي والطفولي، حيث تم توفير أنشطة ترفيهية مثل مباريات كرة القدم ومحاضرات تعزيز السلام المجتمعي ورفض العنف، كذلك وجود فِرَق نفسية متخصصة لمساعدتهم على الاندماج في المجتمع وتجاوز الأزمة النفسية التي تعرضوا لها.
وعند انتهاء فترة التأهيل، يتم ارجاع العائلات إلى أماكن سكناهم القديمة، إلا أن بعض العوائل وخصوصاً اللواتي لديهن مشاكل ثأرية مع جيرانهن في مناطقهن الأصلية يرفضن العودة إليها، ويفضلن الانتقال إلى مناطق أخرى خوفاً من الانتقام، خاصة في الحالات التي يكون فيها الزوج أو الابن متورطاً مع داعش، فمعظم الأزواج والأبناء إما معدومون، أو مفقودون، أو مقتولون. وبالمقابل، هناك عوائل ليست لديها مشاكل وخلافات، فعادت إلى مناطقها الأصلية بعد أن يتكفل بها شيخ العشيرة.
وأشارت إلى أن المخيم يستقبل النساء والأطفال دون سن 15 عاماً، مؤكدة أن جميع القادمين يخضعون لفحص أمني دقيق من قبل مستشارية الأمن القومي وجهاز الأمن الوطني، وأنه لا يتم السماح بدخول عناصر إرهابية.
ومن خلال عملها، أوضحت بشرى الزويني أن معظم النساء اللواتي تمت مقابلتهن، واللواتي يمثلن نحو 200 عائلة تقريباً لم يكنّ إرهابيات، بل ضحايا أحوال أسرة، ويمكن تمييز المتطرفات منهن.
وأضافت أن كثيراً من النساء تحدثن بصراحة لأنهن شعرن بالأمان والراحة في مخيم الجدعة، حيث أكدن أنهن عشن رعباً حقيقياً في مخيم الهول، لدرجة أن مشهد امرأة مقتولة أو مذبوحة في الصباح كان أمراً مألوفاً، وعند سؤالهن عن أسباب هذه الجرائم، أوضحن أن عوائل داعش كانت تستهدف كل من لا تلتزم وتخالف أوامرهم مما يؤدي إلى تعرضهن لتشويه سمعتهن من قبل داعش ويتم قتلها بحجة "الشرف".
وختمت بشرى الزويني حديثها بالقول إن "جميع هؤلاء النساء تم ترحيلهن لاحقاً إلى مناطق سكنهن الأصلي، أو تم منحهن سكناً في هولير بناءً على طلبهن".
تجربة ميدانية في مخيم الهول
بدورها وصفت الدكتورة نبراس هادي تجربتها في العمل ضمن فريق الباحثات في ملف مخيم الهول بأنها تجربة استثنائية، وقالت "عشت خلالها معاناة العوائل النفسية والمعيشية، كنت جزءاً من فريق الخلية النفسية للتأهيل النفسي والمجتمعي التابع لمركز التميز، الذي كُلّف بهذه المهمة الوطنية لإعادة تأهيل العوائل النازحة، والتي كان معظم أفرادها ضحايا للأعراف والعادات والتقاليد، خاصة النساء والأطفال، حيث تُفرض عليهم الطوعية في مرافقة أزواجهم أو إخوانهم المنتمين لتنظيم داعش أو المغرر بهم.
وأضافت "من خلال اجابتهم على الاستبيانات المعدة مسبقاً، لاحظت آثار التطرف واضحة في عقول النساء والأطفال الذين التقيت بهم، كانوا مرهقين نفسياً، وقد وجدوا أنفسهم ضحايا لهذا الفكر المتطرف، كانت رغبة النساء الوحيدة هي العودة إلى منازلهن مع أطفالهن بأمان"، مبينةً أن "إحداهن روت لي أن زوجها كان من عناصر داعش، وقد وقفت أمامي تدعو عليه بلا رحمة، لما ألحقه بها من معاناة وقسوة، بعدما أجبرها وأطفالها على مرافقته".
وأشارت كذلك إلى جملة من التحديات التي تعيق عودة هذه العوائل، منها عدم امتلاك الأطفال لوثائق ثبوتية، خاصة من وُلدوا داخل مخيم الهول، والدمار الذي لحق بمنازلهم في مناطقهم الأصلية، ما يجعل العودة أمراً صعباً في ظل غياب المعيل أو الدخل، خاصة أن المساعدات تصلهم في مخيم الجدعة، ويخشون من فقدانها إن عادوا، وكذلك الخوف من الثأر والتهديد والوعيد من قبل طالبي الثأر في مناطقهم "أكدت العديد من النساء الذين قابلتهم أنهن لا يردن العودة خشية الانتقام منهن أو من أطفالهن من قبل أهالي الضحايا في مناطقهن".
وترى نبراس هادي أنه على الحكومة المركزية أن تتبنى عملية إعادة إعمار منازل هذه العوائل، وتوفير منح مالية، وضمان الحماية الأمنية لهم، وتحديد احتياجاتهم المعيشية، وإعادة دمج الأطفال في المدارس وإعادتهم للتعليم، أما دور العشائر والأهالي فيكمن في تعزيز التماسك المجتمعي، وإنهاء مظاهر النبذ والتهميش.
وبحسب المصادر الحكومية بلغت الإحصائيات الخاصة بالعوائل القادمة والمغادرة والمتبقية في مركز الأمل لغاية 22 حزيران/يونيو الماضي، عدد العوائل القادمة بلغ (4452) وعدد الأفراد (17132)، فيما بلغ عدد العوائل المغادرة (2947) وعدد الأفراد (10799)، وبلغ عدد العوائل المتبقية (1659)، وبلغ عدد الأفراد (6292)، كما بلغت عدد الاضافات/الولادات (148)، الوفيات (25)، المعتقلين (159)، بواقع 27 رحلة بتاريخ دخول المركز للفترة من آذار/مارس 2021 ولغاية 22 حزيران/يونيو الماضي.