من جالو إلى غزة… قصة جمعية ليبية جعلت من الإنسانية رسالة تتحدى الحصار

في عالم يموج بالتحديات، تبقى هناك مساحات صغيرة لكنها عميقة المعنى، تتسع للعطاء وتحتضن الإنسانية، من مدينة جالو في قلب الصحراء الليبية، انطلقت جمعية "اللبة" للأعمال الخيرية، تحمل على عاتقها تمكين المرأة وحفظ التراث.

ابتسام اغفير

بنغازي ـ تتجاوز جمعية "اللبة" للأعمال الخيرية حدود الواحات الليبية، لتصل بدفء قلوب أعضائها إلى غزة المحاصرة، حيث الجوع والدمار يهددان الحياة، ولتثبت أن العمل الإنساني لا تحده المسافات ولا تكبّله الحدود.

 

العطاء امتد إلى خارج الحدود

تفتح مبروكة إبراهيم شحات رئيسة جمعية "اللبة" التي تأسست قبل أكثر من خمسة عشر عاماً صفحات من مسيرة حافلة بالعطاء، وتسرد كيف استطاعت، رغم الحصار والقيود، أن تجد طرقاً مبتكرة لإيصال المساعدات، وتقول "منذ تأسيسها عام 2009، وجمعية "اللبة" للأعمال الخيرية في مدينة جالو تواصل العمل بصمت وإصرار، متنقلة بين التمكين الاقتصادي للمرأة، والحفاظ على التراث المحلي، والعمل الإغاثي داخل ليبيا وخارجها".

 وعلى الرغم من وجود عقبات مادية وتوفير الدعم، إلا أن هذه العقبات لم توقف مسيرة الجمعية، وواصلت نشاطاتها بتنظيم معارض للصناعات الصغرى، والترويج السياحي لجالو والواحات عبر مهرجان "جالو أرض الأحلام" في نسختيه الأولى والثانية، والاستعداد لإطلاق نسخته الثالثة قريباً.

لكن البعد الإنساني كان حاضراً في كل خطوات الجمعية، فمنذ عام 2011 ومع تصاعد الأزمات، وجّهت الجمعية جهودها لدعم النازحين في ليبيا، خصوصاً أهالي تاورغاء، وكل من لجأ إلى جالو طلباً للأمان، كما امتد العطاء إلى خارج الحدود، فوصل دعمهم إلى الجوعى في الصومال والسودان.

 

المشاركة في قافلة فك الحصار عن غزة

أما غزة، فكان لها نصيب خاص في قلب مبروكة إبراهيم وفريقها وتقول "بدأنا العمل من أجل غزة منذ عام 2010، عندما شاركنا في قافلة لفك الحصار تحت رعاية اللجنة الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني".

وأوضحت أن المشهد الإنساني المؤلم الذي تعيشه غزة اليوم دفع الجمعية لإطلاق حملة كبيرة قبل سبعة أشهر، لتأمين الغذاء والماء، عبر فريق "جسر الخير" العامل داخل القطاع، مع التركيز على المخيمات في الشمال، حيث الدمار الأكبر والمعاناة الأشد.

ورغم إغلاق المعابر وصعوبة إدخال المساعدات المادية، وجدت الجمعية حلولاً بديلة لإيصال هذه المساعدات وأوضحت هذه الحلول "اعتمدنا على التحويلات عبر المحافظ الإلكترونية، وحتى على العملات الرقمية المشفرة، لأنها تصل مباشرة وبسرعة، ولا يمكن مصادرتها"، مشيرةً إلى أن المبالغ الكبيرة التي جمعتها الجمعية من مختلف مدن ليبيا وصلت إلى غزة مباشرة.

 

مبادرة "سقيا الماء" لدعم غزة

وعن تأكدهم من وصول هذه المساعدات إلى أهل غزة، قالت "كانت اللحظات التي تصل فيها مقاطع الفيديو من غزة، وتُظهر المساعدات قد وصلت إلى الأهالي باسم جمعية اللبة، تحمل مشاعر لا تُوصف فقد كنا نشعر بالراحة والرضا، وكأننا نجلس معهم وسط الخراب لنقول "أنتم لستم وحدكم"، تضيف شحات بعينين تلمعان بالأمل".

ولتوسيع نطاق المساعدة، فتحت الجمعية ثلاث حسابات مصرفية جديدة، وأطلقت مبادرة "سقيا الماء"، التي لاقت إقبالات كبيراً، مؤكدة "هدفنا أن نوصل الدعم لأكبر عدد ممكن من سكان غزة، وأن نركز على المناطق الأكثر تضرراً، البعيدة عن الأضواء، والقريبة من الحدود".

ورغم شح المواد الغذائية وارتفاع أسعارها في غزة، ترى أن مجرد توفير المال يمنح الأهالي فرصة شراء ما يحتاجونه، أو تأمين أبسط مقومات الحياة، تقول مبروكة "الجوع كافر"، والموت جوعاً مأساة لا يمكن وصفها، أهلنا في ليبيا عاشوا ذلك أيام الاحتلال الإيطالي والمعتقلات الكبرى، ولذلك نحن نفهم معاناتهم جيداً.

في ختام حديثها، وجّهت مبروكة شحات نداءً إلى كل القلوب الرحيمة في ليبيا والوطن العربي "لا نريد أن نقف مكتوفي الأيدي أمام المجاعة التي تضرب غزة، أقل ما يمكن فعله هو أن نمد يد العون، ولو بالقليل، قد لا نغيّر الواقع بالكامل، لكننا نستطيع أن نخفف من قسوته".