من داخل غرف الإسعاف إلى قاعات المحاكم الدولية... السويداء تطالب بالإنصاف

يرفض أهالي مدينة السويداء السورية التقارير والتحقيقات التي يصفونها بـ "الهزلية" للحكومة المؤقتة، ويطالبون بتحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة المسؤولين عما حدث في المستشفى الوطني.

روشيل جونيور

السويداء ـ في زمن الحروب والنزاعات المسلحة، تعد المستشفيات من أكثر الأماكن قدسية وحماية بموجب القانون الدولي الإنساني، وتنص اتفاقيات جنيف الأربع، وخاصة الاتفاقية الرابعة، على ضرورة احترام وحماية المنشآت الطبية والعاملين فيها، وتحظر بشكل صارم أي اعتداء عليها أو استخدامها كأهداف عسكرية، كما تؤكد معاهدة روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية أن الاعتداء على المنشآت الطبية أو قتل العاملين فيها يعد من جرائم الحرب.

 

انتهاكات وإهانات

رغم هذه الحماية القانونية، شهدت مدينة السويداء جنوب سوريا في الـ 16 تموز/يوليو انتهاكاً صارخاً لهذه القواعد، ذلك من خلال الممارسات الوحشية التي اتبعتها جهاديي هيئة تحرير الشام ضد المدنيين والنساء والقوافل الطبية، ووفقاً لشهادة سما الجغامي، فنية الأشعة في المشفى الوطني، وصفت ما شاهدته بعينها بالكلمات التالية "كنت مناوبة في المشفى الوطني منذ يوم الأحد 13 تموز ولم نتمكن من المغادرة بسبب تصاعد الأحداث الأمنية والهجمات في المدينة، وفي صباح يوم الأربعاء 16 تموز، دخل عناصر الأمن العام وهيئة تحرير الشام إلى المشفى الوطني حوالي الساعة التاسعة صباحاً، وتمركزوا في مبنى المشفى".

وأضافت "لم نكن نعلم بما يجري خارجاً، لكن أصوات القذائف والاشتباكات كانت مستمرة دون توقف، وعند الساعة 12 ظهراً، اقتحموا قسم الإسعاف المركزي، حيث احتمى معنا زملاؤنا من أقسام الأشعة والعناية المشددة والعمليات الإسعافية، إضافة إلى عناصر مخفر المشفى، وتأكدنا حينها أنهم دخلوا فعلياً إلى المشفى، وبدأت لحظات الرعب".

وفي إشارة إلى جهاديي هيئة تحرير الشام بينت أنه "وصلوا إلى قسم الطبقي المحوري حيث كنا متواجدين، وأجبرونا على الخروج إلى البهو، وهناك بدأت الإهانات. أقل ما قيل لنا "أنتم كفار، خنازير"، وأُجبرونا على الركوع أمامهم".

وكما أوضحت سما الجغامي أنه قبل أن يصلوا، كان الضحية محمد أبو حصاص قد دخل في شجار مع أحد عناصر ما يسمى الأمن العام، حين طلب منه أحدهم إسعاف مصاب، فرد محمد بأنه لا يستطيع الخروج بسبب كثافة الرصاص، وطلب منهم إحضار المصاب إليه ليساعده "في هذه الأثناء كنت مع محمد في البهو أجرى اتصال مع أهلي ودفعني محمد بعيداً كيلا يراني العنصر المسلح، في محاولة لحمايتي، وبعد دقائق، دخلوا إلى قسم الإدارة، ثم عادوا إلينا، وأجبرونا على الركوع في البهو. محمد خرج يحمل قنينة ماء، وقال لهم "تفضلوا، بلّوا ريقكم"، فقام أحدهم برمي القنينة أرضاً وقال "هذا الخنزير لم يسعف مصابنا من الجهاديين".

وأضافت "حاول محمد الدفاع عن نفسه لكنهم ضربوه على وجهه، ولم يستطع السكوت، فتعارك معهم، وأطلقوا النار عليه أمام أعيننا. كانت لحظة مروعة، لم نستطع التعبير أو الصراخ، حتى الفتيات الصغيرات معنا تجمدن من الرعب. سحبوا جثمان محمد من قدميه، وقالوا "هذه جزاتكم يا خنازير، وجزات كل من يقاومنا"، فلو رأوني معه أثناء الجدال، لكانوا قتلوني أيضاً".

وعما جرى بعد قتلهم لمحمد أبو حصاص قالت "أجبرونا على الجلوس في البهو لنصف ساعة تقريباً، ثم جاء أحدهم، الأمير كما يسمونه، وفتح كاميرا هاتفه وصورنا وهو يقول "نحن جئنا لحمايتكم، نحن الأمن العام، وأنتم أهلنا"، لكن بعد انتهاء التصوير، عادوا إلى نفس الإهانات، وفصلونا شبابا وبنات، وتم وضعنا في قسم الطبقي المحوري، ثم دخلت مجموعتان علينا بنفس الأسلوب، بنفس الترهيب، وكنا مهددين بالموت في أي لحظة، وسألونا عن الإصابات الموجودة في المشفى، وأكدنا لهم أنها نتيجة القصف، وليسوا من فصائل مسلحة، لكنهم استغلوا وجود الجثث، وصوروا فيديو دعائي يظهرهم وكأنهم ضحايا، وهو أمر غير صحيح".

ولم يكتفوا بذلك فبعد انسحابهم قرابة الساعة الثانية صباحاً، كما تؤكد فنية الأشعة سما الجغامي فتشوا الأقسام وسرقوا الهواتف وكل ما يمكن سرقته "تم تحرير المشفى صباحاً، وعدنا لممارسة عملنا رغم الجراح النفسية العميقة".

 

 

أعمال وحشية موثقة

المحامية تغريد عزام أكدت أن ما جرى في مدينة السويداء هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وجرائم ترقى لأن تكون جرائم حرب بكل معنى الكلمة "أعمال وحشية ارتكبتها عناصر الأمن العام ووزارة الدفاع، موثقة بالفيديوهات التي صوروها بأنفسهم، وتظهر بوضوح استهدافاً ممنهجاً لطائفة إثنية محددة وهم الموحدين الدروز عبر سؤال كل مدني عن ديانته، وقتله فور التأكد من انتمائه".

وبينت أنه "لم يكن الهدف من دخولهم السويداء بسط الأمن، بل تنفيذ إبادة جماعية بحق هذه الفئة، فما جرى من قتل وحرق وتدمير يندى له الجبين، خاصة ما تم توثيقه داخل المشفى الوطني، من قتل عمد للمسعف المهندس محمد أبو حصاص، رغم ارتدائه الرداء الطبي، ورغم حرمة المشافي التي تحميها اتفاقيات جنيف ومعاهدة روما".

وأوضحت أن الجرائم شملت "قتل الجرحى، ترهيب الكادر الطبي، فصل الحاضنات عن الطاقة مما أدى لوفاة الأطفال، وكلها موثقة، وعلى ذلك نطالب بتحقيق دولي مستقل، ومحاسبة المسؤولين أمام المحكمة الجنائية الدولية، لأن من دخل السويداء هم عناصر رسمية تابعة للحكومة السورية، ما يجعل رأس الهرم مسؤولاً عن هذه الجرائم".

وأكدت أن أهالي السويداء "لن يقبلوا بتقارير هزيلة كما حدث في الساحل، أهالي السويداء والمجتمع المدني يطالبون بالعدالة، بالإنصاف، وبكشف الحقيقة للعالم".