من إيران إلى تونس... نضال نسائي لا يعرف الحدود

يحيي العالم ذكرى مقتل الشابة جينا أميني، التي تحولت خصلة شعرها إلى رمز عالمي في مواجهة نظام الملالي القمعي. ليست إيران وشرق كردستان فقط، بل كل نساء العالم يستحضرن هذه اللحظة المأساوية كتجسيد لنضال المرأة من أجل الحرية والكرامة.

زهور المشرقي

تونس ـ لم يكن السادس عشر من أيلول/سبتمبر 2022 يوماً عادياً. كان يوماً تلحف بالسواد والحداد، ليس في إيران وشرق كردستان وحدهما، بل في قلوب نساء العالم من الشرق والغرب والجنوب. اهتزت الأصوات الغاضبة تندد بقتل جينا أميني، شابة في مقتبل العمر على يد ما يُسمى بـ "شرطة الأخلاق" التي استفزتها خصلة شعرها الأسود المتمردة على نظام الملالي وأجهزته القمعية.

رحلت جينا أميني، لكن صوتها ظل رمزاً نضالياً يصدح في شعار "Jin Jiyan Azadî"، الذي ارتد صداه في شوارع دول العالم من إيطاليا إلى الهند، ومن العراق إلى مصر، ليعكس قوة ثورة النساء ورغبة الشعوب في الحرية والكرامة.

ودع العالم جينا أميني جسداً، لكن روحها ظلّت برفقة كل امرأة انتفضت مطالبة بالحرية والمساواة والكرامة والعدالة. تحولت إلى أيقونة عالمية، مُنحت المواطنة الفخرية في باريس، وكُرّمت في مناسبات عدة، لتصبح رمزاً للمقاومة النسائية في مواجهة القمع.

لم يربح نظام الملالي حربه ضد النساء، رغم آلة القمع الرهيبة. فلا اعتقال الناشطات مثل وريشة مرادي، بخشان عزيزي، وشريفة محمدي، ولا أحكام الإعدام الظالمة، نجحت في كسر إرادتهن أو إخماد أصواتهن. على العكس، تعاضدت جهودهن وحصدن دعماً نسوياً من مختلف أنحاء العالم، فارتفعت أصوات التضامن معهن لتؤكد أن جينا أميني وكل النساء المنتفضات ضد الظلم والقمع سيبقين شعلة للحرية.

 

"حرية الجسد خط أحمر"

هذا التضامن النسوي لم يقتصر على إيران والمنطقة فقط، بل امتد ليشمل أصواتاً من مختلف بقاع العالم، ومنها تونس حيث قالت رجاء الدهماني، رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، إن مناضلات الجمعية يستذكرن مقتل جينا أميني، الشابة التي استهدفت بسبب خصلة شعر.

وأوضحت أن الحركة النسائية التونسية تفاعلت حينها بوقفة احتجاجية أمام سفارة إيران بتونس، دفاعاً عن جينا أميني التي تعرضت لانتهاكات جسيمة أودت بحياتها، وأشعلت ثورة النساء الإيرانيات اللواتي ما زلن يقاومن الظلم، معتبرة أن هذه الوصاية على الجسد تمثل انتهاكاً صارخاً لا يمكن القبول به، ويجب التصدي له.

وأكدت "نحن ناضلنا كثيراً لإرساء قوانين تحمي النساء وتمنحهن حرية اللباس، ونعتبر حرية الجسد خط أحمر ولا يمكن التدخل في اختيارات النساء بلبس الحجاب ونزعه، هذا خيار شخصي وما تتعرض له الإيرانيات اليوم يجب التضامن لإيقافه".

وتطرقت إلى التقدم الذي كانت تعيشه الإيرانيات حيث كن في فترة رائدات ويتمتعن بالحرية ولديهن مسار ثقافي عميق وتتميزن بالحنكة، ولكن بعد سيطرة اليمين توقف ذلك التألق بل أنهاه "احتل البلاد وقمع النساء وفرض قوانين تمييزية وإجبارية الحجاب وهذا مس حرية الجسد واللباس".

 

"نضال الإيرانيات مستمر رغم آلة القمع"

وأكدت أن المجتمع الإيراني مع حكم الملالي بات محافظاً مصراً على قمع النساء وضرب الإرث الثقافي والتحكم بأجساد النساء، معتبرة أن نضالات الإيرانيات برغم آلة القمع القوية بيّن قوتهن الحقيقية وعدم خوفهن من الدفاع عن حقوقهن في العيش بأمان وسلام.

وعبرت رجاء الدهماني عن تضامنها مع الإيرانيات المسجونات المحكومات بالإعدام واللواتي صدرت بحقهن أحكام جائزة ظالمة لأنهن طالبن بالحرية وبالحق في ممارسة الحياة العامة والسياسية بسلام دون قمع بوليسي ورقابة.

وأثنت على نضالهن وسط الظلام ومن داخل السجون من أجل الحق تصدياً للأبوية والنظام الذكوري الذي يمنع وصول النساء إلى المساواة والحريات.

وجددت التضامن التام واللامشروط مع الإيرانيات وثورتهن المستمرة في وجه الظلم "نشد على أياديهن للمقاومة ومواصلة الثبات لتحريرهن وتحرير أجسادهن وخروجهن إلى النور وهن قادرات بهذه المقاومة السلمية المتواصلة، وهن يستحقن الحرية والسلام والقيادة، الحرية لهن، ولكل المقموعات والحرية لكل النساء".