من المنافسة للسيطرة والقهر... أسباب العداء الذكوري لوجود المرأة في سوق العمل

لا تنتهي حدود معاناة المرأة عند التزاماتها داخل منزلها وما قد تتعرض له من ضغوط نتاج منظومة الثقافة المجتمعية السائدة، ولكنه يمتد أيضاً لسوق العمل حيث يتحول جانب كبير من علاقتها بزميلها في العمل لصراع أقرب لمحاولة فرض السيطرة الأبوية والمنافسة ذات المعايير

أسماء فتحي

القاهرة ـ تعاني النساء في سوق العمل من مجموعة أفكار باتت تسيطر على المشهد، فالرجل المهيمن له الحق الأكبر والامتيازات الأقرب للعنصرية داخل المؤسسات، ويسعى بكل ما أوتي من قوة لفرض وجوده بدرجة أقرب لقهر زميلته محاولاً الاستحواذ على حقوقها باعتبارها سطت عليها، وبات هناك صراع خفي يكمن في تلك العلاقة.

الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد ولكنه تطور وتشعب ليتحول لضغوط تمارس لإضعاف تلك المرأة التي يعتبرها منافسة له على الوظيفة وتزاحمه مساحته الخاصة حيث يعتبر البعض أن "الست مكانها المنزل" وبالتالي فأي تغيير يطرأ على ذلك ما هو إلا مزاحمة للرجال وانتقاص من حقوقهم.

والتقرير التالي يعرض بعض تجارب النساء في سوق العمل وكيف تحول الأمر وتطور لتصارع بعضهم من أجل إثبات أن ما يثار حولها من ادعاءات أخلاقية مجرد محاولة من رجل لفرض هيمنته وإزاحتها من طريقه كما سيتضح في السطور التالية حجم المعاناة التي تفرضها الثقافة المجتمعية على تلك المرأة التي تحاول إعالة أسرتها خاصة إن كانت مطلقة.

هدى عبد السلام، اسم مستعار، عاملة ومطلقة تقول أنها منذ انفصالها عن زوجها على مدار عامين عملت في أكثر من 20 مؤسسة والسبب الرئيسي في تركها للعمل هو الضغوط التي تمارس عليها والانتهاكات التي تعرضت لها بداية من التحرش واعتبار ذلك مجاملة لرفع معنوياتها، وصولاً لتعدي أحد مدراءها عليها.

وتروي هدى عبد السلام جانب من معاناتها قائلة "تعرضت لأزمة عصفت بحياتي إثر خيانة زوجي لي وصممت على الطلاق، فقد كنت أعمل لنحو 12 ساعة من أجل تحسين وضع أسرتي وفي المقابل تركني، وبعد ذلك اختلفت الحياة تماماً فرغم أني الضحية في تلك القضية إلا أن لقب المطلقة كان تصريح للرجال للتعدي على مساحتي الشخصية".

وأضافت "لنحو عامين وأنا أتعامل مع الأمر بهدوء حتى قام مديري بالاعتداء علي ومن هنا تعرضت لأزمة كادت أن تنهي حياتي لولا دعم الأصدقاء، والذهاب لطبيبة نفسية، وأنا الآن أتناول أدويتي وأحاول تجاوز ما تعرضت له من أزمات، إلا أن تلك المشاهد لا زالت تستحوذ على الجانب الأكبر من ذاكرتي".

والنساء الجانب الأضعف في المعادلة دائماً كما ترى هدى عبد السلام "من السهل أن يسحق الرجل امرأة وينهي مستقبلها بمجرد الإيحاء بأنها سيئة السمعة، بل ويستطيع أيضاً أن يدمر أسرتها، أما إذا خانها هو وقام بنفس ادعائه يمكنه ببساطة أن يتفاخر دون خوف على مستقبله أو أسرته لذلك فنحن الأضعف دائماً".

 

"اضطهاد الرجال للنساء تاريخي وممنهج"

قالت الصحفية والباحثة في مجال النوع الاجتماعي، سهام أبو زينة، أن سبب الاضطهاد الممارس على النساء يكمن في تفوقها فعلياً على الرجل في سوق العمل، واعتياد الرجال على الهيمنة والقيادة، مشيرةً إلى أن أي تقدم تحققه المرأة يعتبره الرجل انتقاص منه وكأنها تقتطع بعض من مستحقاته.

وأرجعت سهام أبو زينة، الصراع إلى الإرث الثقافي المسيطر على عقول الرجال، مشيرةً إلى أن الغالبية يرون أن المرأة فقط تعمل لتشتري أدوات تجميل وملابس ولا ينظرون إلى حجم النساء اللواتي يعلن أسرهم، وكامل الامتيازات يحصل عليها الرجل لأنه يعول المرأة وأسرته وهو أمر لم يعد حقيقي على إطلاقه.

وأكدت أن الكثير من النساء يحرمن من حقوقهن المادية فقط لأن من يقوم بتقييم عملهن رجل يسعى لعدم فتح المجال أمامهن لتترقي أو إدارته في يوم ما، مشيرةً إلى أن نسبة الطلاق ارتفعت بشكل ملحوظ مؤخراً والكثير من النساء بالفعل يعلن أسرهن.

 

"المرأة متهمة بالإهمال لأنها تعمل والمطلقة الأسوأ وضعاً"

وتعاني المرأة المطلقة خاصة وإن كانت عاملة بحسب وصف الباحثة والصحفية سهام أبو زينة، من وصمها المستمر بإهمال أطفالها وعدم القيام بدورها المحوري داخل منزلها، وأن مجرد نزولها للعمل وصمة تسعى للتخلص منها وعادة ما تتحمل الكثير من الضغوط خاصة وإن كانت مطلقة لتمارس عليها جميع أشكال الانتهاك.

وهناك نسبة تعمل من أجل شراء مستلزماتها الخاصة وتوفر على الزوج هذا الجانب من الإنفاق وهن لا يتجاوزن الـ 10%، ولكن 90% من النساء العاملات سبب اضطرارهم لذلك هو الاحتياج الفعلي للأموال من أجل الإنفاق على أسرهم وفتح باب دخل إضافي بل وفي أغلب الحالات الأساسية لإعالة الأطفال.

 

"تصوير معلمة في رحلة خاصة كان محاولة من الرجال للتخلص منها"

تتعدد المشاهد التي تعاني منها المرأة نتاج سعي الرجال للاستحواذ على ما تحصل عليه من امتيازات، وأسوأ دليل على ذلك المنطق بحسب ما روته سهام أبو زينة، كانت واقعة المعلمة والتي كانت حديث وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً.

وتروي سهام أبو زينة، ملابسات تلك الواقعة بأن زملاء العمل من الرجال قرروا أن يتخلصوا من زميلتهم التي كانت تعمل وتعطي كل طاقتها من أجل إثبات ذاتها وإيصال المعلومات للتلاميذ بطرق مبتكرة وبسيطة وخلال قيامهم برحلة خاصة وانشغال الجميع بالرقص ومظاهر البهجة على واحدة من المراكب النيلية قاموا بتصويرها ومن ثم نشر الفيديو والتشهير بها وهو ما تسبب في تدمير حياتها الزوجية وانتهائها.

وقالت سهام أبو زينة، أن السعي للتشهير بالنساء واحد من الأسلحة التي تقوض وجودهم وترقيهم في عملهم لأنها وسيلة تستخدم عادة للسيطرة، فلا يبحث المجتمع عادة عن الحقيقة بقدر وصمه السريع للمرأة دون تدقيق، بينما لا يعد الحديث عن الأخلاق وصم للرجل بل مساحة للتفاخر والتباهي.

 

خراب نفسي واجتماعي... هكذا تتأثر النساء بالصراع الذكوري من أجل الهيمنة

كشفت سهام أبو زينة، أن المرأة في حرب شبه دائمة مع الرجل فهو يسعى بكل قوته للهيمنة وفرض السيطرة عليها لأنه نشأ نتاج ثقافة رسخت في ذهنه أن نجاح المرأة فشل له بالأساس وأن الطبيعي والفطري أن تكون في المرتبة الأقل كي يعيش في سلام وقوة ولا تنتزع حقوقه.

وأوضحت أن التوعية هي الحل الوحيد للخروج من عنق تلك الزجاجة المحكمة لأن استمرار الوضع على هذا النمط يضع النساء وسط حصار نفسي واجتماعي قهري، ويقتل فرصهم في ممارسة الحياة العامة والتميز في عملهم.

وأضافت الباحثة والصحفية سهام أبو زينة، أن المرأة عليها أن تنمي مهاراتها وتطور من أدواتها ليتسنى لها وسط سلسلة القوانين التي تسن في الآونة الأخيرة والداعمة لها الحصول على كامل حقوقها دون انتقاص وخلق مكان لها، ليعلم الجميع بتميزها وعدم قدرتها على استبدالها أو التخلص منها.