مخيمات الأرامل في إدلب... احتجاز إجباري مقابل المأوى

أكدت عدة نازحات يعشن في مخيمات الأرامل في إدلب أن تلك المخيمات تعتبر أكثر أماناً بالنسبة لهن، كما أن الخدمات فيها أفضل، إلا أن الحياة بداخلها أشبه بـ "الاحتجاز القسري".

سهير الإدلبي

إدلب ـ تعيش النازحات الأرامل في الشمال السوري داخل مخيمات خاصة بهن وسط ظروفاً بالغة التعقيد تسودها العزلة والتدخل في شؤونهن، ليس ذلك فحسب وإنما يتم احتجاز حرياتهن داخل تلك المخيمات مقابل امتلاكهن المأوى والمعونة الشهرية.

قالت سلام العبود (33) عاماً وهي نازحة من بلدة كفر سجنة ومقيمة في مخيمات مشهد روحين شمال إدلب أن حصولها على مكان سكني صغيرة داخل مخيم الأرامل كان رهن بعدم الخروج منه وتغيبها عنه لأي ظرف كان "منعت حتى من زيارة أقربائي في المناطق القريبة والبعيدة بعد أن تلقيت عدة إنذارات بطردي من المكان السكني وتسليمه لأخرى في حال تغيبي عنه أكثر من ثلاث مرات متتالية".

وأوضحت أنها بحاجة لأذن مسبق من مدير المخيم حتى في حال خروجها للبحث عن مصدر رزق تعيل به أبنائها الأربعة بعد وفاة زوجها، وهي لا تعلم إلى متى يمكنها تحمل كل هذه الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية.

لا تنكر سلام العبود أن المخيم الذي تعيش فيه يعتبر أكثر أماناً من المخيمات الأخرى كما أن الخدمات فيه أفضل قياساً بغيره، غير أن حياتها داخله أشبه "بالاحتجاز القسري".

وأكثر ما يحز في نفسها هو بعد ابنها حسان العبود (13) عاماً عنها وسكنه مع أعمامه بعد أن منع من دخول المخيم الخاص بالأرامل بموجب القوانين الخاصة بالمخيم بمنع الذكور فوق سن (12) عاماً من التواجد داخل المخيم، وتقول بغصة "ابني في هذا السن بحاجة للرعاية والاهتمام والنصح والإرشاد، لقد فقد والده بالقصف وفقدني أنا أيضاً بموجب قوانين المخيم، إنه الظلم بعينه".

الشروط الصارمة داخل تلك المخيمات تُبعد العيون عن تقصي المزيد عما يدور داخل عالم الأرامل، فللمخيم سورٌ مرتفع يحيط به وبابٌ مغلق على الدوام، يتناوب عليه الحرس طيلة الـ 24 ساعة.

أكثر من مرة تشاجرت صفية الجبان (35) عاماً وهي نازحة من قرية البريج جنوب إدلب بصحبة أطفالها الخمسة، مع إدارة المخيم الخاص بالأرامل في أطمة الحدودية حين كانت تخرج بشكل متكرر للعمل في ورشات زراعية بغية تحسين وضعها المعيشي مع أبنائها، فلم يكن يسمح لها بالخروج المتكرر، وتم تهديدها بسحب حقها بالإقامة داخل المخيم وطردها إن لم تتوقف عن الخروج، وهو ما دفعها للتوقف عن العمل والتزام بيتها.

تقول صفية الجبان "إدارة المخيم تلعب دور الوصي على القابعات هنا، ونفتقد الحرية في الخروج والدخول للمخيم متى شئنا، وكأننا صغيرات وبحاجة لمن يدير حياتنا وأمورنا، ومع ذلك مضطرات للتحمل بغية الحفاظ على حقوقنا في المأوى والخدمات".

من جهتها استطاعت صفاء عمران (29) عاماً التأقلم مع حياتها داخل المخيم، فهي تعتبر نفسها "بأمان بعيدة عن غابة العالم الخارجي الذي يستغل الأرامل ويراهن فرائس يسهل اصطيادهن والوقوع في شركه" على حد تعبيرها.

صفاء عمران نازحة من بلدة معرشمشة جنوب إدلب مع أطفالها الثلاثة، توفي زوجها إثر القصف الذي تعرض له سوق بلدتها إبان نزوحهم، وتعيش في مخيم الأرامل منذ عام تقريباً بعد أن تنقلت بين مخيمات عدة لاقت فيها أشكال التشرد والخوف وعدم الاستقرار.

وترى أن الاحتجاز داخل المخيم مزعج، لكنها تنظر للجانب الإيجابي منه وهو عدم دخول الغرباء أو الرجال بشكل عشوائي، وشعورهن بالأمان كون المخيم لا يضم سوى النساء والأطفال، كما أن الأطفال يلعبون بحرية دون الخوف عليهم من الخطف أو الضياع كون المخيم يحيطه سور كبير.

ثمة شروط لقبول النساء في مخيمات ودور الأرامل، وهي أن تكون أرملة أو زوجة معتقل أو مفقود، وألا تتجاوز أعمار أطفالها الذكور الثانية عشرة، وأن تحترم بشكل تام شروط الخروج من المخيم، بينما يُسمح للنساء بإجازة لمدة أسبوع تقضيها خارج المخيم، مع الأخذ بالاعتبار الظروف الإنسانية للسماح بالخروج.

المرشدة النفسية أمل الزعتور (35) عاماً ترى أن الوضع الغير طبيعي الذي تعيشه النساء في مخيمات الأرامل لا يخلو من السلبيات والاضطرابات النفسية، فالنساء هناك تواجهن صعوبات كثيرة، وتعانين التضييق عليهن وشدة المراقبة، إضافة لعيشهن في عزلة وغربةً عن ألوان المجتمع، فضلاً عن القلق والخوف اللذين يسيطران على أمهات الذكور مع اقتراب السن المفروض عليهم لمغادرة المخيّم، كل ذلك مصاحباً للشعور بالظلم لدى الأرامل بسبب ابتعادهن عن الحياة الطبيعية.

وبين ألف و300 مخيم للنازحين في الشمال السوري، يوجد 46 مخيماً تُعرف بما يسمى "مخيمات الأرامل" تستضيف عشرات الآلاف من الأرامل والمطلقات.

وجاء في تقرير منظمة "الرؤية العالمية"، المنشور في 11 من نيسان/أبريل الماضي 2022، أن النساء والأطفال الذين يعيشون في بعض مخيمات الشمال السوري، يواجهون مستويات "مزمنة ومرتفعة" من العنف والاكتئاب.