مخلفات الحرب... مصدر رزق لأطفال في إدلب رغم المخاطر

يعتمد عشرات الأطفال في مدينة إدلب، على البحث عن مخلفات الحرب وبيعها، لتأمين موارد دخل لهم ولعائلاتهم

لينا الخطيب
إدلب ـ ، وتشمل تلك المخلفات القذائف والصواريخ والقنابل العنقودية المنفجرة وغير المنفجرة التي تنتشر بكثرة في إدلب جراء القصف المستمر، وقد تنفجر تلك المخلفات وتصيب عشوائياً من يقترب منها أو يلمسها وخاصة فئة الأطفال، مما يؤدي لموت البعض ويسبب إعاقة دائمة لآخرين.
بين قطع الحديد والذخائر المتناثرة يعمل الأطفال حسان ويوسف ومحمد في مستودع لجمع الحديد ومخلفات الحرب في بلدة معرة مصرين بريف إدلب الشمالي، وسط ظروف مهنية قاسية، وغياب لأدنى متطلبات السلامة، بهدف مساعدة أسرهم في تأمين ضروريات العيش التي باتت صعبة المنال في ظل الحرب والنزوح والغلاء وشح فرص العمل.
 
أحمال ثقيلة
يضطر الأطفال خلال عملهم في الورشة لحمل أوزان ثقيلة من حديد وقذائف وصواريخ، تحتاج إلى أجسام ضخمة، ولا تتناسب مع ضعف الأطفال، إلى جانب العمل على تنظيف المستودع وفرز الحديد، وتحميله في السيارات عند الحاجة.
الطفل يوسف الحمود (12عاماً) يتحدث وقد بدا على وجهه التعب والإرهاق "حظيت بفرصة عمل في هذه الورشة لمساعدة أسرتي في تأمين مصروف المنزل بعد تعرض والدي لإصابة حربية وعجزه عن العمل".
ويضيف "باعتباري الابن الأكبر يقع على عاتقي المساهمة في إعالة أخوتي الصغار بليرات قليلة بالكاد تسد الجوع، وتكفينا عن مد يد الحاجة والعوز للناس".
وأكد على أن عمله متعب جداً، حيث يضطر أحياناً لحمل قطع ثقيلة تفوق وزنه، الأمر الذي يتسبب له بآلام في الظهر، وجروح في يديه "المهم توفير بعض المال الذي يلزمنا في حياتنا اليومية"، ويشير إلى أن صاحب الورشة يقوم بشراء مخلفات الحرب من المدنيين الذين يعثرون عليها، ثم يقوم بتفكيكها وبيع الحديد للصناعيين لإعادة تدويره، كما يقوم ببيع المواد المتفجرة للمقالع الحجرية لاستخدامها في تفجير الصخور وتفتيتها.
 
مهنة خطرة
يتعرض الأطفال في الورشة لإمكانية انفجار قذيفة في أية لحظة أو الارتطام بقطع حديدية حادة، وتحمل البرد أو الحر لساعات طويلة. الطفل حسان الدياب (10 سنوات) يعمل داخل الورشة بتجميع وفرز بقايا الصواريخ، التي كانت سبباً في تهجيره مع أسرته من مدينته "خان شيخون"، وخروجه من مدرسته إلى سوق العمل، الذي يعجز عنه الكبار. ويتحمل هذا الطفل معاناة لا توصف جراء المخاطر التي تواجهه في حمل تلك القذائف في حال كانت إحداها غير منفجرة، وعن ذلك يقول بصوت حزين "في هذه الأيام يذهب الأطفال إلى المدارس والدورات التعليمية، بينما يقع على عاتقي العمل من الصباح وحتى المساء رغم تجمد أصابع يدي من شدة البرد".
من جانبها تتذكر عائدة العموري (44 عاماً) من بلدة البارة في جبل الزاوية، حادثة بتر قدم ابنها البالغ من العمر 11 عاماً، أثناء عمله في جمع مخلفات الحرب من المنازل المدمرة، وتقول "بعد وفاة زوجي عام 2019 اضطررت لإرسال ابني للعمل في جمع النفايات من نايلون وحديد لمساعدتي في الإنفاق على أخوته الثلاثة".
وأوضحت "كنت أعتقد أن ابني يجمع الخردوات من مكبات النفايات، ولكنني اكتشفت بعد فوات الأوان أنه كان يجمع شظايا الصواريخ أيضاً لبيعها والاستفادة من ثمنها"، مشيرةً إلى أنه كان يحمل في الكيس خردوات بينها قذيفة عنقودية وجدها بين الدمار، وحين وضع الكيس ارتطمت القذيفة بالأرض وانفجرت وأدت لبتر قدمه اليسرى".  
وقد وثق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" مقتل أكثر من 101 مدني نتيجة انفجار مخلفات الحرب في مختلف مناطق سوريا، خلال الفترة الممتدة من مطلع عام 2021 وحتى آذار/مارس الماضي، بينهم 20 امرأة و34 طفلاً، كما وثق مقتل 19 مدنياً بينهم ثمانية أطفال جراء انفجار مخلفات حرب في سوريا خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
المختصة بالتوعية المجتمعية رنا النعيمي (32 عاماً) من مدينة إدلب تقول "الفقر والنزوح وفقدان المعيل دفعت آلاف الأطفال السوريين، للعمل بمهن متفرقة وبعضها خطرة، من أجل توفير بعض الأموال البسيطة لإعالة أسرهم المعدومة".
وعن الآثار الناجمة عن العمالة في سن مبكرة تقول "الكثير من أرباب العمل يفضلون تشغيل الأطفال والاعتماد عليهم باعتبارهم عمالة رخيصة بديلة عن عمالة الكبار، متناسين أن الأعمال الشاقة والظروف الصعبة لا تناسب مع قدرات الأطفال الجسدية، وتضع أعباء ثقيلة على كاهلهم؛ وتهدد سلامتهم وصحتهم؛ وتؤثر على مستقبلهم، وتحول دون حصولهم على التعليم، إضافة لاستنزاف طاقاتهم، وشعورهم بالتعب والإرهاق الدائم".
وتؤكد رنا النعيمي على ضرورة حماية الأطفال من الاستغلال، ومن أداء أي عمل يمثل خطراً أو إعاقة لتعليمهم أو ضرراً بصحتهم أو نموهم البدني، وتحسين دخل أسرهم من خلال دعم المشاريع الصغيرة التي توفر لهم حياة كريمة.
ويعتبر الأطفال من الفئات الأكثر تأثراً بالحرب، وجدوا أنفسهم مضطرين للعمل الذي يحرمهم من حقوقهم الأساسية ويقضي على فرصهم بالتعلم والحصول على مستقبل أفضل، كما يؤذي أجسادهم ومشاعرهم، ويؤثر سلباً على النمو والتطور الجسدي، وخاصة عند مزاولة أعمال لا تتناسب مع قدرتهم البدنية وطاقتهم الجسدية.