مجزرة مشرفة البوير ليست الأولى لكنها الأكثر دموياً في تاريخ منبج

تمر الذكرى السادسة على مجزرة مشرفة البوير التي تضاهي مجزرة كوباني ببشاعتها.

سيلفا الإبراهيم

منبج ـ تمر اليوم الذكرى السادسة على مجزرة مشرفة البوير المفجعة التي ارتكبها داعش وراح ضحيتها 36 مدنياً بينهم نساء وأطفال.

اسم قرية مشرفة البوير الذي اشتق من بئراً كان موجوداً في القرية قبل عشرات السنوات بات يلازمه مشهداً مؤلماً في ذاكرة كل من يسمع باسمها، ففي كل منزل قصة وغصة، في كل منزل هناك طفل يتيم، أو أم ثكلى وأخرى أرملة. جرائم مروعة ارتكبها داعش فجر الـ 27 من تموز/يوليو 2016.

تمر اليوم ستة سنوات على المجزرة التي ارتكبت في القرية التي تقع شمال مدينة منبج بـ 15 كم، التي يسكنها المكون العربي من عشيرة الخراج ويقدر عدد سكانها بـ 1000 نسمة. مجزرة مشرفة البوير ليست الأولى في تاريخ داعش لكنها من أكثر المجازر دمويةً في تاريخ منبج.

لنتعرف على تفاصيل المجزرة التي حلت بأهالي تلك القرية التقينا بعدة نساء وسردن لنا اللحظات التي ما تزال عالقة في ذاكرتهن وماثلةً أمامهن رغم مرور السنوات.

 

أربع أشخاص من أسرة واحدة

أمينة إبراهيم 60 عاماً شهدت ما حدث وكانت أسرتها من بين الضحايا "بعد أن تحررت قريتنا، بعد نحو 30 يوماً هاجمنا داعش في ساعات الصباح الأولى وتنكر مرتزقته بالزي العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، وقتلوا كل من صادفوهم في طريقهم، قتلوا عوائل بأكملها أطفال ونساء وشيوخ".

وأمينة إبراهيم فقدت عدد من أفراد أسرتها وزوجها في هذا الهجوم "كنا في المنزل وبعد سماعنا لأصوات الاشتباكات والرصاص، ومعرفتنا بفقدان عشرات الأشخاص من قريتنا لحياتهم، خرجنا من المنزل وركبنا الجرار وقبل أن نسلك دربنا تعطل بنا، وتوقفت إلى جانبنا إحدى سيارات أقربائنا واتجه صوبنا أشخاص يرتدون زي قسد لكننا عرفناهم من ذقونهم، وبدأوا برمي الجميع بالرصاص، وعندما انتفضت زوجة شقيق زوجي مستنكرةً عملهم الإجرامي قتلوها دون أن يرف لهم جفن".

وراح من عائلتها 4 أشخاص، وهم زوجها شريف حسن العبيد وأشقاءه، وكل واحد منهم أب لطفل وهم جمعة حسن العبيد، وفوزي حسن العبيد، وزوجته أمونة عبد اللطيف الموسى.

وأضافت "بعد ارتكاب جريمتهم قالوا لنا توجهوا إلى الجهة الشمالية وهو مكان سيطرتهم، كانوا يمنعونا من التوجه إلى المناطق الآمنة"، مبينةً أنه "كل من يخرج من منزله يتم استهدافه بالقناص المتمركز في إحدى التلال التي ترصد قريتنا".

تتحسر أمينة إبراهيم وهي تتحدث عن فرحة التحرير التي لم تكتمل "بعد تحريرنا من قبل قوات سوريا الديمقراطية فرحتنا كانت لا تضاهيها أي فرحة، لكن للأسف لم تكتمل فداعش سرق فرحتنا، وعشنا أيام عصيبة".

 

سرقوا سيارة أحد المدنيين وخدعوا بها أهالي القرية

في 27 من تموز/يوليو 2016، بعد أن تحررت قرية مشرفة البوير من داعش، تسلل ثلاثة من مرتزقة داعش عبر وادي يحاذي أطراف القرية من الجهة الشمالية اتجاه ضفاف نهر الساجور واستخدموا أسلوب الغدر حيث دخلوا إلى منزل أحد المدنيين وقتلوا عائلة بأكملها وسرقوا سيارته وخدعوا بها أهالي القرية.   

تقول جليلة العبيد 45 عاماً "داعش كان يرتكب انتهاكات بشعة بحقنا، ومن يخالف القوانين التي يفرضها يتم سجنه أو يأخذ رغماً عنه للخضوع لدورة شرعية لمدة 3 أشهر، حتى النساء لم تسلمن من إجرامه، فرضوا علينا النقاب، ونحن كمجتمع ريفي هذه الملابس ليست من ثقافتنا"، مضيفةً "عوقب زوجي بإجباره على الخضوع لدورة شرعية لمدة شهرين لأنهم رأوني كاشفة عن عيني، لذلك كان زوجي يجبرني على ارتداء ما يفرضونه علينا وهو ما أدى إلى نشوب الخلافات بيننا على مدار أكثر من عامين".

 

الفرحة المبتورة

بعد أن انجلت الغيمة السوداء عن سمائهم واجهتهم عاصفة قلبت حياتهم رأساً على عقب "فرحتنا بالتحرير لم تكتمل فبترها داعش بعد 30 يوماً، استيقظنا على وجوه داعش، دخل مرتزقته إلى القرية بدراجات نارية".

وبينت "دخلوا منزلنا فجراً وأخذوا مفتاح سيارتنا بعد أن قتلوا زوجي، ثم دخلوا لمنزل ضرتي وقتلوا أبنائها أيضاً، وبعد ذلك استقلوا السيارة وداروا بها في القرية، خدعوا أهالي القرية الذين ظنوا أن زوجي هو من يقودها فعندما يتجهون صوبه يقتلهم المرتزقة، وهكذا قتلوا عدد كبير من أهالي القرية، حتى الساعة الثانية عشر حلقت طائرات التحالف لاستهداف داعش لتوفير ممر آمن للمدنيين، وعلى إثر غاراته هدم منزلي ومنازل أخرى"، لافتةً إلى أنه "عندما هاجمنا داعش كنا نظن أننا العائلة الوحيدة التي تعرضت للمجزرة، ولم نعلم بالحقيقة إلا عندما حلت الساعة الثانية عشر وحلقت طائرات التحالف".

واستشهد في تلك المجزرة زوجها حمود العبود، وأبناء زوجها أيمن وحسن وهم أباء لأطفال حديثي الولادة، أحدهم طفلته كان عمرها أسبوع والأخرى 10 أيام.

تقول جليلة العبيد "لأننا استقبلنا قوات سوريا الديمقراطية بحرارة، وكنا سعداء بتحريرنا، ارتبكوا هذه المجزرة المروعة بحقنا. استقبلنا قوات سوريا الديمقراطية ومجلس منبج العسكري بحب لأننا رأينا منهم كل خير وأعادوا لنا الأمان الذي كنا نفتقده، كانوا لنا خير حماة، يشاركونا في جلساتنا دون أن يشعروننا بأنهم قوات عسكرية أو يشعرونا بالخوف، الأمر الذي يجعلنا نساند قواتنا التي هي من أبنائنا وأبناء مدينتنا".   

وطالبت جليلة العبيد بالدعم ومد يد العون لهم، لأن أغلب سكان القرية باتوا دون معيل "أنا وبناتي نعمل في البساتين وجني نبتة القبار (الشفلح) لنوفر دخل لما تبقى من عائلتنا".

 

التغير الذي طرأ على القرية بعد المجزرة

التقينا بذاكرة القرية أمينة الحسن ذات 90 عاماً التي عاشت فترات مختلفة وقالت عن حياتهم قبل سيطرة داعش "كنا مطمئنين لكن دخول داعش إلى قريتنا غير الكثير من عاداتنا وزرع الرعب في نفوسنا حتى الزيارات بين أهالي القرية قلت، والأمسيات الليلية والسهرات أصبحت من الماضي، بات الجميع يخشى المبيت في المنازل، وهناك من خوفاً من هجمات داعش فكانوا ينامون بين الأراضي الزراعية".

وعن يوم المجزرة قالت "استيقظنا على صوت امرأة تقول داعش دخل القرية وجيراننا يستعدون للخروج منها، قمنا بإدخال الفرش إلى داخل المنزل، وذهبنا إلى القرى المجاورة لننجو بأرواحنا، وجاءنا أحد أقاربنا وأخبرني بمقتل ابني، وقبل ذلك كنت أظن أنهم استطاعوا الهروب".

وأضافت "كان ابني يستعد للخروج من المنزل مع عائلته بعد أن حزم امتعته توجه داعش إليهم بسيارة حمود العبود وكان ابني يظن بأنه صاحب السيارة وهو أحد أقربائنا، لكن مرتزقة داعش كانوا في السيارة وقتلوا الجميع من بينهم ابني شعبان عبود الموسى، وأصيبت زوجته وابنائه، بعضهم بجروح في الكلية والكتف، ومنهم من بترت أصابعه. قتلوا كل من يصادفهم بالطريق كبيراً كان أو صغيراً حتى أنهم قتلوا النازحين الفارين من دير الحافر".

بعد إن اتركب داعش هذه المجزرة المروعة استطاعت قوات سوريا الديمقراطية بمساعدة طيران التحالف الدولي الذي قصف خطوط الخلفية وتحصينات مرتزقة داعش من تحرير القرية مجدداً.

كانت مشاهد مفجعة تصدرت القرية بعد تحريريها ليشاهدها الأهالي الذي نجوا من المجزرة، عدا قسوة المشاهدة لم يكن هناك أي وسيلة لنقل الجرحى، حتى عثروا على عربة نقل يدوي تم نقل المصابين بها، ومع اشتداد المعارك أجبر الأهالي على دفن معظم الشهداء في مقابر جماعية في قرية بوز كيج وقرية شويحة.