محاربات سرطان يروين أصعب اللحظات

بالرغم من صعوبة مراحل التعافي من سرطان الثدي إلا أن العديد من النساء تغلبن عليه لتدخلن مرحلة جديدة من حياتهن ويطلقن مبادرات من رحم المرض لتوعية النساء المصابات به

إيناس كمال 
القاهرة ـ ، ويساندنهن ويرفعن من معنوياتهن مؤكدات أن السرطان ليس نهاية العالم بل فرصة أخرى للحياة.
منذ حوالي 13 عاماً، وجدت أنصاف لبيب سليمان أن ثديها ليس بحالة جيدة فقد انكمش جلد الثدي وازداد حجمه شيء ما بداخله يوماً بعد يوم قبل أن تعلم أنها مصابة بسرطان الثدي.
لكنها في عام 2012 وجدت سيارة "الكشف المبكر على سرطان الثدي" وقاموا بالكشف عليها بتقنية الماموغرام، وبعد شهر من الكشف تم إحالتها إلى معهد صحة المرأة ليحيلوها بدورهم إلى معهد الأورام ليتم الكشف عليها فوراً دون تأخر الوقت أكثر، لكن مشهد الزحام لم يشجعها آنذاك وعادت أدراجها إلى المنزل وبعد عدة أشهر كانت على أبواب مستشفى "بهية" وهي متخصصة في حالات أورام النساء. 
كانت أنصاف سليمان تعمل ممرضة لكنها لم تستطع مواجهة الأمر آنذاك وقالت إنها تفضل أن تموت وهي بحالتها تلك على كونها ستجري عملية لاستئصال الثدي، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يحصل عليه، ففي عام 2016 كانت طبيبتها تكتب بخط عريض على ملفها "عاجل" لتبدأ علاجها الكيميائي في المستشفى، وبعد نصيحة الطبيبة بقص شعرها استخدمت ما قصته في عمل "باروكة" لها تحسباً لاستخدامها عقب سقوط شعرها بجلسات العلاج الكيميائي.
وحول مرحلة العلاج التي مرت بها تقول "بدأت التعامل مع العلاج ببساطة وأحببت المستشفى وتحول اليوم الذي أذهب فيه إليها كأنه بمثابة فرح ولم يهمني ألم العلاج ولا تساقط شعري وبدأت في إخفاء آثار العلاج على جسمي فكنت أطلي أظافري الزرقاء بطلاء الأظافر وأضع الكحل في عيني لإخفاء التعب والإرهاق".
بعد انتهاء العلاج الكيميائي، صغر حجم الورم وتم تحويلها إلى العمليات لاستئصال الورم، كان لديها أمل كبير وفي خلال 6 ساعات تم استئصال الثدي وبدأت تتعافى وعاد شعرها للنمو مرة أخرى.    
تقول أنصاف سليمان أن يومها كان يمر طبيعياً ففي الصباح تتعرض لجلسة الإشعاع وفي الظهيرة تحضر الطعام لعائلتها وهي مستمتعة بذلك، حتى انتهى العلاج الإشعاعي لتبدأ في العلاج الهرموني وحالياً تكمل عامها الخامس ولا تزال حياتها مستمرة بنفس الوتيرة التي اختارتها فيما تحظى بدعم من أسرتها.
ونصحت النساء والفتيات المصابات بالسرطان في مرحلة مبكرة من عمرهن قائلةً "هذا ليس نهاية العالم بل بدايته، إنه مجرد اختبار فقط كوني قوية، إنها مرحلة وستنتهي وسترين العالم بمنظار أجمل ومختلف ولا تخافي تقبلي الأمر بحب".
 
السرطان ليس نهاية العالم
من جانبها أكدت زينب سيد أم لثلاث أبناء، وهي متعافية من سرطان الثدي وتقضي حالياً مرحلة العلاج الهرموني، هكذا فضلت تعريف نفسها، أنها في البداية كانت تطلق على مرضها "العو" لكنها أصبحت لا تخشاه. 
وعن تجربتها تقول "أنا لي تجربة مريرة وسعيدة سيعتقد البعض أنني أهذي لكنني لست كذلك تحولت من امرأة عادية مثلها مثل كل النساء إلى تلك المرأة المتميزة، منذ حوالي عام عرفت أني مريضة سرطان ولا أستطيع أن أصف لأي أحد لم يمر بتلك المحنة وقع تلك الكلمات القليلة الثقيلة على القلب والأذن، ثلاث كلمات حين نطقها الطبيب "أنتِ مريضة كانسر" أيقنت أنني لن أعيش بعدها سوى أيام وأن هذه هي بداية النهاية".
بعد فترة ليست بقصيرة وساعات ثقيلة على النفس أدركت زينب سيد أن السرطان الذي يهابه الناس وتخاف منه وتتمنى أن تبتعد عنه أنه عدو ضعيف يتغذى ويكبر على ضعفها وخوفها منه لذلك قررت أن تدرسه وبدأت تقرأ عنه كثيراً حتى استطاعت جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات "اتخذته صديق وعقدت بيني وبينه معاهدة سلام أبديه وألا يعود إليَّ مرة أخرى".
ووجهت في ختام حديثها نصيحة للنساء "إن الحياة لها أشكال وألوان مثلها مثل الطيور والشجر بمعنى إذا كان هناك وقت لتفتح الزهور هناك وقت آخر لسقوط الأوراق، حياتنا هكذا يجب أن نعيش كل فصول الحياة ونرضى بها ونستمتع بكل لحظة منها".
 
السرطان فرصة أخرى للحياة
أما نانا مرسي استطاعت عقب شفائها من سرطان الثدي أن تؤسس مبادرة لتعليم مريضات السرطان المشغولات اليدوية لمساعدتهم في حياتهم، أما عن قصة تعافيها فتقول إنها كانت مصابة بسرطان الثدي قبل 11 عاماً، فوجئت بوجوده في الثدي الأيسر وبدأت رحلة العلاج والتي كان أولها هو استئصال الورم من الثدي ثم الخضوع لجلسات العلاج الكيميائي يليها العلاج الإشعاعي في مركز صحة المرأة. 
لكن بعد فترة من العلاج الكيميائي ولمدة 7 سنوات بدأت العلاج الهرموني والذي تسبب لها في مضاعفات تمثلت في هشاشة عظام الركبتين، وكانت على مدار 7 أشهر لا تستطيع السير مطلقاً على قدمها خلال تلك الفترة والتي تمثلت في ساعات وشهور طويلة مكثتها بسريرها، كان صديقها وشغلها الشاغل هو استعادة ذكريات ما كانت تقوم به من مشغولات يدوية، وعند تمام تعافيها واستطاعتها المشي وجهت مجهودها إلى تعليم النساء كيف يصنعن المشغولات اليدوية.
بعد تعليمها لعدد من النساء المحاربات لمرض سرطان الثدي والمتعافيات أيضاً، بدأت في عمل معارض لنشر وبيع مشغولاتهن، ونظمت آخر معرض عام 2020، ولكن قبل افتتاحه بيوم واحد اكتشفت وجود ورم في الثدي الأيمن، مما سبب لها صدمة كبيرة لكنها نفسياً استطاعت تجاوزها، "كان عندي تقبل غريب للأمر، وبدأت أتعامل معه، صورت شعري ثم قصصته وتبرعت به لمريضة سرطان أخرى وتعاملت معه كأنه مرض عادي وكما تجاوزته في المرة الأولى سأتجاوزه في الثانية".
وبالتواصل مع العديد من المؤسسات أطلقت مبادرة "عطائي شفائي" من مدينة الغردقة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، "قمنا بتدريب حوالي 210 امرأة على حوالي 7 حرف يدوية ولم تكن مريضات سرطان ثدي فقط بل نساء غير مصابات أيضاً".
وحينما عادت نانا مرسي إلى مدينتها أجرت العملية لاستئصال الورم من الثدي، وبعد نجاحها بدأت في تلقي العلاج الإشعاعي ولم تنسى شغفها الأساسي وهو المشغولات اليدوية التراثية، وفي أيلول/سبتمبر الماضي عادت مرة أخرى إلى الغردقة ودربت حوالي 400 امرأة على 11 حرفة يدوية.
ووجهت رسالة إلى المصابات بالسرطان قائلة "لا تخافي، السرطان لا يقتل الإنسان فبإمكان رشفة ماء أن تقتل أي شخص، بالطبع هو مرض صعب ولكن بالصبر يمكن التغلب عليه وهو ليس نهاية الحياة".
 
مبادرات من رحم المرض
ولا تختلف قصة جيهان الأصيل عن سابقاتها من محاربات السرطان، فقد اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي في كانون الأول/ديسمبر عام 2015، بدأت رحلة علاجها مباشرةً، ليتحول مسار حياتها بنمطه العادي والطبيعي إلى بداية دور مهم في دعم غيرها.
بدأت جيهان الأصيل رحلة العلاج بجراحة لاستئصال الثدي وبعدها 16 جلسة علاج كيميائي و21 جلسة إشعاع، "كنت أقضي أوقات طويلة مع المريضات في المستشفى واستمع لهم ولمشاكلهم ومعانتهم مع المرض وسوء حالتهم النفسية، ونظراً لأني متخرجة من معهد الخدمة الاجتماعية، فمجال دراستي ساعدني في تقديم الدعم النفسي لزميلاتي".
وأضافت "لم أكتفي بمجال دراستي لكن درست الدعم النفسي الأساسي، والدعم النفسي المتخصص لمرضى السرطان، أخذت دبلوم في الصدمات وتأثيرها على الجسد ودرست العلاج بالفن والسيكو دراما وعلم النفس الإيجابي إلى جانب دراستي في أول مدرسة لريادة الأعمال الاجتماعية وهي (ابتكار خانة) وتدربت مع دكتورة إيمان بيبرس المديرة الإقليمية لمنظمة أشوكا العالمية في الشرق الأوسط ومؤسس ابتكار خانه لرياده الأعمال الاجتماعية". 
بعد شفائها أسست جيهان الأصيل مبادرة "بينكي" للدعم النفسي والاجتماعي لمريضات السرطان وكان الهدف من المبادرة تعميم وجود وحدات الدعم النفسي داخل مستشفيات ومراكز الأورام وتقديم صفوف علاجية متكاملة يعمل على تلبية الاحتياجات النفسية والجسدية للمرضى كما دربت مجموعة من طلاب السنة الثالثة والرابعة بطب الأزهر على طرق التعامل مع مرضى السرطان وطرق تقديم الدعم النفسي وقدمت الخدمة لجمعيات ومؤسسات تعمل على خدمة مرضى السرطان. 
ولأن المبادرة كان هدفها الأساسي هو إدراج الدعم النفسي داخل برتوكول علاج المرضى، حولت جيهان الأصيل المبادرة إلى مؤسسة لخدمة مرضى السرطان باسم "كانسر كير" بها كل الخدمات التي لاحظت غيابها أثناء رحلتها مع المرض أو أثناء تقديم الدعم وأصبحت المبادرة إحدى مشاريع المؤسسة، كما تقدم المؤسسة خدمات الدعم القانوني للنساء غير القادرات على تحمل تكاليف العلاج بالمجان وتوفير الثدي البديل مجاناً لهن إذ يبلغ ثمن الثدي الواحد حوالي 2000 جنيهاً (عملة مصر).
تقول جيهان الأصيل في ختام حديثها "أصبحت مؤمنة أنني لم أكن أعرف ما هو دوري الحقيقي في الحياة ومدى قدرتي على التأثير في الآخرين إلا من خلال المحنة".