مغربيات يروين قصصهن مع الطلاق ونظرة المجتمع

رغم التطور الذي يعرفه المجتمع المغربي في مسألة تمكين المرأة في الإعلام والمشاركة السياسية وتقلد مناصب المسؤولية، ومناداة الجمعيات الحقوقية بالمناصفة، إلا أن هناك نظرة نمطية لا تزال تحكم تعامل البعض مع المرأة المطلقة

حنان حاريت 
المغرب ـ . 
بمجرد أن تحمل المرأة لقب "مطلقة"، ينظر إليها بعين من الشفقة، كما يتم تحميلها مسؤولية فشل الزواج، ومنهم من يعتبرها كما لو كانت ارتكبت ذنباً لأنها فضلت الانفصال واختارت "أبغض الحلال عند الله"، بعدما لم تعد تتحمل العيش في بيئة تجعل منها امرأة تعيسة، وبعدما طفح الكيل ووصلت بها المشاكل وإهانات الزوج إلى الطريق المسدود، وبالتالي تبخرت كل آمالها في إصلاح ذات البين والحفاظ على استمرارية العلاقة.
وكالتنا وكالة أنباء المرأة (NUJINHA) التقت بنساء مطلقات، استمعت إليهنَّ، فلمست في بوحهنَّ معاناةً كبيرة وألماً يعتصر قلوبهنَّ، ليس جراء الطلاق، ولكن نتيجة لنظرة المجتمع الذي يلوم المرأة ويجد مبررات للرجل، ولا يغفر لها هذا الاختيار. 
 
وصمة عار
بألم وحسرة تتحدث سميرة الرامي البالغة من العمر (35) عاماً "للأسف رغم التطور الذي تعرفه حقوق المرأة في المغرب، إلا أن أغلب المغاربة لم تتغير نظرتهم للمرأة المطلقة بعد، إذ بمجرد ما تحمل هذا اللقب حتى ينظر إليها كما لو كانت وصمة عار للعائلة".
تصمت سميرة الرامي لحظة لاسترجاع أنفاسها، وبلهجة يظهر فيها انكسار امرأة حطمتها نظرة المجتمع، ثم عدم تسامح عائلتها لأنها اختارت الطلاق، تستأنف حديثها قائلة "أنا لم أختر الطلاق بل فرضته علي الظروف التي كنت أعيش فيها مع زوج لا يتحمل المسؤولية، بعد شهر واحد من الزواج بدأ بالتنصل من مسؤولياته؛ لم يعد يرغب في دفع إيجار البيت الذي نقطنه، كما امتنع عن أداء فواتير الكهرباء والماء، مدعياً أن راتبه لا يكفيه، لذلك علي تحمل المسؤولية معه كوني أعمل مثله، لم أعترض وبدأت أؤديها، فيما تكلف هو بمصاريف (الطعام والشراب).
وعن صبرها تقول "استمر الحال هكذا لمدة ستة أشهر تقريباً، إلى أن أتى ذات يوم فأخبرني أن الشركة التي يعمل فيها امتنعت عن أداء رواتبهم وتعتزم تسريح العمال، وأنهم بصدد خوض اعتصامات ما سيجعله يبيت هناك إن دعت الضرورة لذلك، لم أشك في حديثه إلي، أخبرته ألا يخشى شيئاً، فأنا سأتحمل كافة المسؤوليات إلى أن يجد حلاً لمشكلته".
تقول سميرة الرامي "كم كنت غبية عندما صدقته، وضيعت سنة من عمري مع زوج لا يهمه إلا نفسه ونزواته... نعم كان يستغفلني لدرجة أن كل ما أخبرني إياه كان كذباً، تحملت كافة المصاريف، حتى أنني كنت أمده بالمال، لكي يتمكن من الجلوس في المقهى مع أصدقائه، ويمكنه كذلك استخدام المواصلات من أجل المشاركة في الاعتصام مع باقي العمال، بقيت على هذا الحال؛ وذات يوم وبينما كنت أغسل ملابسه فإذا بي أجد في جيبه رسالة من المصرف تحدد رصيده البنكي، هنا كانت المفاجأة...! اكتشفت أن هناك تحويلات بنكية من الشركة التي يعمل فيها وهي عبارة عن راتبه الشهري، هنا بدأت أسأل نفسي لم يستغفلني، ولما اخترع كذبة تسريحه عن العمل؟ فقررت مواجهته".
تقول "لقد واجهته، لكن ببرودة أعصاب قال لي أنت غبية لأنك تصدقين كل ما أقوله لك، ولا تبحثين ورائي... فأجبته هل الثقة أضحت غباءً، أنا صدقت كل شيء قلته لي ولأني زوجة أريد الحفاظ على بيتي لم أرغب أن أزيد همومك؛ فأنا أعرف إحساس المرء عندما يفقد عمله، فعندما أخبرتني بذلك لم أرد أن أجعلك تشعر بالذنب تجاهي، لهذا تحملت كافة المصاريف حتى أحافظ عليك وعلى عش الزوجية".
تستمر سميرة الرامي في حديثها دونما انقطاع "سألته بما أن كل شيء أخبرتني إياه حول مشاكل عملك كانت كذبة، لِمَ كنت تأخذ مني المال؟ أمن أجل أغراضك الخاصة!؛ فقال لي بكل فخر أنا لم أطلب ذلك، بل أنت من بادرت إلى تقديمه إلي، والذي يرفض المال أحمق.! ثم سألته وأين تصرف راتبك ما دمت تنصلت من كافة مسؤولياتك اتجاهي، حينها طأطأ رأسه، واختفت نبرة التحدي التي كانت تظهر على محياه، بعد إلحاح مني أخبرني أنه على علاقة مع فتاة تعرف عليها بعد زواجنا عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ثم بدأ يخرج معها، وفهمت الباقي لم أعد أريد منه أن يخبرني بالمزيد، وأمضيت تلك الليلة أبكي، وأفكر كيف سأدبر أمري.
في الصباح لم أذهب إلى عملي، بل قصدت بيت أهلي، حتى أخبرهم بقصتي وأني سأطلب الطلاق، لكني تفاجأت بأمي تخبرني أنه عليَ الصبر، لأنه سيعرف خطأه ويعود إلى رشده، مشيرة إلى أنه لا توجد فتاة في العائلة مطلقة وأن ذلك سيعرضني للقيل والقال، سألتها: ألكي أتفادى نظرة الناس، أعيش مع رجل استغلني طوال هذه الفترة إضافة إلى الخيانة؟ لا لن أصبر على ذلك، سأبدأ إجراءات الطلاق.
عندما رأتني أمي مصرة على فكرتي، قالت لي "في البداية لن نخبر أحداً من العائلة"، وحتى عندما سأعود للعيش معهم سيقولون إن زوجي سافر إلى الخارج، إلى أن يتعود الجميع على تواجدي من جديد في بيت أسرتي حينها سنرى ما نفعله".
تقول سميرة الرامي "باشرت إجراءات مسطرة طلاق الشقاق وتغيب زوجي عن جلسات المحكمة، وحكم القاضي بطلاقي..."
تسترسل سميرة الرامي حديثها بالقول إنه "بعد أن أصبحت أحمل لقب مطلقة، صار كل شيء ممنوعاً وعيباً، فعندما أتأخر في العمل تتصل أمي لتستفسر عن سبب التأخر، وخلال نهاية الأسبوع أصبح عليَ المكوث في البيت، فلم يعد من حقي قضاء بعض الوقت مع صديقاتي..." تقول سميرة "مر الآن على طلاقي ثلاثة أشهر ووالدي يعاملانني كأنني وصمة عار أو اقترفت ذنباً لا يغتفر".
تضيف سميرة الرامي قائلة "تعامل والدي معي بعد الطلاق زاد من معاناتي النفسية فهما لا يتقبلان طلاقي فكيف لباقي المجتمع، تصرف والدي أدخلني في دائرة الكآبة، وجعلني أخاف من كلمة "أنا مطلقة" حتى أن زملائي في العمل يظنون أنني لازلت متزوجة؛ فكيف لوالدي لم يتقبلا الفكرة، أن أواجه باقي المجتمع. ما دفعني إلى الانغلاق، حيث صرت أشعر بالوحدة وأنا بين أحضان أسرتي".
 
ظل راجل ولا ظل حيط 
أما رشيدة بلمنصور التي تبلغ من العمر (20) عاماً تسرد لنا قصتها مع تجربة الطلاق نفسياً "أنا أنتمي لعائلة محافظة، تزوجت بطريقة تقليدية وبوساطة من العائلة، كان الزوج يكبرني بـ 12 سنة، وبعد أربعة أشهر من الزواج أصبحت حاملاً وبدأت المشاكل تتفاقم وزادت إهاناته لي، لم يراعي أنني في فترة "الوحم"، إذ خلالها كنت أجد صعوبة في مزاولة أعمال المنزل، بسبب التعب الذي كان ينتابني بين الفينة والأخرى، فكان يسمعني كماً هائلاً من الشتم، كوني غير قادرة على تحمل مسؤولية المنزل وأنه ندم على الزواج مني".
تقول رشيدة بلمنصور إن قرارها الحاسم جاء بعدما لم تعد تتحمل إهاناته، وضربه لها وهي في شهرها السابع "رغم أن أبي كان ضد فكرة الطلاق إلا أنني تحديته وسلكت مسار طلاق الشقاق... بعدما أنجبت أراد إعادتي إلى عصمته وكان أبي وأمي أيضاً يرغبان في ذلك بدعوى "ظل راجل ولا ظل حيط"، لكنني رفضت الفكرة جملةً وتفصيلاً... شعرت حينها بأني شخص غير مرغوب فيه، وأنهم لا يرحبون باحتضاني بينهم من جديد، لأنني لم أحافظ على بيتي، على حد تعبيرهم".
وتشير إلى أنه رغم ذلك الإحساس، إلا أنها الآن تحاول تحدي نظرة المجتمع التي تلوم المرأة المطلقة وتلصق بها العديد من التهم.
 
لا تسامح مع المطلقة
من جهتها تؤكد فاطمة رياحي التي تبلغ من العمر (33) عاماً وهي ربة منزل "إن المجتمع المغربي لا يزال للأسف ينظر إلى المرأة المطلقة، على أنها ارتكبت شيئاً مشيناً ولا ينبغي التسامح معها، الشيء الذي يدخلها في دوامة من العقد النفسية والإحساس بالذنب... لقد مررت في تجربة زواج دامت خمس سنوات، لا أحب الخوض في تفاصيلها لأنني أشعر بالاختناق وأنا أتذكر تفاصيلها... المهم أنه بعد استحالة العشرة، فضلت الطلاق... وكان ثمرة هذا الزواج طفلاً، هو كل حياتي. صحيحٌ أنني الآن تجاوزت المشكلة ونظرة الناس لم تعد تضايقني، إلا أنه في بداية طلاقي عانيت الأمرين خاصةً بعدما أخبرتني إحدى صديقاتي المقربات أنه لم يعد مرحباً بي في بيتها بعد أن أصبحت مطلقة لأنها تخاف على زوجها مني، لقد تضايقت من حديثها ولم أستوعب ما قالته، واستغربت موقفها وبدأت أسأل نفسي ألهذه الدرجة تسترخصني، ماذا ظنت بي فهل لأني أصبحت مطلقة أكون فريسة سهلة، وليس لدي ما أخسره"، وتختم قولها للأسف لا يزال المجتمع يربط الطلاق بـ "أوهام جنسية".
 
المعركة تبدأ بعد الطلاق
صفاء حمري (40) عاماً، وهي أم لثلاثة أطفال تقول "معركتي الحقيقية مع الطلاق لم تبدأ إلا بعد أن حصلت عليه، حيث بدأت أواجه بأفكار قديمة في المجتمع رغم أنه ينادي بحقوق المرأة والمساواة، إلا أنه يرفض الطلاق، ويحمل المرأة مسؤولية فشل زواجها، ويعتبرها مذنبة وليست ضحية... والبعض ينظر إليها على أنها سهلة المنال وأنه يمكنها الدخول في علاقات كيفما كانت لكونها لم تعد تخاف على أي شيء".
تستمر صفاء حمري في حديثها الذي يحمل نبرة غضب وهي تقول بصوت مرتفع "تصوري أنه ذات يوم أخبرني زميل لي في العمل بعد أن علم بطلاقي أن أقيم معه علاقة، وعندما رفضت قال لي ما المانع في ذلك ما دمت مطلقة".\
 
مساندة الأهل ضرورية
وإذا كانت سميرة وفاطمة وصفاء ورشيدة، عانينَّ من نظرة المجتمع كونهنَّ مطلقات، فإن دليلة القادري تقول "بعد زواج دام لسنتين لم يسفر عن أولاد، وبعد اختلاف في التفكير والمستوى الثقافي ووجهات النظر، كان الحل هو الطلاق، تقبلت أسرتي الأمر، ووقف الكل بجانبي من أجل تجاوز المحنة بأقل الخسائر، وعدت لاستئناف حياتي كما كنت أعيشها قبل الزواج وحافظت على علاقاتي، والكل يتعامل معي باحترام ولم أسمح لأحد أن ينتقص مني".
ربيعة اليعقوبي هي الأخرى مطلقة تقول بفخر "حياتي تغيرت إلى الأحسن بعد انفصالي عن زوجي، ساندني أهلي وجعلوني أشعر أن الحياة لا تقف عند رجل ولا تنتهي بالطلاق، وأنهم يرحبون بي من جديد بينهم، وهذا أعطاني شحنة إيجابية، وجعلني أسخر كل طاقتي في العمل، ما جعلني أحصل على ترقية تلو الأخرى، إلى أن أخذت قراري ذات يوم بأن أقيم مشروعي الخاص".\
تقول ربيعة اليعقوبي "لولا مساندة عائلتي لكنت دخلت في دوامة الاكتئاب؛ لأنني كنت خائفة من فكرة الطلاق وكيف سينظر ألي المجتمع...!".
 
100 ألف حالة سنويا
حسب إحصائيات سابقة صدرت عن الشبكة المغربية للوساطة، فإن المغرب يسجل سنويا 100 ألف حالة طلاق، ما يقارب 8333 حالة طلاق في الشهر الواحد، و277 حالة طلاق في اليوم، وأزيد من 11،5 حالة طلاق في الساعة.
وبالنسبة لمدينة الدار البيضاء وحدها سجلت أزيد من 97 في المائة من حالات الطلاق بالاتفاق أو التطليق للشقاق خلال عام 2020، وفق إحصائيات أعلن عنها في تقرير حديث صدر عن المحكمة الاجتماعية للدار البيضاء في 20 كانون الثاني/يناير 2021، وأوضح التقرير أن مجموع قضايا الطلاق التي بتت المحكمة قرارها بفسخ عقود الزواج تقدر بـ 15 ألفا و956 حالة خلال السنة الماضية.
وخلال فترة الحجر الصحي، أفاد التقرير ذاته، أنه تم التعجيل بالبت في 115 شكاية تتعلق أساساً بحالات الطرد من بيت الزوجية بإرجاعهم سواء تعلق الأمر بالزوج أو الزوجة.
ورغم  الظروف التي فرضتها تداعيات جائحة كوفيد ـ 19 منذ آذار/مارس 2020، والتي شهدت  تأجيل  بعض القضايا، إلا أن المحكمة بتت في 99،3 بالمئة من مجموع حالات الطلاق الاتفاقي، في حين بلغ عددها خلال السنة الماضية 5394 حالة، إضافة لمعالجتها لنسبة 65 في المائة من حالات التطليق للشقاق البالغ عددها الإجمالي 10 آلاف و119 حالة.
وأشار التقرير إلى أن ارتفاع نسبة معالجة ملفات الطلاق الاتفاقي، بمدينة الدار البيضاء لوحدها تصل إلى نسبة مائة في المائة، وذلك يعود لسرعة الإجراءات حيث أن الزوجين، ومن أجل تسهيل المسطرة يتقدمان باتفاق مصادق عليه من طرفهما للسلطات المختصة، يتضمن كافة الالتزامات من تعويضات ونفقة وأجرة الحضانة وسكن خاصة إذا ما أثمرت العلاقة الزوجية على أطفال.
وسجل أيضاً أن أغلب طلبات الطلاق تقدمت بها نساء، في حين حمل نشطاء موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" المسؤولية للمرأة في كثرة حالات الطلاق على اعتبار أنها هي من تتقدم بطلب الطلاق للمحكمة، بينما عزا بعضهم الأمر للزوجين معاً وذلك لعدم قدرتهما على تحمل المسؤولية، حيث أنه رغم ارتفاع سن الزواج، وتحسن مستوى التكوين والشخصية، سواء بالنسبة للرجل والمرأة، إلا أن حالات الطلاق في المغرب بشكل عام تسجل ارتفاعا سنة بعد أخرى.
ومن جهته يرى حسن بلمهدي (50) عاماً أن بعض المغاربة ما زالت لديهم نظرة سيئة تجاه المرأة المطلقة، إذ يحملونها مسؤولية الطلاق، وأنها فاشلة في كونها لم تستطع الحفاظ على زوجها، حتى جعلوها تخجل من كلمة "أنا مطلقة"، كما أن هناك بعض الرجال ينظرون إلى المرأة المطلقة على أنها باتت فريسة سهلة وأنه عليها القبول والخوض في مغامرات جنسية دون حسيب أو رقيب، وأنه ليس من حقها الاختيار؛ في حين أن المجتمع ينظر للرجل على أنه أكثر كمالاً وتكون النظرة السلبية حليف المرأة فقط وليس الرجل. بحسب ما يقول.
 
قبول وشفقة
ترى الفاعلة الحقوقية ورئيسة جمعية اتحاد العمل النسائي عائشة لخماس، أن نظرة المجتمع المغربي للمرأة المطلقة بدأت تتغير نوعاً ما، خاصة بعد أن كفلت لها مدونة الأسرة حق التطليق للشقاق الذي يعد مكسباً حقوقياً لها، حيث أتاح لها إمكانية التطليق دون عناءٍ كبير.
وتوضح عائشة لخماس في تصريحها لوكالتنا، أن المرأة حالياً أصبحت أكثر تطوراً واستقلالية عن الأسرة بحكم دراستها وعملها، ويمكنها اختيار زوج مناسب لها، كما لا يمكنها التردد في طلب الطلاق إن لم يكن الزوج يناسبها أو يعرقل طموحها الاقتصادي والثقافي، لكن رغم هذا التغير وتقبل المرأة المطلقة داخل المجتمع المغربي وإيمانه بأن المرأة من حقها الطلاق كما الرجل، إلا أنه حين الحديث عنها عادة ما تنعت بـ "المسكينة"، في إشارة منهم على تعاطفهم وشفقتهم، لأنها أصبحت بدون زوج، ونظرة الشفقة هذه تؤثر بشكلٍ سلبي على المرأة المطلقة.
وحول كيف يمكن تغيير هذه النظرة؛ أوضحت عائشة لخماس أن تغيير تلك النظرة لا يتطلب توعية المجتمع فقط، بل تحتاج إلى تغيير أسلوب الحياة، إذ يجب أن ينظر لها على أنها إنسان يستحق الاحترام والحب والود مثلها مثل باقي أفراد المجتمع وليس كزوجة أو مطلقة فلان، وأنه لا تكتمل كينونتها إلا إذا كانت في عصمة الرجل، فهي لديها حقوق وواجبات تستحق الاحترام والتقدير كيفما كانت حالتها الاجتماعية زوجة، أم مطلقة، أرملة أو عازبة.
 
 تناقض المجتمع
ويقسم الباحث في علم الاجتماع علي شعباني خلال تصريح لوكالتنا أيضاً، المجتمع المغربي إلى فئتين؛ أحدهما متسامح مع المرأة المطلقة، في حين هناك فئة عريضة لا تقبل ولا تغفر للمرأة قرار الطلاق. وأوضح في تصريحه، أن هذا الموضوع يثير الكثير من النقاش لدى فئة من المجتمع، فالذين يتشبعون بالثقافة العصرية، ويدافعون عن حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة بصفة خاصة يرون أن هذه المسألة تم تجاوزها، وأنه يجب أن ننظر للمرأة من خلال ما تقدمه وما تساهم به في مجتمعها من إضافات للحياة العامة سواءً في الشق الاقتصادي والاجتماعي أو الثقافي والسياسي أو في المجال الحقوقي.
ويضيف قائلاً "إن هؤلاء لا ينظرون إلى المرأة على أنها مطلقة أو موظفة أو طالبة أو أرملة، بل ينظرون إلى مساهمتها في المجتمع، إذاً هذا هو المبدأ الذي تعمل عليه جميع الفئات المثقفة والجمعيات والمنظمات المحلية والجهوية والوطنية والتي ترى المرأة كفاعل اجتماعي ككائن وإنسان له عقل وذكاء قادر على أن يعمل ويساهم في الحياة العامة، وأنها تستطيع أن تضيف للحياة الاجتماعية الشيء الكثير، ولا فرق بينها وبين الرجل".
ويشير إلى أن الطلاق لدى هذه الفئة ما هو إلا وضع يعني حالة من الحالات التي تصنف ضمن الحالات التي تعرفها المرأة، فهو صفة من الصفات التي يمكن أن تأخذها المرأة في مسار حياتها العامة وبذلك قد لا يؤثر على وضعها الإنساني أولاً ومساهمتها داخل المجتمع، هذه النظرة هي التي بدأت تسود وسط شريحة من الشباب المغربي المنفتح والمثقف.
أما الرأي الآخر المناقض لما سبق فهو يسود في أوساط تقليدية متشعبة بأفكار قديمة يقول علي شعباني "هذه الفئة لا ترغب في تغيير نظرتها للمطلقة رغم التطور الذي يعرفه المغرب في مجال حقوق المرأة بشكل عام، فهؤلاء يرون أن المرأة مجرد جسد، وأنها خلقت من أجل الزواج وأن مكانها البيت، وأن الستر لا يكتمل إلا إذا كانت في حضن زوجها وهناك من يقلل من قيمتها ويتهمها في عرضها وشرفها، ويعتبرها امرأة منحرفة لا تصلح، وبما أنها طلقت من زوجها فإن لها أغراضاً أخرى أو تخطط لأوضاع تختلف عن قيم المجتمع المغربي، وبالتالي بطلاقها فهي خرجت عن عاداته وتقاليده، كما يحملونها مسؤولية الطلاق، وعدم الخوض في الأسباب والعوامل التي أدت بها إلى اختيار الطلاق فقد يكون السبب الرجل لأنه يعنفها أو لسوء معاملة أسرة الزوج وعدم تقبلها".