مغربيات بين مطرقة البطالة وسندان الفقر

أكدت العديد من الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، أن البطالة ترتفع بشكل كبير في صفوف النساء، ففي آخر بياناتها الصادرة في الثالث من آب/أغسطس ارتفع معدل البطالة لدى النساء من 15.6 في المائة إلى 15.9 في المائة

حنان حارت
المغرب - أكدت العديد من الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، أن البطالة ترتفع بشكل كبير في صفوف النساء، ففي آخر بياناتها الصادرة في الثالث من آب/أغسطس ارتفع معدل البطالة لدى النساء من 15.6 في المائة  إلى 15.9 في المائة.
أبرزت إحصائيات سابقة لنفس المؤسسة أن أكثر من ثلث العاملات أي 35,3 في المائة يعملن كعاملات يدويات في الفلاحة والغابات والصيد، و14 في المائة كعاملات يدويات غير فلاحات أو عاملات بالمهن الصغرى، و11,3 في المائة كحرفيات أو عاملات مؤهلات في المهن الحرفية، و8,8 في المائة كأطر عليا أو أعضاء المهن الحرة، و7,8 في المائة ضمن مجموعة العاملين الفلاحيين، وصيادي السمك، والغابيين والقناصين.
وكالتنا استمعت في التقرير التالي لعدد من النساء المغربيات اللواتي يعانين من البطالة ومنهن من حتمت عليها الظروف القبول بأعمال هشة ومنخفضة الأجر، لنطرح السؤال لماذا البطالة في صفوف النساء في ارتفاع، وما الذي يجعلهن أكثر عرضة للفقر؟ وماهي الحلول المقترحة من أجل الخروج من هذا النفق المظلم؟
 
طموح ينكسر
لم تتردد فاطمة رفيقي (32) عاماً من مدينة الدار البيضاء، وهي عاطلة عن العمل منذ سنوات، مشاركتنا قصتها تقول "تخرجت سنة 2004 تخصص دراسات إنجليزية، ومنذ سنوات وأنا أعيش تحت وطأة شبح البطالة؛ تحطمت أحلامي ومستقبلي يبدو لي ملبداً بالغيوم، قبل التخرج كانت لي أحلام وطموحات، كنت أُمني نفسي أني سأعمل بأكبر الشركات وستصبح لدي سيارة وأحقق ذاتي واستقلالي المادي، لكن بمجرد ما بدأت البحث عن عمل اصطدمت بواقع دمر كل طموحاتي، فكلما كانت تمر سنة وأبقى بدون عمل كانت أحلامي تتحطم".
تسترسل في حديثها والحزن باد على محياها "لا أعرف هل التخصص الذي درسته لا يتناسب مع سوق العمل في المغرب أم ماذا؟ 
مشيرة إلى أنها لطالما راودتها فكرة الهجرة؛ "ليس من أجل استكمال دراستي وإنما للعمل في أي قطاع لا يمت بصلة لأي شيء درسته هنا في المغرب".
 
النفق المسدود
لم تكن أبداً تدري فاطمة رفيقي أن مآلها سينتهي بها في آخر المطاف في صنع الحلويات، وستكتب نهاية أحلامها وستدخل طريقاً مسدوداً، بتردد قالت "مرور السنوات أنساني دراستي حتى أن لغتي الإنجليزية ضاعت بحكم أني لم أعد أتكلم بها ولم أعد أطلع على كتب باللغة الإنجليزية، وبما أن الحياة صعبة، وبحكم أن معاش أبي هزيل ولي إخوة ما زالوا يدرسون كان عليَ التفكير في إيجاد طريقة للمساعدة، فتوجهت إلى صنع الحلويات وبيعها للزبائن"، مضيفة أن هذا الأمر يحز كثيراً في نفسها... وأصابها بالاكتئاب.
 
خوف من المستقبل
ومن جهتها تقول نسيمة. أ، (22) عاماً، التي رفضت الإفصاح عن هويتها الكاملة، وهي طالبة في شعبة قانون خاص، ترى أن الشارع سيكون مآلها، بعد استكمال دراستها، وبالتالي ستضاف إلى قائمة العاطلين الذين يحتجون في العاصمة الرباط أمام قبة البرلمان.   
تصمت نسيمة. أ، ثم تعاود الحديث لتقول بنبرة تحمل نوعاً من التحدي "إن خوفي من المستقبل أن أصبح عاطلة بعد التخرج ولّد لدي فكرة، وهي أنه حالما أتخرج سأبدأ رحلة أخرى وهي البحث عن آفاق خارج أرض الوطن"
وبصوت مرتفع تتابع حديثها "سأنتهز أية فرصة أراها مناسبة لي، وسأهاجر المغرب حالما تسنح لي الظروف، كي أظفر بفرصة عمل في أي بلد أوربي، حتى أستطيع تحقيق ذاتي دون أن أقف ضمن صفوف العاطلين عن العمل في المغرب".
 
"دراهم لا تغني ولا تسمن"
أما فتيحة مكيالي (39) عاماً، أرملة وأم لطفلين تقطن نواحي مدينة الدار البيضاء، تقول "تعليمي لم يتجاوز المرحلة الإبتدائية والحياة قاسية، بعد وفاة زوجي كنت مضطرة للعمل لتوفير لقمة عيش أبنائي طرقت أبواب المصانع لكني لم أجد عملاً، لكن بعد بحث شاق عملت في الزراعة، أبقى طوال اليوم أعمل بدون توقف مقابل بعض الدراهم التي لا تسمن ولا تغني من جوع بالكاد أوفر لقمة أبنائي، فزوجي لم يكن لديه عمل خاص، ولم يترك لي معاشاً".
 
عمل المرأة ثانوي
في حين تقول الغالية حجام (25) عاماً، متزوجة وحاصلة على إجازة في الأدب العربي "إن المجتمع المغربي مع الأسف لا يدين بطالة النساء ولا ظاهرة تأنيت الفقر، فعمل المرأة في نظر الكثيرين ما يزال ثانوياً، حتى إن كانت تحمل شهادات عليا".
وتضيف "المجتمع يتسامح مع بطالة النساء حتى وإن كن متميزات ومتعلمات مادام عمل المرأة الأساسي هو تربية الأبناء والقيام بالأعمال المنزلية وهي أعمال لا يعترف بها المجتمع، وحين تجلس في البيت فهي لا تعتبر عاطلة، بل ربة بيت تقوم بعمل مجاني، وهذا الوضع يزيد من إخفاء المعدلات الفعلية للبطالة ويكسر التبعية والإصرار على أن الرجل هو الأحق بالعمل". 
 
وضع هش في سوق العمل 
تشير الأستاذة الجامعية بكلية الحقوق بمدينة فاس خديجة والغازي إلى أن البطالة في صفوف النساء المغربيات تشهد ارتفاعاً كبيراً، بحيث أن النساء أقل اندماجاً في سوق العمل، "وضعية النساء المغربيات تبقى هشة في سوق العمل في بعض الظروف، خاصة في الأرياف، حيث يعانين من ضعف الأجور، كما يتميز عملهن بعدم الاستقرار على اعتبار أنه موسمي".
وبحسب هيئة الأمم المتحدة تعد المغرب من بين 20 في المائة من البلدان التي تعتبر فيها مشاركة المرأة في القوى العاملة هي الأدنى في العالم، فالمغرب في المرتبة 128 من بين 135 دولة.
وتضيف الأستاذة الجامعية "أنه يمكن التمييز بين فئتين فيما تهم النساء اللواتي انخرطن في سوق العمل، حيث نجد أن هناك من حصلن على درجات تعليم عليا، انخرطن بفعالية في سوق العمل واستطعن إثبات أنفسهن، ونساء يعانين من الأمية والهشاشة التي تحتم عليهن البقاء في نفس الوضع رغم ولوجهن سوق العمل، حيث يعملن في ظروف صعبة، لا تحترم قانون العمل، ويبقين في وضعية الفقر".
وتقول إن هذا الوضع يؤثر على نسبة كبيرة من الأسر، وتؤكد على المعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط التي تفيد بأن نسبة الفقر في صفوف الأسر التي ترأسها نساء تبلغ 12.5 في المائة.
 
عوائق تمنع وصول المرأة لسوق العمل
وعن العوامل التي تمنع النساء من الولوج إلى سوق العمل توضح الأستاذة خديجة والغازي أنها تتمثل في مسألة التمييز في النوع بين المرأة والرجل وسيادة المجتمع الذكوري، إضافة إلى التمييز في وصولها إلى المناصب العليا، إلى عدم التعليم وخصوصاً في المناطق الريفية، حيث يظل مرتفعاً في صفوف الفتيات بسبب عادات مجتمعية تؤكد على أن الفتيات مصيرهن الزواج وتربية الأبناء وليس العمل، إضافة إلى الصورة النمطية الراسخة في الأذهان حول عدم قدرة النساء على المغامرة في خلق مشاريع اقتصادية مدرة للدخل والتعامل مع المصاريف والقروض بفوائد مرتفعة خوفاً من الفشل.
 
التمكين الإقتصادي هو الحل  
ومن أجل تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للنساء لما لذلك من أثر إيجابي على مستوى عيش الأسرة، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، والنهوض الاجتماعي للبلاد بشكل عام، تقول خديجة والغازي أنه يمكن تعزيز قدرة المرأة على العمل، من خلال تسهيل الوصول إلى الخدمات الأساسية، ولا سيما التعليم والتدريب من خلال تطوير معارفهن ومهاراتهن في تأسيس مشاريع.
وتضيف "يجب تمكين المرأة من ناحية معرفة حقوقها والمطالبة بها، وتشجيعها على المشاركة في صنع القرار، ومن ناحية أخرى، من خلال إشراكها في عملية تكوين الثروة. وينبغي أن تقوم استراتيجية التنمية الاجتماعية هذه على استهداف أفضل لنقاط ضعف النساء الفقيرات التي تمنعهن من الوصول إلى سوق العمل وعوامل الإنتاج والخدمات الاجتماعية الأساسية".