مضافات جبل الدروز... من رمز للضيافة إلى مسرحٍ للمجازر

مضافات جبل الدروز في جنوب سوريا لطالما كانت عنواناً للكرم، تقدم فيها القهوة ويستقبل فيها الضيوف بوجه بشوش وقلبٍ مفتوح، لكنها في الآونة الأخيرة باتت مكان للاستهداف.

روشيل جونيور

السويداء ـ للمضافة في السويداء رمزية معينة ولربما هذا ما تسبب في استهدافها من قبل جهاديي هيئة تحرير الشام في تموز/يوليو الماضي، وارتكبت مجازر بحق من كانوا فيها كما حدث في مضافة آل بدر، حيث تغير المشهد كلياً بعد الاجتياح الدموي الذي شهدته المدينة. 

تحولت المضافة من رمز للضيافة إلى مسرحٍ للمجزرة، حيث سال الدم بدلاً من القهوة، وفاحت رائحة الموت بدلاً من طيب الهيل. في هذا المكان الذي كان يكرم فيه الضيف، أُهين فيه الإنسان، وقتل فيه الأبرياء، وارتكبت فيه انتهاكات لا تغتفر.

 

بداية الاجتياح 15 تموز

راما زين إحدى الناجيات تشهد من قلب الحدث، عما تعرض له المتواجدين في المضافة، وتروي أن أربعة عناصر بلباس ميداني أسود يحمل شعار وزارة الداخلية للحكومة المؤقتة اقتحموا المبنى الذي تقيم فيه، وأجبروا شباباً من العائلة على الركوع ووجهوا السلاح نحوهم. 

وبينت أن اثنان من العناصر توجهوا لتصوير مقطع تحت التهديد، يظهر فيه العناصر وكأنهم "يبسطون الأمن والأمان"، رغم أن المشهد الحقيقي كان مليئاً بالترهيب والإذلال.

 

المجزرة الكبرى 16 تموز

في اليوم التالي، كما تبين راما زين دخل أكثر من 30 مرتزقاً بلباس عسكري مموه، يحملون إشارات دينية وعصبات حمراء، معظمهم غير سوريين، واقتحموا المنزل الذي كانت فيه مع 14 امرأة و4 شباب، فانهالوا على الشباب بالضرب والشتم، وسرقوا هواتف النساء، ومصاغهن، ومبالغ مالية، وفتشوا محتويات الأجهزة قبل مصادرتها.

وأجبرت راما زين على النزول أولاً، وشاهدت أحد الضحايا يطلق عليه النار أمامها، ودمه يتطاير على قدميها، في مشهد لا ينسى.

 

تصوير بالإذلال

على الدرج، أُجبرت على التوقف لأن العناصر كانوا يصورون مقطعاً آخر، يظهر أحد الشبان بعد حلق شاربه، يجبر على ترديد عبارات مهينة مثل "عوي، أنبح، قاقي"، في مشهد يختصر حجم الإذلال الذي تعرض له المدنيون. وفي الطريق  كانت النيران تلتهم منزل الجيران، وتم إطلاق النار على شاب يدعى عمر، قبل أن يفجر منزله بالكامل. 

وأشارت راما زين إلى أن الشوارع كانت مليئة بالجثث، نحو سبع جثث على الطريق، قبل أن يحتجزوا في مقر تابع للهيئة داخل السويداء.

 

احتجاز داخل صالة أفراح

وتم احتجاز المجموعة داخل صالة أفراح مقسمة إلى ثلاثة أقسام، حيث تم استخدام الإضاءة بطريقة مهينة، تطفأ عن الرجال وتسلط على النساء فقط، وسط نظرات فاضحة ومضايقات مستمرة. 

وخلال أربع ساعات من الاحتجاز، تعرضوا لتحقيقات متكررة، ومحاضرات دينية متطرفة، واتهامات بالكفر، والدعوة لإبادة الطوائف الأخرى.

 

الانسحاب

وبينت راما زين أنه "في الساعة العاشرة مساءً، أُبلغ المحتجزون أن المهمة اكتملت وأن الفرقة 44 ستتولى أمرهم، لكن بعد نصف ساعة، وصل أمر بالانسحاب الكامل من السويداء"، لتبقى ومن معها في المكان حتى صباح 17 تموز حيث شاركت في تغطية الجثث المنتشرة من الشرطة العسكرية إلى دوار المشنقة وسوق الخضرة، وقدر عددها بـ نحو 70 جثة.

وصورت مقطع فيديو يوثق الجثث أمام المضافة، مشيرةً إلى وجود شخصين أحياء بين الجثث، تظاهرا بالموت وتكومت الجثث فوقهما، في مشهد يختصر حجم الرعب والدمار.

كما ذكرت راما زين أن الجثث كانت مشوهة بشكل مروع حتى بعد موت أصحابها، وأن المحلات التجارية أحرقت بالكامل، والتفجيرات طالت كل زاوية "الوضع كان مأساوياً إلى درجة لا يحتملها أي عقل بشري". 

تركت الهجمات الهمجية على الدروز آثاراً لا تمحى فالدمار لم يكن فقط مادياً، بل نفسياً وروحياً، حيث تحولت المدينة إلى مشهد لا يشبه الحياة، ولا يليق بالكرامة الإنسانية.