مبروكة خذير: لا أريد لعب دور المرأة الضحية ومعركتنا يومية ومستمرة لتحقيق ما نريد كنساء

أكدت الصحفية التونسية مبروكة خذير بأن معركة افتكاك الحقوق ليست سهلة وطريقها صعب، ولابد من النضال المستمر حتى تنهض المرأة فنهوضها نهضة شعبية ونجاح جماعي، قائلةً "الحقوق تفتك ولا تُهدى"

زهور المشرقي
تونس ـ .
مبروكة خذير صحفية تونسية وأكاديمية ومراسلة دولية، ورئيسة تحرير صحيفة "الصباح نيوز" حالياً تحدثت لوكالتنا وكالة أنباء المرأة في حوار عن التهديد الذي يحيط بمكاسب المرأة التونسية وعن أهمية تبوء النساء مراكز قيادية، ومهمة إنجاح مشروع المساواة في الميراث. 
 
لماذا ظلت المرأة التونسية بعيدة عن مراكز قيادة المؤسسات الأكاديمية والجامعية برغم أن الإحصائيات تقول إن 60% من عدد الطلبة في الجامعة التونسية من الفتيات؟ 
أن نسبة التمدرس في تونس مقارنة بالإناث في مختلف الدول العربية، مرتفعة، ويرجع ذلك إلى القيادات السياسية التي حكمت تونس بعد الاستقلال مباشرة والتي كانت مؤمنة بقيمة التعليم وبأنه عامل أساسي لتقدم المجتمع، وإجباري في دولة الاستقلال، لقد استثمرت تونس في التعليم لكنها لم تستثمر في المرأة القيادية التي يمكن أن تتبوأ مناصب متقدمة على مستوى المؤسسات الأكاديمية.  
فنجد نسبة النساء اللّواتي يشرفن على المؤسسات الجامعية ضعيفة مقارنة بالرجال، وهذا مؤسف لأن فيه إقصاءً للمرأة التونسية التي أثبتت كفاءتها في العديد من المجالات ومنها الأكاديمي، واليوم نتحدث عن المرأة التي تتميز بالكفاءة ولكن لم تكافئ بتقليدها مناصب بالمؤسسات الاكاديمية، وأعتقد أنها وصلت اليوم إلى مرحلة من الإبداع والقدرة العالية على التسيير ما يجعلها قادرة على تسيير المؤسسات الأكاديمية في إطار التطوير العلمي، وهناك إرادة سياسية غائبة هي السبب في عدم تصدّر المرأة مراكز القرار. 
ويحز في نفسي أن نجد في التغييرات الحكومية المتتالية منذ سنوات، إقصاءً ممنهجاً للمرأة تحت زعم "غياب الكفاءة النسوية" وهو مبرر تماماً للصواب، بينما تتحدث الأرقام عن إبداع المرأة وتميزها.
وهنا أستغرب من تصريحات بعض المسؤولين التونسيين بتقزيم كفاءة المرأة، إلا أني متأكدة من أنها ستُبدع وتثبت نجاعتها بما يضاهي نجاح الرجل أو يفوقه إذا مُنحت لها فرصة القيادة في أي مجال. 
 
كيف تصفون تجربتكم في المجال الأكاديمي؟
أدرس في معهد الصحافة وعلوم الإخبار، وتجربتي جاءت بعد عملي الميداني كصحفية ومصورة ومراسلة، تشبعت بروح الميدان التي ساعدتني في أن أكون أكاديمية، باعتبار أن مهنة المتاعب تتغذى من الميدان، وأن تجد أكاديمياً قادراً على أن يمزج بين روح العمل الصحفي الميداني والنظري فإنه شيء ممتاز وهو المثال الجيّد للطالب الذي سيتخرّج ويصبح صحفياً ميدانياً... وهنا أصف تجربتي بالثرية ففيها تكامل بين الجانبين النظري والتطبيقي، التي ساعدتني في تدريس مادة "الاستقصاء التلفزيوني"، وأثمن توجّه معهد الصحافة وعلوم الإخبار، وهو المعهد العمومي الوحيد المختص في تدريس الصحافة في تونس، في إقحام صحفي الميدان في التدريس، لأن ذلك من شأنه أن يعطي للطالب حافزاً تشجيعياً على التميّز والتعلّم.  
 
برأيكم ماهي خصوصيات المرأة العاملة في المجال الصحفي؟
لا توجد أية خصوصيات، فعمل المرأة في قطاع الصحافة لا يختلف عن عمل الصحفي لأن خصوصيات العمل الصحفي تتماشى مع الجنسين. فالصحفية لا بد أن تكون امرأة منفتحة على الرأي الآخر وتشعر بالمسؤولية الاجتماعية إضافة إلى العمل المستمر على تطوير مهاراتها.  
المرأة لا تختلف بأي شكل من الأشكال عن الرجل، ولا بد أن ننطلق من هذا المبدأ حتى ننجح في عملنا الصحفي، والصحفية عليها أن تكون امرأة مهنية في تعاطيها مع الأخبار والمضمون الإعلامي، وحريصة على كشف الحقيقة، ومتشبثة بأخلاق المهنة حتى نستطيع أن ننتج مضموناً إعلامياً ذا جودة عالية قادراً على الغوص في حقائق الأشياء. والصحفية لا بد أن تكون امرأة تشتغل بعيداً عن عقلية الوظيفة العمومية إزاء التعامل مع مهنة المتاعب لأن مهنتنا لا تقف عند حدود الوقت وتوقف الدوام اليومي، فرسالة نقل الأخبار لا تتوقّف أبداً، وعلينا مواكبة كل التطورات حتى ننجح في التماشي مع المتغيرات التي تطرأ على المعلومة، وقد أصبحنا اليوم نتحدث عن وسائل إعلام عصرية تقوم على الصورة والفيديو، والمطلوب من الصحفي أن يكون مهووساً بحب الاطلاع والرغبة في كشف المعلومة بما يفيد الناس.
 
مبروكة خذير الصحفية والجامعية الناقدة دائماً للمحتوى الإعلامي بعد الثورة، كيف تقيمون دور المرأة الصحفية في إيصال محتوى جيّد توعوي، وهل أنتم راضون عن حضور الصحفيات في وسائل الإعلام المرئية؟
نعم، أنا راضية كمّياً على حضور المرأة في وسائل الإعلام المرئية، ودورها أساسي جداً، وأعتقد أن بعض المؤسسات الإعلامية المرئية 80 % من طاقمها الصحفي من النساء، لذلك تتحمل المرأة مسؤولية المضمون الإعلامي المنتج والمقدّم، وهناك مؤسسات إعلامية بصدد تطوير مضمونها، ولكن يظل المنتج الإعلامي بتونس لا يتماشى مع منسوب الحرية الذي اكتسبناه بعد الثورة، ونظراً لوجود المرأة في الصفوف الأمامية فإنها تتحمل المسؤولية.
وبالرغم من وجودها في النسيج الصحفي الميداني للمؤسسات الإعلامية إلا أن حضورها يتفاوت بين الإعلام العمومي والخاص، لاسيما من حيث وجودها في مقدمة الشاشة.
وأعتقد أنه إذا كان منتوجناً الإعلامي ذا جودة عالية فإن المرأة تتحمل مسؤولية في ذلك وإذا كان العكس أيضاً فهي تتحمل أيضا المسؤولية. 
 
برنامجكم "في الموعد" لماذا لم ينل حظه في النجاح برغم المادة القيمة التي قدمتموها؟
كان البرنامج أولى تجاربي على المستوى الوطني وبالنظر إلى خصوصيته لم تكتمل التجربة ولم تدم طويلاً حيث كان يغوص في الملفات الاستقصائية وقضايا حارقة، وتوقف بسبب شح الإمكانيات الإنتاجية للتلفزيون الذي كان يعرضه، ولم يكن هناك انصهار لمنتوجنا الإعلامي من قبل المستشهرين على اعتباره ضمن صحافة الجودة، مقابل صحافة الإثارة التي طغت في السنوات الأخيرة والتي تحظى بكمّ من الإعلانات وما تدره من أموال.
 
مشروع المساواة في الميراث في تونس أثار الجدل، وظلّ معلقاً بين الرفض والقبول والتعديل، برأيكم أي مصير لهذا المشروع؟ 
بعد أن كنا نتحدث عن المساواة في الميراث في تونس كمكسب وحرب جديدة، عدنا نتحدث عن مكاسب قديمة وصرفنا النظر عن المساواة في الميراث.
المرأة موجودة جنباً إلى جنب مع الرجل وهي على حد السواء على مستوى الإنتاج والإنتاجية وهو ما يحتم علينا إعادة النظر في المساواة في الميراث. والمرأة خرجت إلى العمل وأصبحت تساهم في تكوين الثروة وهو ما يفرض النظر في المساواة في الميراث وهناك أبواب كثيرة للاجتهاد، ومن الشرعي جداً الحديث عن المساواة التامة لأن المرأة أصبحت شريكاً اقتصادياً واجتماعياً في حياة الأسرة والمجتمع ولكن للأسف أصبحنا غير قادرين على الخوض في هذه المسائل، بالنظر إلى أننا نخوض معارك عدم استقرار سياسي ومعارك المحافظة على المكاسب القديمة. 
 
أشرتم إلى أن مكاسب المرأة اليوم أصبحت مهدّدة، هل تعتبرون هذه المكاسب في خطر؟ 
أن الحرب اليوم من أجل حقوق المرأة ليست حرباً قانونية فقط ولا تعتمد على التشريعات لأن هناك قوانين متطورة، لكن هي حرب عقلية لا تزال تسيطر على المجتمع، والواقع أن هناك في المقابل نساءً لا يؤمنّ بالمساواة التامة مع الرجل، وهن بذلك يشكّلن خطر لمسار المساواة.
لم نعد نريد التطوير بل أصبحنا نسعى إلى الحفاظ على مكاسب المرأة القديمة في ظل صعود التيارات اليمينية، حيث أصبحت المرأة التونسية تتحدث فقط عن التشبث بمكتسبات قديمة بدل التطوير والتحسين وخلق مكاسب جديدة، وهنا أتحدث عن التيارات المتشددة التي تشكك في الحقوق والمساواة لا عن التيارات الدينية ذات الفكر التنويري.  
معركة افتكاك الحقوق ليست سهلة وطريقها صعب، لكنها مهمة تتطلب التضحية والنضال المستمر وعقلية منفتحة وحداثية من المرأة وكذلك الرجل الذي لابد أن يتقاسم الدور معها حتى تنهض الشعوب بنهوض نسائها. 
لا أريد أن ألعب دور المرأة الضحية في مجتمع ذكوري لأني مؤمنة بأن الحقوق تفتك ولا تُهدى من قبل السلطة والساسة، ومعركتنا في ذلك يومية حيث لا بدّ للمرأة أن تتجرأ وتخوض معاركها لكسب المناصب القيادية وتطوير أفكارها. إنني   أناضل من أجل أن أتموقع في مناصب قيادية، ونحتاج إلى أن نكون مؤمنات بذواتنا كطريق نحو التميز والنجاح.