معاناة متكررة تحت وطأة الرعب... جراح غزة لا تندمل

معاناة النساء في غزة تمثل حكاية صمود وتحدي في وجه الحروب والنزوح، فقصصهن مليئة بالصمود والعزم المطلق على تحسين ظروف حياتهن وأسرهن، رغم الجراح التي لا تلتئم والتحديات المتجددة.

نغم كراجة

غزة ـ تعد قصة بسمة شقورة انعكاس لمعاناة شعب بأكمله، شعب يتحدى الحروب والدمار، ويُصارع من أجل البقاء، حاملاً أملاً دفيناً في غدٍ أفضل.

 

رحلة النزوح بين الرعب والصمود

تروي بسمة شقورة، قصة تتجاوز حدود المأساة الشخصية، وتجسد معاناة شعبٍ بأكمله تحت وطأة حروب متكررة، ونزوح قسريٍ، وتحديات لا تنتهي، فمع دويّ صفارات الإنذار، إيذاناً ببدء جولة جديدة من القصف العشوائي، تُرغم هي وعائلتها، كغيرهم من المدنيين العُزل، على ترك منازلهم تحت وابل من الصواريخ والقذائف وزخات الرصاص.

وتصف مشهد النزوح قائلة "كانت لحظات عصيبة، تُمزق القلوب، اضطررنا للهرب من بيوتنا، نساءً وأطفالاً، نبحث عن أي ملجأ آمن، تاركين خلفنا كل ما نملك تحت رحمة القصف العشوائي، أما رجالنا، فقد اعتقلوا أمام أعيننا في مشهد مهين، جسّد غياب أدنى معايير الإنسانية"، موضحة أنه "لم تكن تلك المرة الأولى التي نُجبر فيها على النزوح، فقد تكرر هذا السيناريو المرعب مرات عديدة، وفي كل مرة، يتجدد مسلسل الإهانة، وتزداد الضغوطات النفسية، وتتفاقم التحديات أمامنا".

لم يكن الخوف من الموت هو الهاجس الوحيد الذي رافقها خلال رحلة النزوح، بل واجهت رعباً آخر يتمثل في القوات الإسرائيلية الذين يتربصون بهم من كل جانبٍ، دباباتهم تراقب كل حركة، وأسلحتهم الثقيلة جاهزة لإطلاق النار في أي لحظة، وتروي حادثة مؤلمة تعرضت لها إحدى قريباتها خلال رحلة النزوح "أصيبت إحدى قريباتي برصاصة، ولم نتمكن من إسعافها، خشية أن نقتل نحن أيضاً، كان الخوف يسيطر علينا، لم نكن نملك خيار سوى الهروب".

 

تحديات تتخطى حدود المعاناة

لم تتوقف معاناة بسمة شقورة عند حدود الرعب والنزوح، بل واجهت تحديات إضافية بسبب كونها امرأة في مجتمع يعاني من وطأة الحرب، فقد ألقى النزوح المتكرر على عاتقها مسؤوليات مضاعفة، من رعاية الأطفال، وتوفير احتياجاتهم الأساسية، في ظل ظروف قاسية، ونقص حاد في الموارد.

وتُسلط تجربتها المريرة الضوء على انتهاكات صارخة لحقوق المرأة الدولية والإنسانية في ظل الحرب، فالحق في الحياة والأمن، والسكن والصحة والتعليم، كلها حقوق مُنتهكة بشكلٍ ممنهج في غزة، وخاصة بالنسبة للنساء اللواتي تُشكلن شريحة واسعة من الفئات الأكثر ضعفاً وتضرراً.

وقالت "واجهت صعوبات كبيرة ومواقف محرجة عندما حاولت تأمين القوت اليومي لأسرتي، وتفاقمت معاناتي بسبب سياسة التمييز والتفضيل في توزيع المعونات، حيث كنت أجد نفسي في منافسة محتدمة مع الأقارب والمعارف الذين كانوا يتلقون الأولوية والتفضيل، في كل مرة أتعرض لهذا الموقف تصيبني نوبة بكاء شديدة، لم أصدق أن يهينني أحد من أجل وجبة طعام".

 

"ورقة وقلم"... مبادرة تعليمية تحت القصف

بعد أن فقدت بسمة شقورة منزلها، ووجدت نفسها في مخيم لجوء يفتقر لأبسط الإمكانيات قررت الاستفادة من هذه الظروف القاسية للمساهمة في تغيير حياة الآخرين، وأطلقت مبادرة إنسانية تحت اسم "ورقة وقلم"، بهدف تعليم الأطفال النازحين الذين تضرروا في ظل غياب المدارس والفرص التعليمية بسبب الحرب المستمرة في القطاع.

ومن خلال جهودها المتواصلة وإصرارها الشديد، نجحت في تأمين مساحة تعليمية مؤقتة في إحدى الخيام "بدأت بتدريس الأطفال القراءة والكتابة والرياضيات، بالإضافة إلى تقديم دروس تثقيفية حول مواضيع متنوعة تهم حياتهم اليومية، محاولة للتخفيف من حدة الأوضاع المأساوية التي نعيشها".

وقالت "نحن شعب اعتاد على الحياة تحت وطأة الحروب المتكررة، وعلى مرارة النزوح، لكن جراحنا لا تندمل، كل تجربة نزوح تُخلّف ندوباً نفسية عميقة، وتُذكرنا بفداحة ما فقدناه، وتُعمق شعورنا بالظلم والقهر".