معاناة مضاعفة تعيشها الصحفيات الأمهات في إدلب
تعيش الصحافيات واقعاً صعباً وتناضلن، لإثبات ذواتهن وإطلاق العنان لحرية الفكر والتعبير والاستمرار في تحقيق ما تطمحن للوصول إليه، رغم كل الصعوبات التي تعيق طريقهن.
هديل العمر
إدلب ـ استطاعت الصحفيات والعاملات في المجال الإعلامي بإدلب تجاوز عدة صعوبات، أبرزها كسر العادات والتقاليد والخوض في أصعب المهن ضمن بيئة معقدة، غير أنها ما زالت تكابد عقبات التوفيق بين عملها والعناية بأسرتها.
فرحة يشوبها غصة مواجهة تحدي جديد أضيف إلى مجموعة ما تواجهه الصحافية هلا الشيخ أحمد، من تحديات أثناء تأدية عملها وواجباتها الصحفية، والتوفيق بينها وبين الاهتمام بعائلتها بعد أن رزقت بمولود جديد بات يقاسمها ساعات عملها الطويلة.
تقول هلا الشيخ أحمد إنها لا تعطي أبنائها حقهم من الرعاية والحنان مهما حاولت، نتيجة ضغوطات العمل وظروفه الصعبة وبيئته الشاقة، فهي تعمل لساعات طويلة في اليوم لتنجز المهام الموكلة إليها كمراسلة لإحدى المواقع الإلكترونية، مشيرةً إلى أن صعوبة عمل الصحفية أو المراسلة تكمن بعدم وجود أوقات عمل محددة، إذ أنها تضطر للابتعاد عن أطفالها لأكثر من ثمان ساعات أحياناً بعيداً عن منزلها، ما يجبرها على تأدية عملها على حساب تربية أطفالها الذين يبقون لوحدهم أو مع والدهم أثناء فترة غيابها الطويلة عن المنزل.
وأشارت إلى أنها تواجه صعوبة التوفيق بين رعاية أطفالها وتأدية عملها الصحفي، خاصةً مع وجود مولود جديد بحاجة لاهتمام مضاعف، ما شكل لها معاناة أخرى وسط ظروف العمل السيئة والصعبة والمحفوفة بالمخاطر وكثيراً ما تجبر لإلغاء مواعيد عملها نتيجة عدم وجود أشخاص أو أقرباء يمكن أن يعتنوا بأطفالها أثناء غيابها عنهم، خاصةً وأن مهنة زوجها الموظف بإحدى منظمات المجتمع المدني لا تمكنهما من تقاسم الأدوار نتيجة التزامه بدوام ثابت.
سلوى المحمد مراسلة لإحدى المجلات العربية وصفت عملها بـ "المتعب" إذ يتوجب عليها محاولة الجمع بين أداء المهام الصحافية الصعبة والاهتمام بأطفالها، وترى أنه لا يمكن النجاح بكلا الطرفين، إذ لا بد من النجاح في إحدى المهام على حساب المهام الأخرى.
عودة سلوى المحمد إلى منزلها لا يعني بالضرورة قضاء ما تبقى من وقتها مع أطفالها، نتيجة التعب والإنهاك الذي تتعرض له بعد يوم شاق من العمل والسفر والتنقل من جهة، وانتقال عملها للكتابة على الكمبيوتر وإرسال ما جمعته طوال اليوم من معلومات ومداخلات وصور من جهة أخرى، وهو ما يحرمها حقها في تربية أطفالها ورعايتهم بالشكل الأمثل خاصةً وأن أعمار أطفالها الصغيرة يتطلب وجودها بجانبهم والاهتمام بهم "منذ اختياري لهذه المهنة كنت أعرف أن الطريق صعب وطويل، خاصةً في مجتمع محافظ ومسؤوليات أسرية مضاعفة".
ولا تخفي محاولاتها العديدة من أجل موازنة عملها مع واجبها كأم، إلا أنها لم تستطع نتيجة ضغوطات العمل الذي يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين على حساب أطفالها وأمومتها وتقول "ينتابني الحزن والبكاء، حين أجد نفسي مقصرة في منح أطفالي حقهم في بقائي المستمر بجانبهم، خاصةً حين أجد أحدهم يشكو الجوع لعدم وجود من يطعمه أو متسخ الملابس أو يعاني من وعكة صحية".
وأوضحت أنه لا يوجد إجازات أمومة ولا حتى إجازات كافية للبقاء فترة من الزمن مع الأولاد وقضاء عطلة طويلة بقربهم "انقطاعي عن العمل تحت أي ظرف يعتبر خسارة لعملي وهو ما أحاول تجنبه، فاليوم لا يمكن أن يجد الشخص عملا بسهولة وسط ما نعانيه من ضيق العيش وقلة الفرص".
من جهتها تضطر سهير العبدو وهي صحفية تعمل لدى وسائل إعلامية محلية، لقطع مسافة طويلة بشكل يومي لوضع أطفالها عند إحدى قريباتها، قبل أن تنطلق للقيام بعملها نتيجة عدم وجود خيارات متاحة أمامها وتقول " إن فترة غيابها عن أطفالها تشعرها بحجم التفكك الأسري الذي تعيشه أسرتها، وهو ما دفعها لرفض عروض عمل عديدة تحتاج إلى الالتزام بوقت ودوام إداري، إذ أن عملها كمراسلة "فري لانسر" لا يتطلب وقتاً معيناً، لكن يجبرها على الانفصال عن أطفالها لفترات طويلة".
ولفتت إلى أنها تعاني من ضغوطات نفسية وحالة من الحزن واكتئاب نتيجة شعورها بالتقصير تجاه أبنائها وواجباتها المنزلية، مؤكدة أن المسؤولية تكون على الصحفية مضاعفة وتجعلها ضمن خيارات ضيقة تجبرها في بعض الأحيان للتخلي عن مهنتها، من أجل التفرغ لتربية أطفالها والاهتمام بعائلتها.
بدورها دعت المرشدة النفسية والاجتماعية علا الزوادي إلى ضرورة تفهم الوسائل الإعلامية الأوضاع التي تعيشها الصحفية، ومحاولة تخفيف ضغط العمل عليها، ومنحها إجازات شهرية لمتابعة أطفالها وقضاء بعض الوقت بجانبهم "إن عمل الصحفية بهذه الظروف الأسرية قد يسبب لها مشاكل نفسية واجتماعية وعائلية عديدة كالطلاق والتفكك الأسري، أو انحراف الأطفال وتأخرهم فكرياً وشعورهم بالإهمال وقلة الرعاية نتيجة عدم حصولهم على بيئة أسرية طبيعية".
وأكدت أن الصعوبات في وجه الصحافيات لا تقتصر على تحدي العادات والتقاليد ومحاولة القيام بجميع المهام الأسرية دون تقصير، وإنما يعد الانفلات الأمني، والقصف المتكرر، والمضايقات من عناصر تابعة لفصائل معينة، إضافة إلى الكثير من الأشياء اللوجستية الغير متوفرة من الأمور التي تقف عائقاً أمامهن، مشددةً على أهمية تمكين العاملات في مجال الإعلام والتعاون معهن في نقل الحقائق والمعلومات، وإيجاد آلية لتحديد المشاكل المتعلقة بمهامهن والعمل على حلها.