معاناة ضحايا الألغام في مدينة تعز اليمنية

لم تكن الحرب خيار دليلة محمد مقبل وغيرها الكثير من النساء لكنهن دفعن ثمن باهظ لها، فأعداد الضحايا من النساء كبيرة، وبعد أن تتعرض المرأة في هذه المدينة للإعاقة بسبب الحرب تتعرض للإهمال أيضاً.

رانيا عبد الله

اليمن ـ "نحن ضحايا الحرب من سيشعر بمعاناتنا" هذا ما قالته دليلة محمد مقبل واحدة من ضحايا الألغام في مدينة تعز، فقدت أطرافها جراء انفجار لغم أرضي أمام منزلها بداية عام 2018.

تقول دليلة محمد مقبل (30) عاماً من قرية الشقب أحد أرياف مدينة تعز جنوب غرب اليمن "قبل زفافي بيوم بترت أطرافي بسبب لغم أرضي داسته قدمي أمام منزلنا، وبترت أطراف ابنة عمي أثناء محاولتها إنقاذي"، وبنبرة حزينة تتساءل "نحن ضحايا هذه الحرب من سيشعر بمعاناتنا".

لم تستسلم دليلة مقبل للإعاقة ولم تتوقف الحياة عند ذلك، بل مارست حياتها وبدأت من حيث انتهى زارعو الألغام "صحيح أني أمارس حياتي بصعوبة بالغة بعد أن فقدت أطرافي، لكني لم استسلم للإعاقة، وافتتحت مشروع خاص بي "كشك" حتى لا أحتاج لأحد واعتمد على نفسي".

في مدينة محاصرة منذ 8 سنوات وتشهد حرب مستمرة لم تحصل دليلة مقبل على أطراف صناعية بسهولة وعندما سنحت لها الفرصة بالحصول على أطراف تُلفت ولم تتمكن من إيجاد بديل لها "تكفلت إحدى المنظمات بسفري وتركيب أطراف صناعية لكنها تُلفت، ثم حصلت على أطراف أخرى واستخدمتها وبعد ذلك تعرض الطرف الأيسر للكسر مما تسبب ذلك في زيادة معاناتي، لذلك لجأت لاستخدام أطراف صناعية غير مناسبة لي وثقيلة جداً تسببت لي بانزلاق في العمود الفقري".

 

ضحايا الألغام نساء وأطفال

بلغ عدد ضحايا الألغام الأرضية بحسب التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الانسان (تحالف رصد) منذ نيسان/أبريل 2015 حتى آذار/مارس 2022، (549) قتيلاً بينهم 92 طفلاً و49 امرأة، و33 مسناً، بينما بلغ عدد الضحايا نحو 824 جريحاً بينهم 155 طفلاً و51 امرأة و38 مسناً.

تحمل دليلة مقبل هم حصولها على أطراف جديدة تمكنها من ممارسة حياتها بشكل طبيعي "حصولي على أطراف صناعية تسبب لي بأرق وقلق، فكيف يمكنني الحصول على أطراف جديدة وعبر أي جهة، لقد بحثت كثيراً عبر جهات للتكفل بالأطراف الصناعية الجديدة لكنني للأسف لم أجد، أخاف جداً من فكرة العودة للكرسي المتحرك".

 

الألغام أكثر فتكاً

ترى الناشطة الحقوقية أنسية الحمزي أن الحوثيين ارتكبوا جرائم كبيرة بحق المدنيين في مدينة تعز، وتم قصف المدنيين وأكثر الضحايا هم من النساء والأطفال.

وأضافت "الأكثر صعوبةً هي ما تفعله هذه الجماعة بعد انسحابها من الأماكن التي كانت تسيطر عليها، بزراعة الألغام والتي تعتبر جريمة إنسانية كبيرة".

وأوضحت "بعد معاناة طويلة من التهجير والنزوح تعود الأسر لبيوتها، لكن الألغام تتربص بالمدنيين في قراهم وبيوتهم وأرضهم، فقد انتزعت الألغام أرواح عدد من النساء والأطفال وبترت وشوهت أعداد أكبر"، مؤكدة أن ما تحصده الألغام كل يوم من الأرواح أخطر بكثير مما تحصده الدبابة والمدافع.

ودعت أنيسة الحمزي كل المنظمات الحقوقية والإنسانية إلى التدخل لإزالة الألغام قبل عودة المدنيين لبيوتهم للتخفيف من عدد الضحايا الذين يموتون أو يصيبوا بتشوهات بسبب الألغام.

 

أثار نفسية عميقة

حاولت دليلة مقبل أن تواجه قدرها، وتتغلب على القهر الذي يرافقها كلما شعرت بالعجز، إلا أن ابنة عمها استسلمت وتأثرت نفسيتها ولا زالت حتى اللحظة تصارع آلماها.

 

 

وقالت الأخصائية النفسية ريم العبسي "هناك اضطراب يصاحب النساء الجريحات يسمى (اضطراب تشوه صورة الجسم) وتقضي المريضة عادة ساعات طويلة يومياً في القلق بشأن إعاقتها والتي تنطوي على أي جزء من الجسم".

وأضافت "أن حدوث أي زيادة أو نقصان قد تؤثر على صورة وشكل الجسم لدى المرأة ويسبب لها اضطراباً قد يصل إلى الشعور بالإحباط والاكتئاب، ويتضاعف ويكبر هذا الشعور إذا كانت حالة بتر في أحد أطرافها".

 

أهمية الدعم الاجتماعي

وأوضحت أن هناك آثار وأعراض تؤثر على نفسية المرأة كـ "الاكتئاب الشديد، شعور بالعار، اضطراب النوم واضطراب الشهية، مقارنة مظهرها بالأخرين، الانطواء والانعزال وتفادي المناسبات الاجتماعية التي تولد الشعور بالنقص، اضطراب الوسواس القهري، والتفكير المفرط حول تشوه المظهر، انخفاض الأداء الوظيفي والأسري".

وترى ريم العبسي أنه لابد من الاستعانة بطبيب وأخصائي نفسي لعلاج الحالة، مع أهمية الدعم الاجتماعي، وخاصة من قبل الأسرة، والأقرباء.