معاناة النساء محصورة بين القيود الاجتماعية والمعتقلات
تعيش نساء ريف حلب بسوريا واقعاً مريراً تتعرضن فيه لكل أنواع القهر والمعاناة، فبعد أن فقدن منازلهن وهجرن من مدنهن اضطررن لمواجهة ويلات النزوح وفقدان الأمان والاستقرار والاعتقالات التعسفية من قبل الفصائل المسلحة، مما يجعل حقها في الأمان أمراً بعيد المنال.
غفران الهبص
حلب ـ تواجه النساء في ريف حلب وإدلب بسوريا تحديات تتعلق بحرياتهن الشخصية وحياتهن اليومية في ظل القوانين الصارمة المفروضة من الفصائل المسلحة التي تقوم باعتقالهن لمجرد خروجهن إلى الأماكن العامة دون ولي أمر، أو مشاركتهن في الاعتصامات المطالبة بالإفراج عن ذويهن، مما يزيد من وطأة معاناتهن ويجعل من مطالبتهن بالعدالة مصدر تهديد لحياتهن وحرياتهن.
بات كلاً من ريف حلب وإدلب مليئة بالتحديات التي تواجهها المرأة إلى جانب الانتهاكات في ظل أنظمة قمعية تسلبهن حريتهن دون مبرر قانوني أو أخلاقي، حيث قالت زهراء العلي البالغة من العمر نحو 35عاماً وهي ترتدي ما يسمى "النقاب" في لقاءها مع وكالتنا خوفاً من أن تتعرض لأي تحقيق أو احتجاز، إن "إحدى صديقاتي مثال على الفتاة المثابرة التي تسعى دائماً للتفوق في دراستها رغم الظروف الصعبة التي نعيشها، في أحد الأيام خرجت إلى الحديقة العامة مع زميل لها في الجامعي لتبادل الملاحظات الدراسية والتحضير للامتحانات".
وأضافت أنه "كان لقاءً لم يتجاوز حدود الدراسة والنقاش الأكاديمي، لكن فجأة اقترب منهم بعض العناصر المسلحة التابعة للفصيل المسيطر على المنطقة، لقد كانت أعينهم مليئة بالشكوك والتهم، سرعان ما اقتادوها حتى دون سماع أي توضيح منها، ليتم اعتقالها لمجرد أنها جلست مع زميل لها في مكان عام ولم تكن برفقة ولي أمر لها، وكأن وجودها في الحديقة فقط لممارسة حقها في التعليم أصبح جرماً يجب أن تعاقب عليه".
ولفتت إلى أن صديقتها تعرضت للإساءة اللفظية وعنفي نفسي خلال احتجازها، عُملت على أنها ارتكبت خطيئة كبيرة ولم يكن هناك أي اعتبار لحقيقتها أو نواياها، بل تم الحكم عليها من خلال نظرة ضيقة تفرض قيوداً خانقة على النساء في هذه المناطق، مؤكدةً أن هذا الاعتقال لم يؤثر فقط عليها نفسياً وجسدياً، بل تجاوز ذلك ليطال أسرتها التي تحملت عبء نظرات المجتمع المليئة بالانتقاد.
وقالت إن "الجميع بدأ يتحدث عنها وكأنها ارتكبت ذنباً لا يُغتفر، والنظرات التي كانت توجه لها ولأسرتها كانت قاسية وأصبحوا منبوذين في مجتمعهم، كان ذنبها أنها كانت تحاول التطوير من ذاتها في الدراسة والتفوق فيها".
وأضافت زهراء العلي "الآثار النفسية التي تركتها هذه الحادثة على صديقتي كانت عميقة حيث فقدت ثقتها بنفسها وشعرت وكأن مستقبلها قد دُمّر بلا مبرر، وأصبحت أسرتها تعيش تحت وطأة الشعور بالعار، رغم أن لا شيء مما حدث كان يستحق ذلك، إلا أنه في مجتمعاتنا مثل هذه الحوادث تخلف آثار تلاحق العوائل لفترة طويلة ولا يمكن محوها بسهولة، هذا الموقف كان درساً قاسياً لنا جميعاً حول كيف يمكن لأبسط الأمور أن تتحول إلى مأساة في ظل الظروف التي نعيشها، حيث تُقيد الحريات وتتحول الأماكن العامة إلى مناطق خطر على النساء".
قصة صديقة زهراء العلي ليست الوحيدة، فقد تعرضت الناشطات والمعتصمات اللواتي رفعن أصواتهن للمطالبة بحقوقهن للعنف، منهن فتاة شاركت المطالبة في الإفراج عن أزواجهن وأولادهن من سجون الفصائل المسلحة في المنطقة، "ذات يوم وقفت الفتاة في الصفوف الأمامية للمعتصمات، تحمل لافتة مكتوب عليها "الحرية لأزواجنا وأبنائنا" كانت تشعر بالقلق لكن الحماس كان يملأ قلبها وفي تلك اللحظة المشؤومة، بينما كانت تهتف مع الأخريات، انطلقت سيارة مسرعة في اتجاههن، صرخ الحشد في خوف، لكنها لم تتمكن من الحركة في الوقت المناسب وسقطت على الأرض، تلك اللحظة غيرت حياتها إلى الأبد".
وقالت إنها نُقلت إلى المستشفى، حيث كانت تشعر بالذعر والخوف ولم يكن الألم الجسدي يؤرقها مقارنة بقلقها من المستقبل المجهول والخوف من أن تُلقى في غياهب السجون كما حدث لغيرها، مضيفةً أنها خلال فترة تعافيها استمرت أصداء ذلك اليوم تلاحقها، وعندما تجمعت النساء حولها تتبادلن الأحاديث كان القلق يسيطر على نقاشاتهن حول كيف يمكنهن الاستمرار في النضال في ظل هذه أجواء يسيطر عليها العنف والخوف.
وأوضحت أنه "على الرغم بكل ما مرت به قررت ألا تتراجع وأن تكون صوتاً لمن لا صوت له، فبدأت بكتابة قصص النساء المعتقلات ورواياتهن، استخدمت قلمها لتسلط الضوء على قضاياهن، في محاولة منها لإسماع العالم أصواتهن، لكن الخوف كان دائماً رفيق طريقها فضلاً عن شعورها بأنها مراقبة من قبل الفصائل المسلحة، فلم يكن الأمر مجرد خوف من الاعتقال فقط بل من فقدان الأمل الذي تدافع عنه، إلا أنها كانت مستعدة لمواجهة كل التحديات ومع كل كلمة تكتبها كانت تأمل أن ترسم طريقاً نحو الحرية، وأن تعيد للنساء في بلدها الأمل في غدٍ أفضل".
كما أكدت زهراء العلي أن "الفصائل المسلحة هي العامل المسبب الأكبر في رفع صوت النساء فقد عملوا على قمع أصواتهن ومنعهن من التعبير عن ذاتهن، متسترين بالدين والتقاليد، فعندما تحاول النساء التحدث أو المطالبة بحقوقهن تُواجهن الاتهامات والتهديدات حيث تُمنعن من الخروج والمشاركة في الحياة العامة، وكأنهن ارتكبن ذنباً لمجرد رفع أصواتهن".
وأضافت أن هذا التقييد لا يتوقف عند حد معين، بل يتجاوز ذلك إلى خرق خصوصياتهن حيث يتم التحقيق معهن بطريقة غير إنسانية، وتتعرضن للاستجواب مما يُشعرهن بالعجز والانكسار والأسوأ من ذلك هو كيف يُستخدم الدين كذريعة لإبقاء النساء في الظل، وكأن حقوقهن تعارض قيم المجتمع ولكن في الحقيقة، مؤكدةً أنه لا يمكنهم إسكات صوت المرأة وأن كل اعتداء على حرية النساء سيدفعهن إلى المزيد من المقاومة والتمسك بحقوقهن، لأنها حق طبيعي لا يمكن تجريده منهن، "لن نتوقف عن المطالبة بما هو لنا، وسنستمر في مواجهة كل أشكال القمع".
وحول حقوق النساء أشارت زهراء العلي أنها جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، ويجب أن تكون محمية بشكل فعّال لضمان عدم تعرض النساء للاعتقال أو العنف، كما يجب أن تكون هناك تشريعات واضحة وصارمة تحميهن، بالإضافة إلى توفير دورات توعوية للمجتمع حول حقوق النساء وضرورة احترامها كما يجب إنشاء مراكز دعم نفسية وقانونية للنساء اللواتي تعرضن للعنف.
وتابعت أنه "ينبغي على المنظمات المحلية والدولية أن تعمل على وضع آليات رصد وتقييم لحماية حقوق النساء، بما في ذلك إنشاء خطوط ساخنة لتقديم البلاغات بسرية ونحتاج أيضاً إلى دعم القيادات النسائية في المجتمع وتعزيز دورهن في اتخاذ القرار، لأنهن الأنسب في فهم احتياجات النساء ومشاكلهن".
وقالت زهراء العلي في ختام حديثها "بالنسبة لمستقبل بلادي، أرى أن الشباب والنساء يمتلكون القدرة على إحداث تغيير حقيقي، وإذا استطعنا بناء مجتمع يحترم حقوق الجميع فسيمكننا تجاوز الماضي الأليم والظلم، وأحلم ببلدٍ يزدهر فيه كل فرد حيث تعيش النساء بكرامة وأمان وتتمكنّ من المساهمة في بناء بلادهن بلا خوف، في ذلك اليوم ستحقق النساء ما تسعين إليه".