عمالة الأطفال وجه آخر للحرب في اليمن

في ظل الحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من تسع سنوات والتي خلفت العديد من الآثار السلبية على المجتمع، منها ازدياد عمالة الأطفال في ظل الوضع الاقتصادي المتردي.

رانيا عبدالله

 اليمن ـ الوضع المعيشي المتردي للأسر في ظل الحرب المستمرة، جعل الأطفال يعيشون أدوار أكبر من أعمارهم، وأصبحوا يحملون هم توفير لقمة العيش، ومصاريفهم التي من المفترض أن توفر لهم دون أي تدخل منهم أو تفكير في توفيرها.

"بسبب الحرب خسر والدي مشروعه، وأصبحنا بلا عمل وبسبب الحاجة قررت أن أساعد والدي لتوفير مصاريفنا واحتياجات البيت" بهذه الكلمات وصفت الطفلة أفنان مراد وضع والدها وقرارها الصغير الكبير بذات الوقت لتقف بجانب والدها، تاركةً حياة الطفولة وراء ظهرها.

11 ربيعاً هو عمر الطفلة أفنان مراد التي تقطن مع والديها في مدينة تعز جنوب غرب اليمن، تذهب كل صباح إلى مدرستها، ثم تعود لتقف حتى نهاية اليوم في كشك الفلافل الذي افتتحته لتساهم في تأمين مصدر رزق في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه أسرتها، وتقول "الحرب دهورت حالنا فاضطررت للخروج إلى العمل، حتى نستطيع العيش بشكل أفضل، وتركت اهتماماتي الأخرى".

تمنت أفنان مراد أن تتحسن أوضاع أسرتها لتعود وتمارس حياتها الطبيعية في اللعب والدراسة ولا شيء سواهما.

وتقدر منظمة العمل الدولية أن هناك 152 مليون طفل يعملون حول العالم، 73 مليون منهم يزاولون أعمالاً خطرة، وبحسب الأمم المتحدة فأنه في العام 2020، شارك طفل واحد من بين كل 10 أطفال بعمر 5 سنوات وأكثر في عمالة الأطفال في جميع أنحاء العالم، بما يعادل 160 مليون طفل، أي 63 مليون فتاة و97 مليون فتى.

علاء محمد (اسم مستعار) صادفناه في أحد أسواق المدينة ولم نتمكن من مقابلة والدته لأخذ الموافقة منها للتصوير معه، كان يحمل ميزاناً متجولاً ويعرض على المارين في الشارع الميزان لوزن أنفسهم بمقابل 200 ريال، ويظل هكذا حتى نهاية اليوم ليعود إلى المنزل بمبلغ 1400 ريال ما يعادل واحد دولار أمريكي، وتزيد بعض الأيام، وقال إنه اضطر لترك المدرسة، بعد عجز والده عن توفير حياة معيشية له ولأخوته وتركهم دون أن تعلم والدته أين اختفى وما هو مصيره.

الطفل علاء محمد الذي لا يتعدى عمره عشر سنوات، يقضي أغلب وقته في السوق باحثاً عن مصدر دخل لعائلته، ليعود حاملاً في المساء بعض احتياجات المنزل التي تسد رمقهم على حد قوله.

وقد بلغ عدد البائعين المتجولين من الأطفال في ثلاث مديريات بمدينة تعز للعام 2023 قرابة 200 طفل تتراوح أعمارهم بين 8 و16سنة، بحسب مؤسسة مسارات للتنمية الإنسانية بتعز.

وأوضحت مديرة البرامج في مؤسسة مسارات للتنمية الإنسانية بتغز أروى الشرعبي أن عدد الأطفال الذين يعملون في سن مبكرة أكبر من العدد الذي تم رصده "المسح الميداني الذي قمنا به استهدف الأطفال من الباعة المتجولين فقط في ثلاث مديريات ولم يشمل المسح بقية مديريات المدينة، ولم يشمل أيضاً بقية الأماكن التي يعمل بها الأطفال كالمطاعم والمحلات والورش، وغيرها من المحلات، فالحرب ضاعفت عدد الأطفال الذين يحملون المسؤولية في سن مبكرة سواءً من الذكور أو الاناث".

وأكدت أنه "لابد من ايجاد حلول جادة لتوفير مصدر دخل ثابت لهذه الأسر، لتحسين وضع الأطفال للالتحاق بالمدارس وعيش حياة طبيعية، فالجهات المعنية لم تقم بدورها الحقيقي".

 

الواقع المتردي

وبدورها قالت المستشارة الأسرية الدكتورة ألطاف الأهدل بأن "الواقع الاقتصادي الذي يعيشه الأطفال اليوم فرض عليهم مساعدة ذويهم سواءً كان ذلك عن رغبة في المساعدة أو خوف من الجوع والتشرد أو إدراك للوضع المعيشي للأسرة في حال اكتفوا بأن يلعبوا دورهم الحقيقي كأطفال فقط".

وأضافت "هناك ظروف أكبر وأحداث أقسى تمثلت في غياب أحد الوالدين أو كلاهما بالموت أو الانفصال أو العجز عن لعب الدور الفعلي لهما في نطاق الأسرة أو لظروف ذات خصوصية، اضطر هؤلاء الأطفال للخروج والبحث عن عمل ضمن واقع اجتماعي يعجز عن توفير فرص عمل للكبار، فكيف بالصغار الذين لا يحملون أي مؤهلات ولا يمتلكون أي قدرات أو مهارات تساعدهم في الحصول على فرص عمل جيده ولائقة بهم".

وبينت أنه "رغم اهتمام العديد من منظمات المجتمع المدني بالواقع الاجتماعي للأطفال إلا أنها عجزت عن الحد من عمالة الأطفال واكتفت بالتدريب حول رصدها وتصنيفها وإحالتها إلى الجهات المتخصصة بالخدمات الأساسية للأطفال وابقاؤهم ضمن الإطار الروتيني للمجتمع".