ليلى والذئب... قصة معظم الباحثات عن عمل

طال عمر استغلال النساء في أماكن العمل وتعددت أشكاله، لتقع المرأة حائرة بين الحاجة والاستقلال المادي وتحقيق الذات

أماني المانع
دمشق ـ ، إلى أن وصلنا للحد الذي يجعل المرأة تذعن للمستغل أو تتغاضى وتتحمل فقد فقدت البدائل. 
الاستغلال كالأخطبوط الذي امتدت أذرعه في كافة مجالات العمل متمثلا بالعمل بأجر أقل، أو تحت التجربة بدون عقد، أو لساعات إضافية دون تعويض، كذلك التوظيف عن طريق المحسوبية مما قادنا (للعمالة الجامعية) فقد أثرت بشكل كبير على فرصة حصول الخريجات على عمل، ناهيك عن انتشار تشغيل القاصرات خاصة في مجال التسويق وعرض المنتجات داخل البيوت مما يعرضهن للتحرش والخطر.   
السيدة (أ. خ) خريجة معهد تجاري، امرأة مطلقة وأم لطفلين، نزحت إلى دمشق منذ خمس سنوات، حدثتنا عن تجربتها بالعمل بعد رحلة بحث طويلة، وسلسلة من الوعود الكاذبة والإعلانات المخادعة. عملت في إحدى المؤسسات التي كان صاحبها يستقطب النساء المطلقات اللاتي يبحثن عن مصدر للعيش من باب إيهامهن بالمشاعر تارة أو الوقوف إلى جانبهن لتأمين متطلبات أسرهن تارة أخرى.
صاحب العمل يرسلهن للعمل ساعات طويلة وفي أماكن بعيدة كالمعارض والبازارات كمراسلات أو مسوقات ومندوبات بعد إغرائهن بالمقابل المادي ووعود بتأمين وسيلة النقل التي تقلهن في طريق العودة لمنازلهن في حال تأخر الوقت، ليتفاجأن عند العودة بكلمته "دبري حالك بالرجعة مع أي سيارة"، وليعانين بعد الانتهاء من العمل من مماطلته بدفع مستحقاتهن وبإذلالهن حين دفعها خاصة حين لا يخضعن لابتزازه، كما فعلت هي حين تركت العمل دون أن تحصل على مستحقاتها، وبعد سؤالها لماذا لم تقدمن شكوى؟ أجابت أن الخوف يجمعهن فهناك من تخاف من الفضيحة في مجتمع يرى المرأة مخطئة ويلبسها ثوب الرذيلة وإن لم تفعلها، وهناك من تخاف من نشره لمحادثة عاطفية بينها وبينه بعد أن صدقت مشاعره المزيفة، "منّا من تعرف أن صوتنا لن يصل وأنه سيخرج منها مثل الشعرة من العجين ولن ننال إلا الفضيحة".  
الشابة (س. ع) عزباء، تبلغ من العمر ٢٤ سنة لم تكمل دراستها بعد المرحلة الثانوية، روت تفاصيل محزنة تعرضت لها خلال عملها في المطاعم ومحال الألبسة من شتم من أصحاب العمل، وعدم تقيد بالوقت المحدد، والمهام المطلوبة منها لتصل أحيانا لمعاملتها كخادمة، مع التعرض للمضايقات من قبل الزبائن الرجال والنساء، والتحرش اللفظي والجسدي. وعن ردة فعلها قالت إنها كانت تتغاضى عن زيادة ساعات الدوام، ونقص الراتب عن المتفق عليه بسبب حاجتها للمال، كما تتجاهل إيحاءات وألفاظ بعض الزبائن وترد على البعض الآخر بطريقة محترمة، وإن تطاول فإنها تعرف كيف تضع له حداً كما تقول وهو الأمر الذي جعل أحدهم يطردها من عملها لأنه يرى أن مصلحته مع الزبون أهم من كل هذا الهراء (كما وصفه). وفي نهاية حديثها تمنت أن يصبح لديها عملها الخاص كي لا يتحكم في لقمة عيشها أحد.   
غيداء شاهين فتاة تتمتع بالنشاط والإصرار وحب العمل وعزة النفس والكرامة، قصدت مدينة دمشق قادمة من طرطوس رغبة بتحقيق ذاتها وأحلامها، عملت في الإعلام والإعلان ودور النشر، طرقت أبواباً عدة باحثة عن عمل وعرضت عليها فرصاً كثيرة للعمل في مجالات أخرى مختلفة كالتمثيل والتصميم وعرض الأزياء، فالتقت بالأمين والصادق وبالمخادع والمستغل، لتواجه في كل مرة ترفض فيها التنازل عن مبادئها بكلمة (أنت مو مناسبة للشغل).
غيداء شاهين لم تكن الوحيدة لكن صوتها كان الأعلى بالمطالبة في محاسبة المستغلين، فوقفت في وجه كل مستغل ورفعت صوتها عاليا "لا"، وحاولت مرارا أن تثير موضوع الاستغلال عبر وسائل الإعلام لتوعية بنات جيلها، روت لنا قصصا عدة حدثت مع فتيات تعرضن للابتزاز الجسدي والاستغلال المادي والأوهام وسوء المعاملة، وأكدت أن الخوف في هذا المجتمع الذي يحاكم المرأة فقط هو من يجعلها تصمت وتخشى تقديم شكوى. 
السؤال المطروح دائماً إلى متى سيستمر مسلسل استغلال النساء المحتاجات إلى عمل؟ ألسنا بحاجة لقوانين تحمي النساء وتطبق بشكل فعلي وتشمل وضع حد أدنى للأجور والمستحقات وإلزام الشركات والمؤسسات بها، وتخصيص خط خاص لتلقي الشكاوى من النساء بشكل سري مع المحاسبة الفورية للمستغل.