'على النساء الكشف عن العنف الذي تتعرضن له وكسر حاجز الخوف'
تحوّل العنف في تونس إلى ممارسة يومية تزداد استفحالاً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد، وتحذّر النسويات من خطورة هذه الآفة التي تستهدف النساء بدرجة أولى.
زهور مشرقي
تونس - تشير عمليات الرصد خلال السنوات الأخيرة، وخاصة منذ الحجر الصحي الذي رافق انتشار جائحة كورونا إلى أن العنف الأسري يحتل مرتبة متقدمة بين مختلف أشكال العنف، كما بات العنف الرقمي ظاهرة خطيرة ومخيفة تهدد النساء نفسياً واجتماعياً.
ترى المحامية والناشطة النسوية منية بن قيراط، في حوار مع وكالتنا، أنّ ازدياد نسبة العنف ضد النساء يعود إلى عقلية مستبطنة ترى في المرأة كائناً ضعيفاً من السهل ابتزازه واستهدافه، لافتةً إلى أنّ الحديث عن العنف يشكل أول خطوة لمجابهته، وحثت النساء على القيام بهذه الخطوة.
بات العنف السيبراني ضد النساء ظاهرة مخيفة في الآونة الأخيرة، هل لك أن توضح لنا عدد النساء اللواتي تعرضن له؟
العنف السيبراني يمثّل تهديداً خطيراً يمس النساء سواء من المهتمات بالشأن العام أو غيرهن، حيث أصبحت ظاهرة لا تستثني أحداً، وقمنا في الجمعية بإعداد ورقة سياسات عامة حول هذه الآفة، ومتفائلين بما قدّمه مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة الـ "كريديف" من نسب حول هذه الظاهرة، وسعينا إلى القيام ببحث حول العنف السيبراني وتأثيراته على مشاركة النساء في الشأن العام، وتوجهنا إلى المستشارات في البلديات للقيام بإحصائيات عبر تعبئة استمارة، لكن لم يكن هناك تفاعل كبير، ما يوضح أن من تتعرضن للعنف لا تقبلن التصريح بذلك، وأؤكد أن الإحصائيات التي نشرتها الكريديف لا تعكس حجم الأرقام الواقعية على اعتبار أن النساء تتجنبن التصريح بالعنف والعنف الرقمي بصفة خاصة، حيث كشفت الإحصائيات أن 54% تعرضن للعنف اللفظي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، و26% للتحرش و20% للهرسلة المعنوية، وهي أرقام خطيرة أي ما يقارب 80% وأكثر تعرضن للعنف على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعكس واقع أن العنف الرقمي أصبح ظاهرة خطيرة ومخيفة تهدد النساء نفسياً واجتماعياً.
ما سبب زيادة نسب العنف بكل أشكاله ضد النساء؟ وهل فشل القانون رقم 58 في مواجهة هذه الآفة؟
ظاهرة العنف بكل أشكالها تفاقمت بشكل كبير في المجتمع، وكان النصيب الأكبر مسلطاً على النساء نتيجة الموروث الثقافي الذي يرى المرأة الكائن المستضعف، وهو موروث حاولت الجمعيات النسوية والمدنية العمل على محاربته والقطع مع هذه العقلية الرجعية، لكن مواجهة هذا الواقع تتطلب جهوداً مشتركة بين مختلف الأطراف الفاعلة.
وارتفعت نسب العنف بشكل مخيف وفق الاحصائيات الرسمية منذ أزمة كوفيد ـ 19 نتيجة الضغط الذي عاشه التونسيين على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والصحية والاجتماعية وهو ما انعكس سلباً على نفسيتهم وجعلت منهم كائنات عنيفة، وما زاد الأمر سوءاً تفشي المخدرات الذي ساهم في ارتفاع نسب الجريمة، فضلاً عن تلك العقلية الموروثة التي مكنت الرجل من الاعتقاد بـ "مشروعية" تعنيف الزوجة أو الشقيقة أو الابنة وحتى الوالدة أحياناً، وقد شاهدنا حالات موثقة لتعنيف أمهات.
لقد رحبنا كجمعيات نسوية بالقانون رقم 58 واعتبرناه إضافة مميزة إلى ترسانة القوانين التي حققتها التونسيات منذ عقود، بفعل نضالهن الدؤوب، وقد أخذ القانون بعين الاعتبار كل أشكال العنف وشدد في العقوبات لكنه لا يخلو من نقائص حالت دون تحقيق الهدف المرجو، والتي تمثلت في آليات تنفيذه وتكوين الوحدات الأمنية في المراكز وكيفية التعامل مع المعنفات اللواتي تلجأن إليه للتبليغ والحماية، فضلاً عن محدودية مراكز الايواء وعدم تخصيص وحدة في المرصد الخاص بمجابهة العنف متخصصة في متابعة العنف السيبراني، وهي نقائص من الممكن تجاوزها، لكن الأهم من ذلك هو العمل على تغيير العقلية السائدة والذي يبدأ من الناشئة عبر تربية الطفل وتوعيته بمخاطر العنف وخطورة تعنيف النساء وهي أولى مراحل محاربة العنف، وتُعدّ خطوة أساسية ويجب أن تتشارك فيها المؤسسات التربوية وبرامج التعليم والإعلام وهي جوانب يتضمنها القانون لكن لم تفعّل بعد، وتبقى المشكلة في آليات التنفيذ والعمل الواسع على توعية كل الشرائح المجتمعية.
هل تقتصر ظاهرة العنف على بعض المجتمعات دون أخرى؟
جريمة العنف ضد النساء تطال كل المجتمعات، وهي ظاهرة عامة، وبات العنف السيبراني بصفة خاصة خطراً تعمل على محاربته العديد من المنظمات المحلية والدولية وهي ظاهرة برزت مع التطور التكنولوجي الذي شهده العالم مع بروز وسائل التواصل الاجتماعي، وفي تونس بيّنت الدراسات التي أجرتها عدة أطراف، أنّ جميع فئات النساء بالمجتمع من مثقفات وأمّيات سواء في الوسط الريفي أو الحضري قد تعرضن لنوع أو أكثر من العنف، وتشير الإحصائيات إلى أن العديد من النساء في مراكز مهمة ومؤسسات رسمية وخاصة قد تعرضن إلى العنف في حين أنهن يخجلن من الحديث عنه، سواء خشية طردهن من العمل أو تجنباً لإثارة الموضوع خوفاً على مكانتهن الاجتماعية داخل أسرهن ومحيطهن، لكن استناداً إلى الاحصائيات باتت الفئة الهشة من النساء خاصة العاملات والنساء اللواتي لا تتمتعن باستقلالية مادية، أكثر عرضة للعنف حيث تتحملن العنف وتبعاته النفسية والصحية حفاظاً على مورد الرزق لسد حاجياتهن، فتقبلن بالعيش ضمن محيط عنيف سواء مع الزوج أو الأب أو الأخ، وتلجأن إلى الصمت والرضوخ للواقع.
ماهي دوافع هذا العنف بالرغم من الحملات التوعوية من قبل المجتمع المدني، ووجود ترسانة من القوانين الرادعة للعنف؟
الحديث عن العنف أول خطوة لمجابهته في المجتمع، وعدم الاستكانة أمام الوصم الاجتماعي وتحدّ العقلية الخاطئة السائدة التي تمنع النساء من تقديم شكوى، وتدرك النساء أنه في حال عدم التصريح سيتفاقم العنف وستبرز أشكال جديدة له وستكنّ أول المتضررات، وأوكد أنه لا بد أن تتحلى المرأة بالثقة في الذات وبالشجاعة الكافية لتقديم شكوى في الغرض ضد معنّفها انسجاماً مع القانون رقم 58 الصادر عام 2017 الذي ينطوي على العديد من الضمانات بالتكفل في مراكز الإيواء والتعهد بصحتها النفسية، علماً أن صمتها سيكون أكبر مشجع للمعنف، القانون موجود والآليات متوفرة والتصريح أول خطوة شجاعة من المرأة لإيقاف ممارسات العنف مهما كانت مادية أو معنوية أو رقمية، وفي أورقة السياسات العامة التي قمنا بها أوضحنا أن هناك أطرافاً تتعرض للعنف السيبراني ولا تعرف أنه مجرّم قانونياً، ويتعرض القائم به لعقوبات مشددة.