لمياء لطفي: توجد ثقافة خاطئة تقترب إلى التطبيع مع الاعتداءات الجنسية

واحدة من أهم الأزمات التي تواجه النساء تعرضهن للعنف من قبل الأسرة، ولكن الأبشع أن يتحول الأمر لانتهاكات جنسية تصل لحد الاغتصاب من أب لابنته، فبينما مسؤوليته تتطلب حمايتها بات هو الجاني والقاتل لأحلامها.

أسماء فتحي

القاهرة ـ أصدرت محكمة جنايات الزقازيق في مصر حكمها على أب اغتصب ابنته القاصر، بالسجن المشدد 15 عاماً مع مراعاة الظروف الصحية للمتهم، وهو الأمر الذي لم يراه الكثيرون عادلاً مقارنةً بحجم الجرم المرتكب، وآثاره اللاحقة على ضحيته.

تلك الجريمة ليست الأولى من نوعها، ولكننا أمام أكثر من انتهاك فالأب هنا مصدر حماية لطفلته، بل ورمز في كثير من الأسر المصرية إن لم تكن أغلبيتها للأمان والسند، ولكنه قرر أن يغتصب ابنته التي لم تبلغ السن القانوني منتهكاً كل الأعراف والقوانين والمواثيق بل والمعاني الإنسانية ذاتها، ولم يفكر للحظة في مستقبل تلك القاصر، وكيف سيمكنها أن تحيا في مجتمع مازال يتمسك "بغشاء العفة" كرمز على أخلاق الفتاة، وزواله أقرب لمؤشر استباحتها.

تلك الثقافة المجتمعية السائدة في وصم وتصنيف الفتيات، والتي يعد الأب جزء أساسي في ترسيخها لم تردع الأب عن فعلته، ثم مرت القضية بمجموعة من الإجراءات إلى أن صدر الحكم الذي سنتطرق لملابسات تجعله أقل من المأمول، خاصةً أن المتهم في نهاية الأربعين من عمره، وفق ما تم إعلانه، ولا يعاني من أية أمراض تجعل القاضي يرفق به لظروفه الصحية كما ورد في النطق بالحكم.

 

تفاصيل القضية

وفق ما ورد عن مكتب المساندة القانونية التابع لمؤسسة المرأة الجديدة في الشرقية، تعود أحداث تلك الواقعة لشهر تشرين الأول/أكتوبر 2021، حينما قام الأب باغتصاب ابنته البالغة من العمر 17 عاماً.

وحضر محامي القضية، مدحت الشحات، أولى جلساتها في 26 شباط/فبراير 2022، ومنها لجلسة أخرى في الثاني من آذار/مارس الماضي، لمناقشة تقرير الطب الشرعي، وكان من المقرر أن يتم إصدار الحكم في السابع والعشرون من الشهر ذاته، إلا أن جلسة النطق بالحكم أُجلت حتى 1 حزيران/يونيو الجاري.

وبعد تلك الجلسات، تم الحكم على الأب المغتصب بالسجن المشدد 15 عاماً في القضية التي أحيلت لمحكمة الجنايات.

 

"هناك حالة أقرب للتطبيع مع الجرائم الجنسية"

قالت مديرة البرامج بمؤسسة المرأة الجديدة، لمياء لطفي، إن الحكم الصادر بحق الأب المغتصب جاء لمراعاة ظروفه الصحية، وهنا الأمر يحتاج إعادة النظر في القضية، فالأب هو القائم على رعاية الأبناء، وتلك الواقعة التي تعد واحدة من أبشع الجرائم تستحق حكم أكبر من ذلك.

وأشارت إلى أن تخفيف الحكم في قضايا الانتهاكات الجنسية ليس بجديد، وأصبح أقرب للعادة مع استخدام المادة 17 من قانون العقوبات المعروفة بـ "مادة الرأفة"، لافتةً إلى وجود ثقافة خاطئة انتشرت كنتاج لتأثير الدراما على المجتمع منها "البنت لو رفضت الاغتصاب فلن يتم الأمر"، وغيرها من الأفكار الأقرب إلى التطبيع مع الاعتداءات الجنسية بما فيها الاغتصاب.

وشددت لمياء لطفي، على أنها ضد العقوبات البدنية والعلنية، ولكن هذا الأب المغتصب يستحق المؤبد خاصةً أنه ووفق ما ورد من بيانات لا يعاني من أية أمراض مزمنة، كما أنه في نهاية الأربعينيات أي أن استخدام "الرأفة" وربطها بالحالة الصحية والسن مقاربة بعيدة عن حالته الفعلية.

 

الضغط من أجل التصالح واستخدام "الرأفة" وجهان لعملة واحدة

أكدت لمياء لطفي، أن هناك محاولات غريبة لإيجاد أعذار للمغتصب، فهناك تطبيع مع أغلب الانتهاكات الجنسية لدرجة أنه بات "عادي" أن يغتصب الأب ابنته، معتبرةً أن واحد من أسوأ المواقف التي تتعرض لها الضحايا هو الضغط من أجل التصالح.

ولفتت إلى أن التعويل على تغيير الأمر بوصول النساء لمنصة القضاء غير دقيق، فالأزمة لا تكمن في كون الناطق بالحكم رجل أو امرأة، ولكنها تتمثل في القانون ذاته الذي يحتاج لمجموعة من التعديلات من شأنها أن تحقق مصالح المجتمع كاملاً، وليست فئة دون غيرها.

أما عن استخدام مادة "الرأفة"، ومدى تأثيرها السلبي على سير القضايا والضحايا فقد اعتبرتها لمياء لطفي، كارثية، مؤكدةً أن الضرورة تقتضي البحث وراء الأحكام وأسبابها بل ومراقبتها، ومشيرةً إلى أنهم في عام 2008، أطلقوا حملة تحت شعار "لا رأفة مع الاغتصاب" بعد الحكم على مغتصب تسبب في موت الضحية لأنها كانت مريضة قلب، بالسجن ثلاث سنوات فقط، وبالنظر لملف القضية فقد كانت المفاجأة أن القاضي راعى حداثة سن المتهم، وظروف وملابسات القضية بلا أية تفاصيل إضافية تذكر.

وقالت لمياء لطفي "يجب منع استخدام مادة الرأفة لتقليل العقوبة في قضايا ممارسة العنف ضد النساء"، معتبرةً أن الفترة الأخيرة شهدت أحكام لا يمكن قبولها أو التصالح مع وجودها، موضحةً أن قضايا العنف من أي نوع يتم الضغط فيها على الناجية من أجل التصالح، ثم يلي ذلك حصول المتهم على أقل عقوبة ممكنة، لافتةً إلى أن مثل هذه الضغوط تسلب الضحايا حقوقهم وتحرمهم من استعادة كرامتهم وذواتهم برؤية عقاب المتهم على فعلته.

 

أحكام لا يمكن التصالح معها في انتهاكات جنسية

قالت لمياء لطفي أن هناك أحكام يصعب قبولها أو التصالح مع ملابساتها، ومنها ما حدث مع سائق "التوكتوك" الذي اعتدى على فتاة وتزوج بها زواجاً عرفياً، والأب تنازل عن القضية وحصل المجرم على حكم مع إيقاف التنفيذ نتاج هذا التصالح.

وأضافت أن هناك حالة في الشرقية ألقاها والدها من الطابق الرابع في المنزل، وقُدمت عريضة للنائب العام ومع ذلك كان هناك سؤال مستمر عن التوكيل للمحامين فضلاً عن مجموعة من التلميحات السيئة التي قيلت في تلك القضية لداعمي الضحية، وحينما حاولت الفتاة الهروب تمكن أهلها من الوصول إليها وحبسوها.

وأشارت إلى أنها "تواصلت مع لجنة العنف ضد المرأة التابعة لوزارة الداخلية، ولولا وجود العريضة المقدمة للنائب العام ما حدث تحرك، ورغم كل ذلك قام وكيل النيابة بحفظ القضية، وتم الذهاب للنائب العام فحفظها أيضاً".

واعتبرت لمياء لطفي أن حالات الاغتصاب إجمالاً خاصةً وإن كانت داخل الأسرة ذاتها ليست بالقليلة، ولا يتحدث عنها الكثيرون، والأحكام بها غير رادعة، وبعد حدوثها يصعب الوقوف على أدوات التعامل معها، مؤكدةً أن دور الاستضافة قليلة لا يمكنها استيعاب كامل العدد، وقطاع كبير من العاملين بها غير مدرب على التعامل مع الضحايا، وهذه الانتهاكات تحتاج لوقفة حاسمة، وتعديل قانوني يقطع على المجرم مختلف طرق التلاعب أو التحايل.