لماذا لا يمكن لسوريا أن تصبح أفغانستان ثانية؟

في سوريا تخوف حقيقي من تحويل سوريا لأفغانستان أخرى في المنطقة بعد أن سيطر جهاديو هيئة تحرير الشام على البلاد.

سيلفا الإبراهيم

الحسكة ـ انقلب الوضع في سوريا منذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، وبدلاً من أن يكون سقوط النظام فرصة للبلاد للخلاص من حقبة زمنية عنيفة اختتمت بنحو 14 عاماً من الحرب، كانت المخاوف من المستقبل هي العنوان الرئيسي والتساؤل الأبرز للسوريين وخاصة النساء مع ازدياد ما يسميه جهاديو هيئة تحرير الشام حالات فردية، يضاف إلى ذلك السرعة في إجراء تغييرات بمناهج التعليم استهدفت العلم والمرأة.

العضوة في أكاديمية الجنولوجيا "علم المرأة" علياء عثمان ومن خلال دراسة الوضع التاريخي لأفغانستان ونشوء حركة طالبان، وكذلك تاريخ سوريا والقاعدة النسوية فيها اعتبرت أن سوريا لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون أفغانستان ثانية وذلك لأن الجغرافية والتاريخ وشكل المجتمع مختلفان كثيراً.

 

"ليس للمرأة إرادة مستقلة"

وبالعودة إلى تاريخ سوريا الحديث بينت علياء عثمان أن الحركة النسوية في سوريا في الفترة التي سبقت سيطرة حزب البعث على الحكم شهدت نهضة واضحة ذات طابع مستقل، مضيفةً "مع سيطرة حزب البعث الذي أخذ طابع قومي تم العمل على إضعاف الحراك النسوي، وربطه بالدولة وقد لا يعرف الكثيرون أن الاتحاد النسائي كان يُدار من قبل رجل".

وأشارت إلى أن "الدور النسائي الفاعل كان ضعيفاً فالتمثيل النسائي في الحكومات لم يشهد تغييراً في الوجوه فمثلاً نجاح العطار وبثينة شعبان شخصيتان استمر وجودهما منذ حكم حافظ الأسد وحتى الأسد الابن"، موضحةً أن "الحراك النسوي سُلب من النساء ووجب ارتباطه بالدولة فيما تمت محاربة الحراك الخارج عن سيطرة الدولة، والسجون امتلأت بآلاف الناشطات".

وعلى ذلك ترى علياء عثمان أن العائلات ضيقت الخناق على النساء خوفاً من وصمة العار المرتبطة بالاعتقال "في مرحلة ما من تاريخ سوريا وهي الثورة السورية عاد هذا الحراك إلى واجهة الأحداث، ولكنه خارجي أكثر من داخلي وهذا نتيجة طبيعية للضغوط في مناطق سيطرة النظام، أما في إقليم شمال وشرق سوريا فأسس الحراك النسوي نفسه على أرضية صلبة فتم افتتاح المؤسسات ولعبت النساء دور فاعل في مختلف المجالات".

 

"تاريخ المرأة مستهدف"

النساء تواجهن التحديات على كافة الأصعدة فهناك محاولة لطمس هوية المرأة الدقيقة والتغييرات في المناهج التعليمية بعد سقوط النظام بأقل من شهر وسيطرة جهاديو هيئة تحرير الشام على السلطة لها دلائل كثيرة وتفتح باب السؤال هو التلاعب بالتاريخ وحذف تاريخ المرأة وهذا ما يصعب المهمة على أي شخص يحاول البحث في تاريخ النساء في منطقة ما.

وعن ذلك قالت علياء عثمان "السوريات تواجهن تحديات على كافة الأصعدة ففي المرحلة الراهنة هناك محاولة لطمس هوية المرأة من تاريخ البلاد، وهذا مستحيل في وضع سوريا، لأن اسم سوريا يدل على هوية المرأة فهو أحد صفات الإلهة عشتار"، لافتةً إلى أن تغيير المنهاج شمل حذف تاريخ مهم من الإنسانية وهو مرحلة الإلهة متسائلةً "أي جيل نريد بناءه بهذه العقليات والمناهج؟".

على المدى القريب أو البعيد هذه الأفكار ما تأثيرها على وجود سوريا "هناك محاولة لإلغاء تاريخ المرأة في سوريا الممتد من حضارة تل حلف في الألف الثالث قبل الميلاد والاكتفاء بالتاريخ منذ ظهور الإسلام"، موضحةً أن هذه المحاولات تعني إلغاء جميع النساء قبل هذا التاريخ وإنجازاتهن، مشيرةً إلى أن المرأة المقاومة يتم تجاهلها حتى في التاريخ الإسلامي.

 

"ليس على المرأة أن تناسب ذهنية أحدهم"

وأكدت علياء عثمان أن "مجتمعاتنا تم بناؤها وفق نموذج الجنس الواحد وهو الرجل وهذا من الأخطار التي تواجه الحركة النسوية السورية اليوم، فهذا الشكل من المجتمع لا يرتبط بالمنطقة تاريخياً، فنساء العشائر وحتى وقت قريب كنَّ تحملن أدوات حماية ومنها السلاح للدفاع عن أنفسهن قبل أن تصدر الدولة قرارات بمنع حمل السلاح وأصبح الجيش هو مسؤولاً عن حماية المجتمع، وهذا الجيش هو من الرجال فقط، وبني وفق الذهنية الذكورية".

وحول ذلك تساءلت "بأي حق يحاولون حرف التاريخ عن حقيقته، بدلاً من تنوير المجتمع فمن واجبنا كحراك نسوي إظهار دور المرأة في المجتمع السوري قبل أن يحكم حزب البعث وبعد ذلك، لنظهر أن المرأة وحتى وقت قريب لم تكن تابعة للرجل أو أنها بلا هوية أو إرادة بل كانت تعيش حياة تشاركية مع الرجل".

 

سوريا منطقة مهمة جيوسياسياً

وحول السؤال عن مخاوف المرأة وغالبية المجتمع السوري من تحول سوريا لنموذج أفغانستان أكدت أن هذا الاحتمال غير وارد، وعزت ذلك إلى أهمية البلاد من الناحية الجيوسياسيةً "جغرافياً لا يمكن أن تنقطع سوريا عن الحراك العالمي لأهميتها الجيوسياسية فلها هذه الخصوصية وهي أنها مفتوحة على عقدة من الطرق والتقاء العقائد".

وشددت على أن "المجتمع السوري منفتح على مختلف الأفكار وفيه تنوع عرقي وديني وفكري وإن تغيرت فيه هذه الخصوصية سنكون أمام صراعات، إضافةً إلى ذلك تمتلك المرأة السورية خبرات وطورت من حراكها ففي إقليم شمال وشرق سوريا منذ أكثر من عقد من الزمن تمرست المرأة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وفكرياً لذلك أي محاولة للإقصاء لن تمر مرور الكرام ولن تنخدع النساء بالوعود الكاذبة لأن نساء المنطقة لديهن اطلاع على التاريخ والإيديولوجيات الموجودة وتطورها وما الذي تفكر به لذلك ليس من السهل أن تنخدع بالمظاهر".

واختتمت عضوة أكاديمية الجنولوجيا "علم المرأة" علياء عثمان حديثها بالتأكيد أن "هناك تحديات وحرب فكرية تواجهنا ولذلك نحن بحاجة لحالة تنظيمية متطورة والوصول إلى النساء في كل مكان، وأن نؤسس هذه القاعدة النسوية لنبني واقع أجمل للمرأة السورية ونبني إرادة مشتركة نحولها لخطوات عملية قادرة على التأثير في بناء سوريا المستقبل".