للصعيد وجه آخر... نساء تنجحن رغم التحديات وتصبحن رائدات في محيطهن

للوهلة الأولى من النظر لأوضاع المرأة في صعيد مصر قد يجد المرء أنه أمام كارثة متعددة الأبعاد سواء على مستوى القيود، إلا أن الأمر لا يخلو من نماذج نجحت في الوصول لأحلامها وتحقيق آمالها المنشودة.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تمكنت العديد من النساء من الانطلاق نحو طموحهن سواء على مستوى العمل أو الدراسة رغم ما واجهتهن من تحديات كادت أن تعرقل خطاهن، وبعضهن نلن الريادة في المكان الذي طمحن إليه حسب نظرتهن للواقع المحيط.

بالرجوع لبعض النماذج النسائية في الصعيد تمكنا من الوقوف على التأثير المباشر للبيئة المحيطة بها وثقافتها عليهم والتي تتحكم إلى حد كبير في تحديد مسار طموحاتها وأحلامها سواء على الصعيد العملي أو الدراسي.

 

أفكار مغلوطة يتم تداولها دون دراسة الواقع عن نساء الصعيد

"لسنا كما يقال عنا ربات بيوت مقهورات تقبعن في المنازل لخدمة الرجال فقط"، بهذه العبارة بدأت الدكتورة ناهد محمد عبده حديثها مع وكالتنا حول ما يثار عن نساء الصعيد وأسلوب التعميم الذي يتم تداوله دون دراسة واقعية لما آلت إليه الأمور هناك خاصة مع زيادة عدد الجامعات وإتاحة الفرصة لتعليم الفتيات في نطاق أوسع من ذي قبل.

وأوضحت ناهد محمد عبده أن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاع ملحوظ في معدل وعي النساء في صعيد مصر والأسر بشكل عام، وهو الأمر الذي غير فعلياً في تجارب النساء وممارساتهن نتاج قناعتهن بضرورة العمل على تطوير أنفسهن خاصة إذا كان للمرأة نشاط مدني من خلال المؤسسات والجمعيات الأهلية الموجودة في محيطها.

ولم تكتف ناهد محمد عبده بنموذج المرأة التي قررت أن تكمل دراستها وتطور مهارتها ولكنها أكدت على وجود عدد ليس بالقليل منهن وصلن لمراكز صنع القرار خاصة في نطاق مركز قنا "أصبحت الكثيرات الآن رائدات ومعروفات في نطاق المركز بالنشاط السياسي والمجتمعي الرائد والمؤثر فعلياً على المحيطين وبعضهن تركن بصماتهن كعلامة فارقة في المحافظة والعمل لعام".

 

من واقع تجربتها الشخصية

"قررت أن أكمل حلمي بعدما كبر أطفالي وأسستهم ليتمكنوا من القراءة والكتابة" كانت تلك نقطة انطلاق الدكتورة ناهد محمد عبده التي وجهت اهتمامها في مقتبل الحياة نحو إنشاء أسرة صحية ذات أركان راسخة واضعة تصور كامل لها حتى تمكنت من تحقيق ما رغبت به.

حينما تحدثت ناهد محمد عبده عن أسرتها أكدت أنها تشاركت أهم القرارات مع عائلتها واتفقوا على ملامح تلك الحياة مسبقاً، وهو ما تم بالفعل.

وعن اهتمام الأسرة في الصعيد بتربية الأطفال على حساب مستقبل الفتاة خاصة إن كان ما تدرسه تكميلياً، تقول "قررت أن اتوقف عن أغلب ما طمحت إليه حتى أتمم تأسيس أطفالي واجعلهم ملمين بقواعد القراءة والكتابة واضعهم بالتعاون مع زوجي على أول الطريق بعدما تأكدت أنه يمكنني أن أحصل على بعض الوقت لتحقيق ذاتي وشغفي في تحصيل العلم".

وأوضحت أنها اتخذت هذا القرار بمحض إرادتها حتى لا تقصر في مسؤوليتها تجاه أطفالها ولم يرغمها أحد على ذلك، معتبرةً أن ذلك ساعدها في السفر وهي مطمئنة نسبياً فيما بعد للقاهرة من أجل تحضير الدبلومات المختلفة ثم الحصول على الماجستير واستتباع ذلك بنيل شهادة الدكتوراه لتتمكن من الوصول لما رغبت به على الصعيد الدراسي.

 

البعض ينجحن وأخريات يحول المجتمع دون وصولهن

السياق العام والمحيط بالفتاة له التأثير الأكبر على مستقبلها فهناك من تمكن من النجاح بالفعل والسفر خارج حدود المحافظة ولكنهن شبيهات بوضع ناهد عبده، حيث يوجد بجانبهن من يدعمهن ويشجعهن على العمل والدراسة ولا يتأثر بأقاويل المحيطين حول مساحة الحرية التي قد تضر بالفتاة وغيرها من الأمور الشائعة.

واعتبرت ناهد محمد عبده أن وضع المرأة في قنا كغيرها من النساء تجد من العقبات ما قد يحول دون نجاحها إلا أن ما يعد اختلافاً جذرياً هو حدة وقوة العادات والتقاليد الحاكمة لتحركات المرأة ومعاملاتها بشكل عام على مستوى العمل أو الدراسة أو حتى المشاركة في صناعة القرار والمراكز القيادية.

وأشارت أنها أثناء مسيرة الدراسة من 2014 وحتى 2022 كان حولها صديقات تأتين من مراكز بعيدة ومنهن من تمكن من أخذ الخطوة والخروج للتعلم ولكنهن لم تستطعن أن تكملن تعليمهن وتوقفن تماماً، والبعض قمن بتجميد رحلتهن التعليمية بسبب عدم القدرة على السفر والخروج نتيجة الضغوط الأسرية والعرف السائد في بعض الأماكن البعيدة عن المركز "البندر" قنا.

 

التحديات التي تحول دون القدرة على النجاح والتحقق

"عديدة ومتجذرة وبالفعل أوقفت الكثير من الفتيات عن مجرد الحلم بالنجاح خارج تكوين الأسرة" بهذه العبارة وصفت ناهد عبده التحديات المجتمعية التي تواجه النساء في محافظة قنا وتحديداً في القرى البعيدة عن المركز "قنا"، واضعة في مقدمتها الفقر الذي لا يمكن الكثير من الأسر من الإنفاق على الفتيات خاصة إذا كان تعليمهن يتطلب السفر للقاهرة والإقامة هناك ولو لوقت قصير لما يستتبع ذلك من تكلفة لا طاقة لهن على تحملها.

وكشفت عن لجوء عدد ليس بالقليل من الأهالي لتزويج الفتيات في سن مبكر للتخلص من أعباء هذا الإنفاق، وآخرون يعطون الأولوية للإنجاب وتربية الأبناء باعتبار ذلك الدور الأساسي إن لم يكن الوحيد عن البعض للمرأة والذي يجدر بها التركيز على إنجاحه بكل ما أوتيت من قوة.

كما أن الثقافة محورية بحسب وصف ناهد عبده التي أكدت أن ثقافة البيئة المحيطة بالمرأة تلعب الدور الرئيسي في تحديد مستقبلها، فالبعض يرفض خروج الفتاة للدراسة والعمل وآخرون قد يشترطون مرافقتها لصديقة من نفس القرية وفي حال عدم وجود ذلك يتم الحرمان من أي خطوة خاصة الدراسية منها خارج نطاق المجتمع الصغير والمقبول لأسرتها.

وعن مستقبل تعامل الفتاة بعد تعلمها ووصولها لبغيتها واجتيازها واحد من أهم العوائق التي قد تواجهها تقول "هناك عدد من الشائعات المغلوطة يتم ترويجها حول المتعلمات بأنهن يتكبرن على الزوج والأهل وقد لا تجدن من يليق بهن في الزواج إن كن عازبات وهو ما قد يجعل قطار زواجها يمر أو إن كانت متزوجة فعلياً يمكنها أن تقرر الانفصال عن الرجل الذي لم تعد تراه يناسبها"، مؤكدةً أن مثل هذه الأقاويل تؤثر في البعض ويخفن من القادم فيقرروا حرمان النساء من استكمال مسيرتهن العلمية أو حتى صعود سلم العمل السياسي أو المجتمعي بشكل عام.

وواحد من التحديات يعود للفتاة نفسها أو وفق تعبير ناهد عبده "فقد الشغف والمثابرة"، وهو ما يجعل الكثيرات تتوقفن في مرحلة دراسية أو عملية أو سياسية عند حد معين ولا تكملن نتيجة الإجهاد وعدم الرغبة الذاتية في المواصلة.