لبنان... الاشتباكات والأزمات المتراكمة تضاعف معاناة اللاجئات الفلسطينيات
لم تستثنِ الأزمات المتراكمة في لبنان اللاجئين واللاجئات الفلسطينيات الذين أنهكتهم الحياة وظلمتهم الأوضاع الاجتماعية، وأجبرت نسائهن على العمل في البيوت على الرغم من سوء الأوضاع الصحية التي تعانين منها.
كارولين بزي
بيروت ـ لاجئات فلسطينيات تتحدثن عن صعوبة الحياة وتحملهن مسؤوليات تفوق طاقتهن، إلى جانب الاشتباكات في المخيم والتي في كل مرة يذهب ضحيتها أبرياء، ودفعت ببعضهن إلى تركهن المخيم لسلامة أطفالهن.
"أعمل بتنظيف السلالم"
بين أزقة مخيم عين الحلوة والممرات الضيقة التي دخلناها مشياً على الأقدام والتيار الكهربائي الذي كان غائباً كغياب الكثير من الخدمات التي هي حق لكل مواطن ومقيم على الأراضي اللبنانية.
محطتنا الأولى كانت عند فتحية الحسين الستينية التي فقدت زوجها منذ 17 عاماً، وأنجبت منه أربعة أولاد، ابنة و3 أولاد.
لا تنكر فتحية الحسين أن زوجها كان رجلاً فقيراً ولم يترك لهم المال، ولكن الناس لم تتركهم، ساعدتهم بشتى الوسائل. لفتت إلى أن هناك بعض الجمعيات الخيرية التي تكفلت بأولادها، لكنها لم ترغب بأن تكون عبئاً على أحد وقررت أن تعمل.
وقالت "قررت أن أعمل بتنظيف سلالم المباني، أو إذا طلبت مني امرأة متقدمة في السن أن أساعدها في تنظيف منزلها أو تحضير الطعام، أقوم بذلك لأنني بحاجة للمال الذي ستعطيني إياه. أحياناً لا أحصل على المال بل على مونة منزلية أو ما شابه، إذ ثمة نساء ليس لديهن القدرة على دفع المال، فيعرضن عليّ أغراضاً حصلن عليها كمساعدات غذائية، مثل الأرز أو البرغل أو العدس وغير ذلك".
وأشارت إلى أنها تتقاضى أجر زهيد مقابل العمل في تنظيف السلالم، تحاول من خلاله تأمين اشتراك الكهرباء والمولدة الخاصة، ولكنها في الوقت نفسه تقدّر أوضاع الناس الذين يمتنعون أحياناً عن دفع هذا المبلغ البسيط.
لا تتردد فتحية الحسين باطلاعنا على أنها تقوم بتصليح ملابسها الممزقة والتي لا تستطيع أن تحصل على جديدة غيرها، بل حصلت على ملابسها الحالية من فاعلي خير، وعن الأطعمة والغذاء، فأصبحت تقوم بطبخ الطعام على يومين، هذا عدا عن توفر الأدوات الكهربائية في منزلها.
"لا يهمني الطعام بل صحة أولادي"
حنان أحمد علي أرملة فقدت زوجها منذ سبع سنوات، وأنجبت منه ثلاثة أولاد، وتعاني من مشكلة في العيون ويبدو أن هذا المرض وراثي في عائلتها، وهو ما يعاني منه أيضاً أولادها.
وقالت "لا يمكنني أن أعمل لأنني أعاني من مشكلة بعيني ومصابة بالتهاب الشبكية الصباغي، إذ لا يمكنني أن أخرج من دون مساعدة من ابنتي أو أحد أفراد أسرتي"، مضيفةً "كنت في السابق قبل أن تتدهور حالتي، أقوم بتحضير الأطباق والأطعمة للناس هذا ما يمكنني أن أفعله، خارج المنزل لا يمكنني أن أعمل لأنني أيضاً أعاني من آلام مزمنة في اليدين والقدمين".
وأوضحت أن منظمة الأونروا تساعدها بمعاينة الطبيب، فتكلفة الفحوصات والصور ارتفعت كثيراً، لكن الصحة بالنسبة لحنان علي أهم من كل شيء "لا يهمني الطعام ولو سأتسول المال لكي أعالج أولادي حتى يستطيعوا الحفاظ على نظرهم".
"عاطلة عن العمل لأساند زوجي"
تعمل نجاة حسين الحسين في تنظيف المنازل، لديها ثمانية أولاد، ثلاثة بنات متزوجات وخمسة شبان، ولكنها في الوقت الحالي عاطلة عن العمل بسبب بقائها في المستشفى إلى جانب زوجها الذي أصيب بطلق ناري أجبره على الدخول إلى المستشفى، وبما أن نجاة الحسين لا معين لها في الوقت الحالي تقوم بالاستدانة لعلاج زوجها الراقد في المستشفى، مشيرةً إلى أنه "عندما يخرج زوجي من المستشفى سأعود إلى العمل لكي أسدد ديوني".
ولفتت إلى أن زوجها لم يكن يعمل بسبب مشاكل صحية يعاني منها، ما دفعها إلى العمل حتى لو كان تنظيف البيوت، كما أن الغذاء تراجع في بيت نجاة الحسين بسبب ارتفاع أسعاره.
"توأمي يعاني من التوحد"
اللاجئة منى شناعة تختلف قصتها عن اللاجئات السابقات، المرأة التي أنجبت خمسة أولاد، يعاني اثنان من أولادها من التوحد.
وقالت منى شناعة متأثرةً بتفاصيل مرض أولادها "عندي خمسة أولاد ومنهم توأم يعانيان من التوحد، وزوجي يعمل باليومية، معاناة التوحد معروفة، وولداي يبلغان من العمر 12 سنة، لا يتكلمان ولا يزالان يستخدمان الحفاضات. وللأسف لا يوجد في لبنان مدارس مناسبة للتوحد وهما يحتاجان إلى علاجات وهذه العلاجات صعبة جداً ومكلفة، وزوجي لا يستطيع أن يؤمن كل شيء".
وأضافت أن "التوحد مرض صعب جداً وأنا أعاني مع ولدين لا واحد أي أن الأمر أكثر صعوبة. عندما علمت بأنهما يعانيان من التوحد التحقت بجمعية لكي أتعلم كيف أتعامل معهما".
وأوضحت أن المجتمع يعاني من مشكلة نظرة الناس إلى الطفل المصاب بالتوحد، وأن أحداً لا يعلم ما هو التوحد إلا عندما يعاني منه أحد أفراد عائلته، وتعتبر أن نظرة المجتمع صعبة جداً "نواجه صعوبة في معالجتهما معاً بسبب سوء أوضاعنا الاقتصادية، فهما بحاجة إلى معالج يعرف كيف يتعامل معهما ويستفيدان منه ولكن المدرسة التي وضعتهما فيها غير مؤهلة لحالات مثل التوحد".
"حُرمنا من كل شيء"
تعمل سعاد أحمد خديجة التي لديها ثلاثة أبناء وزوجها مريض، بخدمة النساء اللواتي ترغبن بشراء حاجياتهن من السوق، فتذهب بنفسها لتقوم بهذه المهمة لقاء بدل مادي.
وتقول "بسبب تراجع سوق العمل. ومع تغير الأوضاع وارتفاع الأسعار حُرمنا من كل شيء وانقلبت حياتنا رأساً على عقب، لم يعد بمقدورنا شراء الخبز، كان لدينا محل في السابق وكانت الأمور بأحسن الأحوال، ولكن مع بدء الأزمة منذ سنتين تقريباً قمنا بإقفال المحل، وبإنفاق كل ما قمنا بادخاره".
ولفتت إلى أنها تعاني من مشاكل في الغدة ولكنها توقفت عن العلاج لأنه يحتاج إلى تكاليف كثيرة.