"لا مجال للتوقف" رحلة الستينية وفاء سلام من الثانوية العامة للمحاماة

استطاعت الستينية وفاء سلام اجتياز مرحلة الثانوية بالرغم من الصعوبات التي واجهتها، لتنتقل بعد ذلك إلى الدراسة في الجامعة اختصاص القانون.

رفيف اسليم

غزة ـ في نهاية العقد الرابع من العمر قلما يخطر على بال المرء أن يبعثر مسارات حياته الهادئة ويبدأ بمنعطف جديد دخيل على رويتنه الثابت، لكن وفاء سلام لم تأبه بذلك، مقررة أن تكمل تعليمها بدءاً من الثانوية العامة وحتى التحضير للدكتوراه، لتتوج تلك الرحلة بنيل شهادة مزاولة مهنة المحاماة وهي في الرابعة والستين من عمرها.

لعل قراءة السطور السابقة تثير عدة تساؤلات حول قصة وفاء سلام، ولماذا بدأت متأخرة، ومن أين لها بتلك العزيمة التي مكنتها وهي ليست أم فقط، بل جدة لعدة أحفاد لاجتياز جميع تلك المراحل بنجاح مبهر.

تقول وفاء سلام لوكالتنا "تزوجت في الرابعة عشر من عمري وتم الاتفاق بين العائلتين بإكمال تعلمي الثانوي لكن سرعان ما حملت بطفلي الأول وزادت مسؤولتي مما دفعني للتأجيل حتى أصبح عدد أطفالي 10، ونسيت الأمر لكن كان الحزن يسيطر علي كلما سمعت عن إحداهن تخرجت من الجامعة، فأعوض ذلك من خلال مطالعة العديد من الكتب والمقالات العلمية".

وأضافت "خطر في بالي إكمال الثانوية العامة مع ابنتي سراً، خشية من الرسوب أو العبارات اللاذعة، فسجلت لدى وزارة التربية والتعليم ولم أنتسب إلى المدرسة معتمدة على ابنتي التي كانت تقرأ لي جهراً ما تذاكره بصوت مرتفع خلال أدائي لمهام المنزل، وبالفعل استطاعت النجاح بتقدير جيد جداً وأنا في 48 من عمري".

وتروي وفاء سلام أن ذلك العام لم يمضي كما خططت له، فقد مرض زوجها واضطرت أن تسافر معه للعلاج في الخارج قبل الامتحانات بعدة أشهر، لتجد نفسها أمام أيام من الامتحانات النهائية، لافتة أن السرية التي انتهجتها هي ما سببت تلك المشكلات فلم تكن تستطيع أن تعتذر لتتفرغ إلى الدراسة.

ترسم ابتسامة على وجهها وهي تتحدث، أنها في إحدى امتحانات الثانوية العامة تركت الورقة على عجل بسبب تواجد ابنتها بالمشفى للولادة، لكن ما كان يشغل بالها حقاً هو كيف ستدرس المادة التالية وحدها وهي الإنجليزية، لتذهب إلى الامتحان وهي مضطربة.

وتكمل بعد ظهور النتيجة علمت بأنها اجتازتها وسط فرح أبنائها وزوجها الذين دعموها كي تنهي ما بدأت به، متنقلة لمرحلة جديدة وهي التسجيل في الجامعة كي تدرس تخصص والقانون، حاصلة على منحة كاملة خلال الأربع سنوات، التي كانت تواجه بهم وحدها امتعاض دائم في عيون الطالبات مفادها "ما الذي يأتي بامرأة في عمر جدتنا للدراسة معنا بذات المقاعد"، ربما الحنين الفطري للعلم والدراسة خاصة بعد ما حرمت منه لسنوات، تقول وفاء سلام أنها كانت دوماً تحاول تجاوز تلك النظرات وعدم التركيز معهن، مصطدمة بذات العقبة مع العائلة، ففور اجتماعها بمجلس مع النسوة كن ينصحنها بترك العلم والتمتع بالراحة مع الأحفاد بعد مسيرة طويلة قد بدأنها مبكراً.

وأوضحت "من أكثر المواقف طرفة هو تواجدي للدراسة مع إحدى حفيداتي في الجامعية، فيشكل ذلك الموقف مزيج من الضحك والفرح خاصة عندما نسأل عن العلاقة التي تجمعنا ببعضنا البعض وأقول جدتها، فكن نشجع بعضنا البعض على الدراسة في أوقات الامتحانات ومناقشة ما يصعب فهمه في المساقات".

وعن سبب اختيارها لدراسة القانون بينت أن ذلك المجال لا يحتاج لعمر معين، فطالما درست القضية تسطيعين المثول أمام القاضي، خاصة أنها لم تكن تنوي بأن تزاحم الشابات في الوظائف، فكان هدفها تحقيق حلم الصغر الذي راودها طوال السنوات الماضية وهو أن تصبح محامية.

كانت وفاء سلام في تحدي دائم مع نفسها وفق حديثها، ففور تخرجها من الجامعة سارعت للالتحاق ببرنامج الماجستير، الذي عانت خلاله من صعوبة المواد العلمية، مضيفة "كلما شعرت بالوهن حدثت نفسي أن هذا هو هدفك وها قد بدأت فمن الواجب أن تكمليه حتى النهاية"، إلى أن تخرجت بالفعل ثم انتقلت لمزاولة المهنة في ثلاثة محاكم بقطاع غزة.

لفتت وفاء سلام أنها حققت نجاح في جميع مراحل التدريب وفي المحاكم الصورية التي كانت تعقد باستمرار، حتى توج ذلك النجاح بحفل المزاولة الذي حضره أبنائها وأحفادها لالتقاط الصور مع الجدة التي يعتبرونها بمثابة قبس النور الذي يضئ لهم حياتهم العلمية، مبينة أن جميع أبنائها وبناتها حاصلين على درجات علمية مرموقة استجابة لرغبتها.

وتقول إن العمر مجرد رقم ويمكن تنشيط الدماغ من فترة لأخرى بقراءة العديد من المقالات العلمية المتخصصة وهذا ما فعلته خلال مراحل توقفها عن الدراسة، لتجد نفسها عند العودة لها مرة أخرى وكأنها تركتها لأيام فقط، مشيرة أنها تشعر برغبة عارمة تدفعها لدراسة علوم أخرى غير الحقوق وقد تكون فكرة مستقبلية قابلة للتنفيذ.

تشرع اليوم وفاء سلام لإنهاء دراسة الدكتوراه وتعلم اللغة الإنجليزية بالتزامن مع إنهاء إجراءات فتح مكتبها الخاص، موجهة رسالة لجميع النساء أن أي وقت ستبدأن به هو الوقت المناسب في ظل ضغوطات الحياة التي لا تنتهي، فعلى المرأة ألا تكتفي بالدور الانجابي بل تكافح لتفيد مجتمعها أيضاً وتكون سمة أساسية في تطور المجتمعات ونهضتها.