كيف ينظر المجتمع للفتيات المغتربات في مصر؟

تعد أزمة الاغتراب الداخلي واحدة من المشاكل التي تحول دون قدرة الفتيات على النجاح والوصول لمراكز صنع القرار أو حتى مجرد تحقيق أحلامهن، نتيجة ما يقع على كاهلهن من أعباء لا حصر لها تجاه جميع المحيطين بهن.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تعشي الفتيات المغتربات في الداخل المحلي واقع أليماً، نظراً لثقافة المجتمع تجاه الفتيات اللواتي تسكن بمفردهن بلا عائل، وعادة ما تجدن أنفسهن في قبضة انتهاك الخصوصية، وهو أمر لا يقتصر عند أحد دون غيره، فقد تصبحن فريسة للجميع بلا تمييز.

بقيت العديد من الفتيات اللواتي اضطررن للابتعاد عن منزل العائلة إلى مدينة أخرى، في قبضة جانب مظلم من الموروثات الاجتماعية حالت دون قدرتهن على العمل أو حتى الخروج من المنزل.

وقد روت عدد ليس بالقليل من الشابات تجاربهن مع الاعتداءات التي جعلتهن تهجرن الأحياء الشعبية وتتكبدن تكلفة السكن في مناطق راقية في محاولتهن للنجاة، وهو الأمر الذي ضاف لأعبائهم المادية، معتبرين أن "الشارع لا يحترم الفتاة المغتربة"، وأنهن بذلك خرجن من "دائرة المشاع"، حيث أكدن أن الجميع يرون أن الاغتراب سبباً لانتهاك خصوصيتهن إما بدافع الخوف عليهن أو بدافع التشكك".

أوضحت الخريجة الجامعية نور شلبي البالغة من العمر 27 عاماً، إنها كانت تسافر يومياً إلى بيت أسرتها من القاهرة وتستهلك نحو 7 ساعات في الطريق في حال نجحت في إيجاد وسائل المواصلات الغير متوفرة أغلب الوقت، وهو الأمر الذي دفعها لاتخاذ قرار الإقامة في القاهرة هرباً من تلك المعاناة اليومية التي أثرت سلباً على مسيرتها المهنية.

وأشارت إلى أنها خلال فترة انتقالها الأولى كانت تعاني من العديد من الأعباء الواقعة على كاهلها منها أنها تعمل بشكل غير ثابت ومرتبك لذلك قد ينتهي عملها في أي وقت وتجد نفسها بدون مصدر دخل كافي لتنفق به على نفسها في تلك البيئة التي تحيا بها مستقلة وتحتاج أن توفر احتياجاتها من خلال الاعتماد على ذاتها دون تدخل من الآخرين.

وأوضحت أن الكثير من الفتيات تخضعن لضغوط في أماكن عملهن نتيجة كونهن مغتربات وفي أمس الحاجة لرواتبهن التي تتكئن عليها لتلبية احتياجاتهن، مشيرةً إلى أن هناك معاملة غير عادلة في العمل تجاه الفتيات المغتربات وكأن أصحاب الأعمال يحاولون الضغط عليهن عمداً "عدد كبير من المدراء يحاولون إعاقة الفتيات المغتربات وكأن سعيهن وراء حلمهن بات جريمة تدفعن ثمنها، ومنهم من يتحدث بفجاجة معهن، ويفرض عليهن إما القبول بالمتاح أو ترك العمل لأخريات".

ولفتت إلى أن حراس المساكن أنفسهم قد يتعمدون الإساءة لسمعة الفتاة من أجل التخلص منها لصالح مستأجر آخر خاصة إن كان اختيارهم واقع على الأثرياء، لذلك بات هناك عبء آخر على الفتاة يكمن في "إرضاء البواب" كي لا تقع فريسة لنيران أحاديثه الجانبية حول سلوكها.

 

 

يجب مواجهة المجتمع برفض الأفكار الرجعية

من جانبها أوضحت أميرة قمر، أن تجربة الغربة "مريرة"، فهي مغتربة منذ نحو الـ 10 أعوام، معتبرةً أن مجرد إيجادها سكن مناسب أمر صعب وسط مجتمع لا يرى في استقلال الفتيات عن أسرهم أمر تقليدي وكأنه تمرد على أفكاره لذلك قد يحاربه بكامل طاقته.

ولفتت إلى أنها تلمس تغير نسبي في قبول فكرة تحمل الفتيات للمسؤولية وسكنهن بعيداً عن أسرهم، مؤكدة أن معاناتها بالنسبة للسكن انتهت منذ فترة بعد استقرارها، معتبرة أن الاغتراب أفادها إلى حد كبير لأنه جعلها تعتاد على تحمل المسؤولية منفردة وتخطي العقبات دون تدخل الأهل حرصاً على عدم قلقهم.

وأشارت إلى إن الاغتراب قرار شخصي تعتز به وفخورة لكونها تمكنت من تحقيق جانب من أحلامها بفضل ذلك الاختيار، لأن ظروف سكن الأهل بعيداً عن العاصمة أمر خارج عن الإرادة وقد يحول دون قدرة الكثيرات في الوصول لأهدافهن، مؤكدةً أن المرأة لا تقل عن الرجل في القدرة على تحمل المسؤولية كاملة، والفرق الوحيد قد يكمن في نظرة المجتمع لهم.

وأكدت على أنها لم تعد تتأثر بما يثار حولها من أقاويل وأنها محظوظة بدعم أسرتها لها لأن هناك الكثيرات تتحملن عبء زيارة ذويهن فقط تحسباً لما سيلاقونه من أهوال الألسنة حول تأخر سن الزواج أو الاغتراب قائلة "وكأن الفتاة سلعة معروضة وستحرم من العروض التقديرية المناسبة نتيجة اغترابها".

وأشارت إلى إن الكثير من الفتيات قد تعانين من ضغوط في العمل لأنهن أكثر احتياجاً، ولكنها في تجربتها الشخصية لا تسمح بذلك على الإطلاق مرجعة ذلك لظروفها الخاصة فهي لا تروي لأحد عن حياتها الشخصية كي يتم استغلالها كنقطة ضعف تبتز بها.

وأوضحت أن المجتمع بحاجة لمواجهة لأنه رغم الانفتاح الظاهري إلا أنه لا يجد النساء كاملات بدون الرجال أو الزواج على وجه التحديد، لذلك على الفتيات أن تفتخرن بمعافرتهن وسط تلك الظروف القاسية "الوضع لن يتغير إلا بالمواجهة وانتزاع الحقوق برفضهن للأفكار الرجعية والنظرة الدونية للمغتربات".

 

 

ومن جانبها أكدت الناشطة النسوية فاطمة عادل "اسم مستعار"، أنها خضعت في بداية عملها لعدد ليس بالقليل من حيل الابتزاز سواء كان بالضغط المادي أو الانتهاك الجنسي "بعض أصحاب الأعمال يرون أن الفتاة المغتربة مشاع لهن ومن حقهم الضغط عليها لأنها ستقبل بالمعروض عليها خوفاً من انتزاعه منها"، لافتةً إلى أنها تعرضت لاعتداءات جنسية في واحد من أماكن العمل التي تركتها والأمر أفقدها الثقة في الجميع لفترة".

وأوضحت أنها لم تعد تستطيع السير في الشارع أو التعامل مع المحيطين بها بسبب تجارب سابقة متعلقة بالتحرش جعلتها ترتبك بمجرد التواجد وسط عدد كبير من الناس، وقد يخيل لها أنهم يمسكون بجسدها "أخضع للعلاج النفسي وأحتاج وقتاً للتعافي ومجتمعي المحيط أثر على حياتي بل وإدراكي لحقيقة ما يحدث حولي".

والتمييز في فرص استئجار السكن واحد من أكبر الأزمات التي تواجه الفتيات المغتربات وذلك لأن المُلاك يرفضون منحهن الشقق، وذلك فقط لأنهن فتيات اضطرتهن الظروف للسكن بلا أسرة فبتن "مرفوضات" من مجتمع سيطرت على أفكاره ثقافات وعادات بالية.