كيف تؤثر تنشئة الأطفال على قراراتهم وسلوكياتهم؟
واحدة من أعقد المشاكل المجتمعية تجاهل تربية الأطفال في الفترة الأولى من حياتهم، وعدم إدراك حجم تأثيرها على سلوكياتهم في المستقبل خاصة ذات الطابع العدواني والعنيف منها.
أسماء فتحي
القاهرة ـ ارتفعت في الآونة الأخيرة معدلات العنف في الشارع وهو الأمر الذي اقتضى البحث والتدقيق ودراسة أسباب ذلك، وعدد ليس بالقليل من المختصين أكدوا أن الأزمة تكمن في الفترة الأولى من حياة مرتكبي الجرائم، وما حدث لهم في أسرتهم الأولى التي استقبلتهم وهو ما انعكس بالتبعية على ممارساتهم تجاه الآخرين في المستقبل.
اهتمت السينما المحلية والأجنبية بطرح تأثير التربية على الأطفال وكان أشهرها فيلم "انفصام Split" الذي عرض في شباط/فبرير عام 2017، واستعرض الفيلم تأثير الرواسب التي تتراكم في نفوس الأطفال والتي تصل للذروة بقدوم الوحش والتحول الفعلي في جسد البطل بشكل غير إنساني في نفس القطار الذي تركه الأب فيه لأمه التي كانت تعنفه، بل ويؤكد أن أولى الشخصيات تكونت في سن الثلاثة أعوام وهو أمر قد لا يتفهمه الكثير من الأهالي حول تأثر الأطفال من سن مبكر للغاية بما يتم ممارسته معهم سواء بتصدير التعنيف لهم في التربية أو الأفكار والمعتقدات وأن جميعها تتم ترجمتها في أفعال قد تصل لحد الجريمة الكاملة كما حدث في الفيلم الأمريكي الذي جعل رابطة الطب النفسي الأمريكية تعترف بانتشار هذا المرض فعلياً وتؤكد علمياً على واقعية ما جاء به من ممارسات.
عدم الاهتمام بالتربية السليمة يخلق أشخاص غير أسوياء
أكدت الاستشارية النفسية واستشارية تحليل المشاعر والصدمات الدكتورة رشا درغام، أن علم التنشئة والتربية لا يجد اهتمام مجتمعي سواء في مصر أو غيرها من الدول.
وأوضحت أن الواقع بات بحاجة لدعم صور التربية السليمة لأن إهمال هذا الأمر يترتب عليه الكثير من المشاكل النفسية التي تترجم مستقبلاً على شكل جرائم ومشاكل اجتماعية يعاني منها المجتمع حتى الآن.
وبينت أن هناك تمييز وعنصرية تتراكم في سلوكيات الأطفال بسبب تربيتهم على أسلوب المجتمع المحيط بهم وكأنها برمجة مجتمعية تكون منظومة معتقدات معينة تؤثر على الطفل في الكبر حينما يصبح مسؤولاً وتبدأ لديه منظومة الأحكام بشكل غير واعي ويتحول لمكنة أحكام مستمرة على نفسه والمجتمع ويصبح شخص ناقم على نفسه داخلياً ويسقط على نفسه وعلاقاته ويفشل في عمله وكل ذلك يعود للتربية.
وأشارت إلى أن هناك آليات للتعامل مع ذلك من خلال محورين الأول منهما خاص بالأطفال والذي يجب أن يتم البدء مع الآباء بالتوعية بشأنهم والدراسة وأسلوب التربية والتنشئة السليمة التي يمكنها أن تخرج طفل يضيف للمجتمع ولا يهدمه، والمحور الثاني يتعلق بذلك الذي بات حامل لأنماط في التمييز وسلوك غير سوي تأثراً بفترة تنشئته وفي هذه الحالة يجب الخضوع للتعديل السلوكي المعرفي من خلال جلسات أو محاضرات أو تدريبات نفسية معينة للإصلاح.
وبدورها قالت المحامية في الاستئناف العالي ومجلس الدولة، وعضو مؤسس في جمعية مريت نيت للتنمية المستدامة نيرمين عيسى، أن هناك مشكلة كبيرة تتعلق بتربية الأطفال في مختلف أنحاء مصر وعادة ما يكون لهم دور في تصنيف النساء ووصمهم بفعل تأصرهم بالبيئة التي تربوا فيها.
ولفتت إلى أن صناع القرار والمسؤولين وعدد ممن يعتلون مواقع مؤثرة في المجتمع كانوا أطفالاً وتأثروا بما تمت تربيتهم عليه من أفكار ومعتقدات تؤثر على تصرفاتهم وردة فعلهم تجاه المرأة سواء كانت زميلة عمل أو طالبة خدمة أو في أي موقع آخر يمكن من خلاله أن يمارس عليها سلطته.
وبينت أن الكثير من الأزمات والوصم تعود لفترة التربية الأولى فالنساء لا ترغبن في أكثر من مجتمع آمن خالي من العنف والوصم، ولكن ذلك بات حلم بعيد المنال في ظل المعتقدات الخاطئة التي يتم تربية الأطفال عليها والتي تخلق منهم رجال غير أسوياء في تعاملهم مع أسرهم ومحيطهم الضيق وأماكن عملهم أيضاً.
وترى أن مسألة التركيز مع الأطفال أمر مهم دون أن يتم الاستهتار بما يتم غرسه فيهم من أفكار ومعتقدات لأن تأثيرها المستقبلي بالفعل كارثي على مختلف المستويات.
وأكدت أن هذا الوضع يقتضي عدد من التدخلات تبدأ من المدارس والجامعات بتوفير أخصائيين نفسيين للتعامل مع السلوك الغير سوي، فضلاً عن عقد الكثير من التدريبات في المدارس وأيضاً للأسر نفسها من أجل التوعية بسبل التربية الحديثة حتى يتم تجاوز الأمر وخلق جيل يضيف لمجتمعه ويساهم في تطويره والارتقاء به، وهو الأمر الذي بدوره يساعد في تقليل حجم الجريمة بل ومنعها.
وحول عدم الاهتمام بهذا الملف في العمل العام، ترى أن هناك الكثير من الملفات التي يوليها المجتمع المدني اهتمامه وإن مسألة التنشئة ودور الأسرة الأولى رغم أهميته لا يجد الاهتمام الذي يستحقه على مستوى النقاش وأيضاً العمل الميداني وهو أمر هام يحتاج لإعادة النظر به حتى يتم علاج الخلل به وتفادي الجرائم والكوارث مستقبلاً.