كيف ترى النساء تجربة الختان ومدى تأثرهن بها؟

هناك العديد من الأسباب التي تجعل المجتمع يقاوم منع ممارسة الختان، ورغم ما تم فرضه من عقوبات على مرتكبيه، إلا أن الآباء والأمهات يرون أنه ضرورة ولا يمكنهم التوقف عن ممارستها، وهو الأمر الذي أحبط الكثير من المتهمين بالملف.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تجربة مريرة محملة بالألم تلك التي تتعلق بتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، ويمكن القول إن تأثيرها ممتد طوال الحياة وتستحوذ على الجانب الأكبر من الذاكرة التي لا تتغير بمرور الوقت، بل أنها دفعت الكثيرات لرفض الزواج ونتج عنها الخلل في علاقتهن بالأزواج وغير ذلك من التبعات التي يمكننا التأكيد على أنها الأعقد والأعمق وتحتاج لوقت وجهد من أجل معالجتها.

هناك الكثيرات تعانين داخل جدران الأسر في صوامع مغلقة عليهن ولا تستطعن البوح عما تتعرضن له من آلام جراء تلك الممارسة التي تنال من حقوق النساء الإنسانية وتجعلهن تعانين لسنوات طويلة دون أن تدركن أن هناك عنف جسدي مورس عليهن في الصغر وأثر في تكوينهن الذاتي سواء من حيث الجسد نفسه أو الحالة النفسية التي تبقين عليها لسنوات طويلة.

"عانيت سنوات ولا أقبل بفكرة الزواج وأعاود طبيباً نفسياً أخبرني أن الأزمة تعود لواقعة الختان" هكذا بدأت سالمة. ج حديثها، لافتةً إلى أنها بقيت لسنوات طويلة ترفض الزواج ولا تلتقي حتى بمن يتقدمون لأسرتها حتى تراهم وتحاورهم.

وأوضحت أنها لسنوات طويلة تخبر من حولها بعد تجاوزها سن الثلاثين أنها لم تجد شخصاً يناسبها ولكنها فوجئت بعد عدة جلسات مع طبيبها وروايتها لأبرز المحطات التي يقف عقلها عندها أنها فريسة تلك المخاوف المتعلقة بالختان، لافتةً إلى أن والدها كان شديد القسوة وكان لديه إصرار غير طبيعي على تختينها في الصغر بالرغم من أن أمها بكت كثيراً وكانت خائفة من عدم قدرتها على تحمل الألم لأن جسدها كان نحيل للغاية.

وأكدت أنها اكتشفت مخاوفها وهروبها من الزواج ورائه سبب آخر بعدما ارتبطت بزميل عمل لها وكان بالفعل مناسب وتتوفر لديه كافة تطلعاتها ولكنها قبل الزواج بشهرين قررت تركه دون سبب يذكر، والآن تدرك أن السبب في ذلك تأثرها بعملية الختان وتحاول التعافي من الأمر بزيارة عيادة الطبيب النفسي متأملة تجاوزها، لافتةً إلى أن الختان جريمة تنال من النساء وتقهرهن وقد يتم تناسيها ولكنها تحرك الكثير من المخاوف وتظل وراء عدد كبير من السلوكيات والأمراض الجسدية والنفسية ومسألة الارتباط والعلاقة الحميمية.

النساء في مختلف الأعمار يتذكرن تفاصيل عملية الختان

لا تنسى النساء في مختلف الأعمار ما حدث لهن في طفولتهن وتحديداً ممارسة الختان، وتروي ليلى ممتاز (اسم مستعار) قصتها وهي في عمر الـ 62 عام قائلةً "كنت سعيدة حين أخبروني بأنه سيتم ختاني، لأنهم أوهمونا بأنه سيكون بإمكاننا ممارسة الكثير من الألعاب التي حرمنا منه".

وأوضحت أنها مازالت تتذكر كل شيء نظرات الخوف في عين والدتها الممزوجة بالدموع بين الفرح والخوف والقلق ومحاولة عمتي وزوجة عمي تقويتها ونظرات من حولي، وتلك الداية التي أتت ومعها أدوات مخيفة وبعض البنج الكاذب لأني أشعر بالألم حتى اليوم.

وبينت أن الجهل واحد من أسباب الاستمرار في تلك الممارسة "الجميع يختن أطفاله خوفاً من المحيطين بهم، فالفتاة الغير مختنة يرونها سيئة السمعة ولا يتم القبول بها زوجة والأمر يحتاج لوعي أوسع ونماذج غير مختنة لتصبح قدوة، فأنا لم أستطيع منع زوجي من تختين بناتي وخفت أن اتمسك بالأمر فيخرجن عن طاعتنا كما قالو لنا".

وبينت مديرة برنامج الحقوق الصحية والإنجابية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية ماجدة سليمان أنها أثناء الحلقات النقاشية والحوارية التي تمت مع النساء لمست حجم تأثير تلك الجريمة عليهن، مؤكدةً أنهن لن ينسوا ما حصل معهن بكامل التفاصيل والمشاعر وكأن الأمر يحدث اليوم رغم أن الأعمار متفاوتة بين 40 و50 و60 عاماً.

وكشفت أن عدد من النساء أكدن في اللقاءات التي أقيمت معهن، أنهن سيسمحن بتلك الممارسة على طفلاتهن وذلك لتصديقهن في عدد من الادعاءات، ومنها العفة والشرف والنظافة الشخصية، فضلاً عن الحرج الشديد والخوف من الرفض وغيرها من الأمور التي أكدن أنها أكبر من قدرتهن على المغامرة.

المجتمع لديه تفاوت في قبول الممارسة ورفضها

المجتمع يتعاطى مع قضية الختان وما يتم طرحه بشأنها ووجهات النظر تتباين حوله، فهناك بالفعل الكثير من الأسر التي قررت عدم تختين فتياتهن حرصاً على أجسادهن ومستقبلهن ولحمايتهن من عواقب تلك الممارسة بعد التعرف على أضرارها.

بينما هناك أسر أخرى ترى الختان ضرورة حتى يتم قبول فتياتهن مجتمعياً ولا يتم وصمهن من حين لآخر وللأزواج أنفسهم دور في مثل هذا القرار فالبعض بات يرفض ويقبل الزوج من الفتاة بحسب قيامها بعملية الختان من عدمه.

وأشارت ماجدة سليمان إلى أن النموذجين موجودين فقد استقبلت استفسارات من النوعين، مبينة أن هناك شباب قرأوا أكثر ويشترطون عدم الزواج من فتاة تعرضت للختان لخوفها من العلاقة وضعف رغبتها فيها، وغير ذلك من الأمور، بينما هناك آخرون يرفضونها خوفاً على الأسرة في حال السفر ويربطون بين ذلك ومسألة الشرف والعفة وفرط الشهوة وغير ذلك.

وأضافت أن الشباب بحاجة أكبر لتوعية جنسية علمية لتكون الصورة أوضح وحتى يتمكنوا من تحري الدقة في تلك المسالة، معتبرةً أن المبررات التي يسوقها المجتمع أغلبها ضمن الشائعات وتحتاج لإعادة تصويب.

تنمية الوعي أحد أهم الحلول الممكنة للتعامل مع ظاهرة الختان

ترى ماجدة سليمان أن أحد أهم الحلول يرتبط برفع وعي المجتمع، وهو أمر يلقى على كاهل منظمات المجتمع المدني التي عليها الوصول للبؤر المختلفة لمناقشة الأمهات في تخوفاتهن تجاه تختين الإناث.

وأكدت على أن الختان مرتبط بالمرأة منذ الولادة حتى نهاية حياتها ومرتبط بشكل رئيسي بالعادات والتقاليد ويخضع لأمرين أحدهما يتمثل في جهل النساء بحقوقهن في أجسادهن والآخر يتمثل في الحرج الشديد من الحديث عن هذا الأمر على وجه التحديد.

وشددت على ضرورة عمل النساء على أنفسهن وتمكينهن من التعرف بدقة على حقوقهن وسبل حماية أنفسهن فهو أمر ضروري فضلاً عن ضرورة تضمين المناهج الدراسية لتأصيل علمي لتلك الجريمة وتكريس رفضها في وعي الأطفال بمراحلهم التعليمية المختلفة.