كريمة عيجو: اختلافي سبب نجاحي

تحدت نظرة المجتمع السلبية وتشبثت بحلمها، فولجت سوق العمل، بهدف إثبات ذاتها لتقول لكل من يرى اختلافها الجسدي "أنا هنا، قادرة على تحدي الصعاب رغم قصر قامتي

حنان حارت 
المغرب ـ "، إنها الشابة المغربية كريمة عيجو، التي لا يتعدى طولها متراً وثلاثين سنتمتراً فقط. وهو الطول الذي يكون لدى الفتاة في سن التاسعة، استطاعت أن تحصل على عمل في وحدة فندقية.  
تروي كريمة عيجو (30) عاماً من مدينة مراكش، لوكالتنا "وكالة أنباء المرأة"، قصة نجاحها، وكيف أن التنمر الذي كانت تتعرض له في الصغر والنظرات السلبية خلال رحلة البحث عن عمل لم تؤثر على شخصيتها، تقول بنظرة تفاؤل وأمل "رغم قصر قامتي إلا أني متقبلة لحالتي ومتصالحة مع نفسي، وأفتخر بذاتي، فلم أتنازل يوماً عن أحلامي، فاختلافي سبب نجاحي ووصول إلى ما أنا عليه اليوم".
وتقول "والدي وشقيقاتي قامتهم عادية، ولا يوجد أي فرد من عائلتي يعاني من نفس حالتي، فالأطباء أخبروا والدتي عندما كانت حبلى بي، بعد إجراء العديد من الفحوصات أني أعاني من مشكلة في رجلي بحيث تبين أنهما قصيرتين للغاية، ورغم أن الأطباء أخبروا والدي أنه يمكن إجراء عملية تطويل الأطراف، إلا أنه مخافة أن يكون لذلك عواقب على صحتي مستقبلاً، لم يتم إجراء العملية، وتعاملا مع هذا الاختلاف بشكل طبيعي".
تعود كريمة عيجو بنا إلى مرحلة الدراسة، فتقول "درست مع تلاميذ في مثل سني بشكل، إلا أنني كنت أتعرض للتنمر من طرف أقراني بسبب قامتي القصيرة"، تضيف "لو كنت أعير اهتماماً لما يقوله الناس ولتعامل الأطفال معي خلال هذه المرحلة من حياتي، ولو أقنعت نفسي بأن الكل يضحك عليَ لأني قصيرة قامة ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، لما أكملت دراستي، النظرات السلبية لم تحطمني ولم تجعلني أفكر في الانعزال، بل كانت حافزاً لي نحو النجاح".
وتسترسل في حديثها "كنت متفوقة في دراستي، لقد مرت مراحل الدراسة، ولم أرسب أبداً، اجتزت مرحلة الابتدائي والإعدادي والثانوي، وخلال كل عام كنت أتمسك بأحلامي وأتجاوز نظرات المجتمع السلبية"، تمضي كريمة عيجو قائلة "خلال سنة 2008 حصلت على شهادة البكالوريا، بتصنيف جيد، وكنت جد فرحة بهذا الإنجاز الذي كان يمثل لي أول درجة في سلم نجاحي بالحياة".
وبابتسامة تقول "بعد حصولي على شهادة البكالوريا، بدأت أبحث عن شعبة تتماشى مع قصر قامتي؛ يعني أنه بعد التخرج أستطيع الحصول على وظيفة أتمكن من ممارستها بدون أي ضرر على صحتي، لهذا اخترت شعبة تسيير المقاولات، في هذه المرحلة بدأت عزيمة فرض ذاتي تكبر لدي".
وتضيف "بعد التخرج، بدأت رحلة البحث عن عمل في القطاعين العام أو الخاص، هنا واجهت صعوبات كثيرة وكانت النظرات السلبية والملاحظات على قصر قامتي حاضرة بقوة، فرغم قوة شخصيتي إلا أن ما واجهته في بدايات رحلة البحث عن عمل أثر في نفسيتي لكن لم يجعلني أتراجع".
تقول كريمة عيجو إن أول مقابلة عمل في حياتها واجهتها بصبر وزادتها النظرات السلبية والرفض، طموح وإصرار كبيرين، "راسلت إحدى المقاولات بهدف الحصول على عمل، وأرسلت ملفي وسيرتي المهنية، وتم الاتصال بي، وعندما ذهبت إلى الموعد المحدد، التقيت بالمسؤول عن قسم الموارد البشرية، بعد التعريف بنفسي، لمحت نظرات الدهشة، فأخبرني صراحة أنه يعتذر مني، وأنه لا يمكن توظيفي لأني قصيرة قامة، وتمنى لي حظاً موفقاً، عندما خرجت بكيت كثيراً، لكني استجمعت قواي وعدت إلى منزلي".
هذا الموقف لم يجعلها تتراجع، بل كان دافعاً إلى محاولات أخرى، "راسلت مؤسسة أخرى وتم تحديد موعد لي، لكن للأسف عندما ولجتها، انتظرت لوقت طويل في قاعة الإنتظار، وبعدها اتصل بي الشخص الذي حدد معي الموعد قائلاً لي إنه يعتذر مني لأنه غير متواجد بالمؤسسة، لكونه لم يتمكن من الحضور لظروف خاصة به، وهكذا عدت أدراجي، فرغم خيبة الأمل كنت واثقة أنني سأتمكن من الظفر بعمل يتناسب مع قدراتي، وأنني سأجد من يؤمن بكفاءتي".
تضيف كريمة عيجو بابتسامتها التي لا تفارق محياها "في سنة 2013، ابتسم لي الحظ، حيث راسلت مؤسسة فندقية في مدينة مراكش، وتم تحديد موعد المقابلة، ولم ألاحظ أي نظرات سلبية في وجوه كل من قابلني، وتم قبولي في عمل "مدخل بيانات"، واستطعت فرض ذاتي وبت محبوبة لدى الجميع، كان يتم تكليفي بمهمات صعبة وكنت أنجزها بكفاءة عالية".
تزاول كريمة منذ سنة ونصف، عملها عن بعد بسبب جائحة كورونا، التي دفعت بالعديد من الوحدات الفندقية في المغرب إلى تقليص عدد الموظفين، واستدعائهم للعمل في المكاتب إلا في الضرورات القصوى، وخلال وقت فراغها تحاول إنهاء بعض أعمال البيت. 
تختتم كريمة عيجو حديثها بالتأكيد "لقد أتبث لنفسي وللمجتمع أن الإعاقة والاختلاف الجسدي، ليس مبرراً للفشل، وأن العنوان البارز في حياتي هو إرادة وعزيمة".