كريمة الحفناوي: مساعدة النساء على رفض العنف بمختلف صوره تبدأ بحماية بيانات الضحايا والمبلغين

أزمة تداول بيانات الضحايا والمبلغين في وقائع العنف المختلفة سواء كانت تحرش أو اغتصاب أو هتك عرض أو اعتداء أسري جعلت الكثيرات يخشون البوح بمعاناتهن وهو الأمر الذي يحتاج لوقفة جذرية وحسم لهذا المشهد المؤذي للنساء.

أسماء فتحي

القاهرة ـ عانت الكثيرات خلال الفترة السابقة من حملات تشويه السمعة على إثر اتخاذهن قرار بالتبليغ عما تعرضن له من اعتداءات سواء في الشارع أو العمل أو المنزل، وهو الأمر الذي طالت تبعاته أطفالهن وأصدقائهن وأغلب المحيطين بهن وليست الضحية وحدها.

تلك الأزمة ليست فردية أو حدث عرضي ولكنها نتاج موروث قديم لمجتمع داعم لتعنيف النساء، ولا يرى أية غضاضة في الاعتداء عليهن، ويبحث عن آلاف المبررات ليس للأهل الممارسين لتلك الاعتداءات تحت شعار "التربية وتقويم السلوك" ولكن أيضاً للمجرمين الذين وصل اعتدائهم لحد القتل ووجدوا من يبرروا لهم أفعالهم.

والفترة الأخيرة كانت قاسية للغاية خاصةً مع استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لصالح المجرمين، وعمل صفحات مخصصة لدعمهم في تشويه سمعة ضحاياهم وإن كانوا موتى، وهو الأمر الذي استدعى النظر في نتائج حماية البيانات الشخصية للضحايا والمبلغين ومنع تداولها إعلامياً إن لم يكن لها تأثير على سير القضايا.

 

محاولات لمنع تداول بيانات الضحايا والمبلغين

العمل على منع تداول بيانات الضحايا والمبلغين ليس وليد اللحظة، ولكن هناك عدد من القضايا فرضت طرحه على ساحة النقاش والجدال المجتمعي تصاعد للذروة مع القضية المعروفة إعلامياً بـ "الفيرمونت" والتي نال الخوض في تفاصيلها من حياة الكثير من الضحايا وأثر على مستقبلهم وذويهم بل وعلى مسار التقاضي نفسه.

وسعت المؤسسات النسوية بل والمجتمع المدني بشكل عام، للعمل على هذا الملف محاولين حفظ بيانات المبلغين والضحايا بهدف حمايتهم مما قد يلحق بهم من ضرر بعد التعرف على هويتهم بل ونشر صورهم وتفاصيل حياتهم الخاصة التي تؤثر سلباً في مجريات القضاياً من خلال توجيه الرأي العام الضاغط بقوة فيها.

كما قام المجلس الأعلى للإعلام بنشر كود الضوابط الأخلاقية الخاص بالعمل على أخبار الجرائم والتحقيقات في التغطية الإعلامية والصحفية، ووضع به مجموعة من المحاذير الواجب مراعاتها من أجل أداء أفضل وأكثر إفادة للمجتمع.

وكان النصيب الأكبر لجرائم الشرف والعلاقات الزوجية حيث اشتمل الكود على ضرورة الحذر في التعامل معها وما قد يرتبط بها من تفاصيل لا أهمية من البوح بها أو نشرها، والتحذير من  نشر صور وأسماء ضحايا جرائم الاغتصاب أو التحرش، مع الحذر عند نشر أخبار الجرائم التي قد تسبب خلافات مجتمعية أو يترتب عليها مشاكل قبلية أو طائفية، فضلاً عن عدم نشر خطاب الكراهية أو ما يشجع عليه.

 

منع تداول بيانات الضحايا والمبلغين يحميهم وذويهم

قالت عضو الجبهة الوطنية لنساء مصر كريمة الحفناوي، أن حماية الضحايا وبياناتهم خطوة هامة في مسار قضايا العنف بشكل عام، مشيرةً إلى أن هناك إحصائية صادرة عن الأمم المتحدة تقول أن كل 40 معنفة بينهن 10 فقط يمكنهن أن تتحدثن عن تعرضهن للعنف وواحدة فقط منهن من يمكنها تقديم بلاغ.

واعتبرت أن عدم التبليغ بالأساس ناتج عن الخوف من وصم المجتمع للنساء نتيجة التقاليد والثقافة السائدة، لافتةً إلى أن الأزمة تكمن في فضح المبلغات بشكل عام وما سينال أسرتهن من اتهامات ويلصق بها من وصم، فضلاً عن التعامل داخل أقسام الشرطة والضغط في بعض الأحيان عليهن من أجل التصالح.

وأكدت على أن العمل على هذا الملف من مختلف الجهات المعنية بالأمر يؤدي إلى زيادة عدد المبلغات لضمانهم سرية البيانات والمعلومات وعدم تعرضهم للتشويه كما هو الحال خلال الفترة السابقة، فضلاً عن مساعدته في منح قدر من الحقوق المسلوبة، وكذلك تنفيذ القانون وفاعلية تأثيره الرادع للمعتدين.

 

الانتهاك متعمد ومخالف للدستور ويستوجب إيقافه

وشددت على أنه لا يجوز التلصص على المساحات الشخصية فهذا مخالف لحقوق الإنسان كما أنه مخالف للدستور، لافتةً إلى أن هناك الكثير من القوانين التي تحمي المواطن، فضلاً عن منع التعرض للأشخاص وانتهاك مساحتهم الشخصية، مؤكدة أن هذا لا يعد تحجيم من حرية الصحافة أو مساحاتها.

ولفتت إلى أن تداول المعلومات يجب أن يكون مرتبط بأهمية ما يثار وفاعليته في القضايا أو تأثيره على الرأي العام بالإيجاب، بدلاً من العمل على إثارة البلبلة والقيام بأدوار ليست من اختصاص الإعلام كالبحث والتحري في الوقائع فهذا له مختصين به من شرطة وجهات تحقيق.

 

الفرصة الآن مواتية للحفاظ على الكرامة والتبليغ عن أي انتهاك

وناشدت كل امرأة تعرضت للاعتداء أن تبلغ عما حدث معها، مؤكدةً أن كل من لها حق قطعاً ستحصل عليه، معتبرةً أن الفرصة بعد منع نشر بيانات الضحايا والمبلغين باتت مواتية ومساندة وداعمة لكل امرأة لا ترغب في التفريط بكرامتها وتسعى لنيل حقوقها.

وأشارت إلى أن الخلاص من قضايا العنف يتمثل في مواجهة المعتدين لذلك فالتبليغ أولى الخطوات في مسار المجتمع الذي يجب أن يتكاتف جميع أطرافه لمواجهة كل من ينتهك حدود الآخر به محاولاً إرهابه أو تعنيفه أو كسر سلامه وأمانه الشخصي أياً كانت وسيلته في ذلك.

وشددت الدكتورة كريمة الحفناوي، على أن انتهاك خصوصية الآخر وإن كان تحت غطاء العمل الإعلامي هو اعتداء من نوع آخر على القيم والأخلاق، لافتةً إلى أن الضرورة باتت تقتضي تقنين الإبداع المدمر من الجهات المعنية بالتعامل مع الرأي العام.