"كن هادي" رسالة توعوية للشباب حول السلامة المرورية

لم يكن رحيل هادي سهلاً على عائلته ولكن العائلة لم تترك ذكرى ولدها يذهب سدىً، بل قررت أن تكون وفاته رسالة لشباب من سنه غدرت بهم طرقات الحياة وخطفت زهرة شبابهم

كارولين بزي
لبنان ـ .
وتحدثت لوكالتنا رئيسة جمعية "كن هادي" لينا جبران عن سبب افتتاحها للجمعية والنشاطات التي قدمتها، وأنجازاتها. 
 
"كن هادي تستهدف فئة الشباب"
وقالت لينا جبران، "كن هادي، جمعية للتوعية بالسلامة المرورية، تأسست في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2006، بعد وفاة ابني هادي بحادث سير".
وأضافت "كن هادي تعني كن هادئ خلال قيادتك لسيارتك، وهي تحمل اسم هادي كذكرى له، بعد مرور أربعين يوماً على وفاته قررت مع أصدقائه تأسيس هذه الجمعية ليكون هادي رسالة لغيره من الشبان، عندما بدأنا بالجمعية أجرينا عدداً من الأبحاث لنرى من هي الفئة التي يجب أن نتوجه إليها وما الذي يجب أن نقوم به، وجدنا أن الفئة العمرية بين 15 و29 عاماً هي التي تسجل أعلى نسبة وفاة بحوادث السير، علماً أننا نتوجه للجميع ولكن هدفنا الأساسي هو الفئة الشبابية، ولكي نجعل هذه الفئة تستمع إلينا حاولنا أن نتحدث بلغتهم، مثلاً: انطلاقة الجمعية كانت بتوزيع صور لهادي على 600 لوحة إعلانية على الطرقات من الشمال إلى الجنوب، يتوجه فيها هادي لغيره من الشباب بعبارة "خسرت حياتي ما تخسر حياتك كون قبضاي وسوق على مهلك". 
وتابعت "بما أنّ فئة الشباب متواجدة في المدارس والجامعات ركّزنا اهتماماتنا ونشاطاتنا عليها بالإضافة إلى تعاوننا مع البلديات والكشافة والصليب الأحمر، نظّمنا محاضرات توعوية لمن هم فوق الـ 16عاماً، ووجدنا أنّ التوعية يجب أن تكون لمن هم دون الـ 16 عاماً لذلك توجهنا إلى الفئة العمرية ما بين 11 و13 عاماً، وأخيراً نظّمنا محاضرات لمن هم بعمر الست سنوات". 
وأضافت "حاولنا أن نصل إلى أكبر شريحة ممكنة من الشعب اللبناني وفي مختلف المناطق حتى النائية منها إن كان عبر اللوحات الإعلانية، أو الإعلانات التلفزيونية إذ صورنا نحو 45 فيلماً قصيراً مدة كل واحد منهم عشرين ثانية عن قانون السير اللبناني، وتمّ تصوير هذه الأفلام بطريقة سهلة وقصيرة وخفيفة لكي تصل الرسالة للجميع ويتعرف من خلالها المشاهدين على قانون السير".
 
"تاكسي نايتس فكرة فريدة من نوعها"
لطالما كان تناول الكحول من الأسباب الأساسية لحوادث السير المميتة ولاسيما عند فئة الشباب، قالت لينا جبران عن ذلك "لم نسعى إلى منع الشباب من السهر بل ابتكرنا سهرةً بعنوان "تاكسي نايتس" والمبدأ من هذه السهرة أنّه إذا أراد أي فرد أن يحضر، عليه أن يحضر بسيارة أجرة لا بسيارته، إذ شملنا من ضمن أسعار تذاكر الحفل أجرة التاكسي لكي تأخذ الفرد من منزله وتعيده إلى البيت، وذلك بهدف نشر ثقافة أنّه عندما تسهر وتشرب عليك اللجوء للتاكسي لا القيادة، الفكرة كانت فريدة من نوعها في العالم، وتطور عدد الحاضرين كثيراً ففي أول سهرة حضر نحو مئة شخص وهم أصدقاء هادي لتشجعينا على هذا النشاط، وفي آخر سهرة قبل انتشار وباء كورونا حضر إلى الحفل 1200 شخص".
وأضافت "حتى القوى الأمنية استلهمت هذه الفكرة منا، إذ كنا في كل عام في ليلة رأس السنة نقدّم سيارات أجرة للناس الذين يتواصلون معنا، ولكن ثمة من لم يحبّذ الفكرة فاقترحنا عليهم أن يحضروا حفلات رأس السنة بسياراتهم ولكن عند عودتهم كنا نطلب لهم سيارات أجرة لتعيدهم إلى منازلهم وفي اليوم التالي تأخذهم سيارة الأجرة لإحضار سياراتهم، وهو ما اعتمدته القوى الأمنية لاحقاً في ليلة رأس السنة إذ عند وصول أشخاص تناولوا الكحول إلى الحاجز كانت تطلب لهم سيارات أجرة، حتى أن ذلك شجع شركات سيارات الأجرة التي أصبحت تقدم أسعار مخفضة في المناسبات للمساهمة بخفض نسبة حوادث السير القاتلة لاسيما في ليلة رأس السنة".
 
"حملنا الأم رسالة توعوية لأبنائها"
تتطرق إلى تأثير الأم على أولادها، "نظّمنا نشاطات بمناسبة عيد الأمهات، وحمّلناهن المسؤولية في توعية أولادهن، وبأن تكون الأم صوت الوعي الذي يسمعه الشاب أو الشابة قبل أن يتركوا منازلهم، كما حثينا الأمهات على القيادة بطريقة هادئة وراقية لتكون قدوة لأولادها".
وعن النشاطات والإنجازات التي قامت بها الجمعية بهدف تأمين السلامة المرورية، قالت "قمنا بتأهيل خمس أوتوسترادات بعاكسات للضوء، 13 ممر آمن للمشاة أمام المدارس، بناء مطبّات ووضع إشارات السرعة القصوى وانتبه مدرسة، ولكي نجعل التلاميذ يتعرّفون إلى هدف هذه الرموز أمام مدارسهم، كنا ننظم محاضرات نوضّح فيها معنى الممر الآمن، كما وزعنا سترات السلامة العاكسة للضوء، وضعنا عشرة محطات استراحة من القيادة على الطرقات الرئيسية ممتدة من الشمال إلى الجنوب. وزعنا نحو ألف سترة للتلاميذ، وقبلها قمنا بتوزيع 1500 سترة على جميع السيارات من خلال حملات نظمناها في معارض شاركنا فيها".
ولفتت إلى أهمية هذه السترة ووجودها تحديداً في صندوق قفازات السيارة، وذلك في حال حصول أي عطل للسيارة على السائق أن يرتديها قبل النزول من السيارة ليعكس ضوء السيارات عليه خوفاً من دهسه عن طريق الخطأ.
وتابعت "وزعنا نحو ألف خوذة لعمال التوصيل الذين يعملون في المطاعم، و850 خوذة لعناصر القوى الأمنية، نظّمنا محاضرات عن أهمية الخوذة، وألقينا محاضرات حول القيادة الوقائية للشركات التي يعمل معظم موظفيها على الطرقات مثل موزّع الأدوية".
وعن طريقة تمويل الحملات، قالت "في لبنان لا يوجد ثقافة التبرعات، لذلك كنا نلجأ للشركات والمؤسسات ونطلب منهم أن يقدموا التمويل مقابل التسويق لهم كرعاة رسميين للنشاط".
 
"كن هادي الجمعية الوحيدة التي حصلت على شهادة الأيزو"
وتابعت "حصلنا على تمويل مرتين من الـUS AID  نحن كنا من أول الجمعيات التي وضعت ميزانيتها على الموقع الإلكتروني، كما أننا الجمعية الأولى والوحيدة التي حصلت على شهادة الأيزو، لأننا اعتمدنا منذ البداية المواصفات العالمية".
بعد وفاة هادي تغيّرت شخصية لينا جبران جذرياً أو ربما اكتشفت في نفسها شخصية أخرى مناقضة لتلك التي عايشتها على مدى سنوات، "كنت امرأة خجولة جداً، حتى والدتي تفاجأت بطلاقتي بالحوار وجرأتي وقوتي ومواهبي، كنت في كل مرة أتحضّر لأطل فيها عبر الإعلام أشعر بالخوف والقلق والتوتر، ولكنني بذلت مجهوداً كبيراً على نفسي وكان هدفي بأنني لا أريد لوفاة ابني أن تذهب سدىً وهذا ما أعطاني دافعاً. مثلاً: كنت أتابع كل اللقاءات التي أجريتها وأنتقد نفسي وأستشير كل من حولي لكي أعرف أين يجب أن أطوّر نفسي، واكتشفت مع انطلاقة جمعية "كن هادي" بأنني قوية وجريئة ولم يعد أي شيء يشعرني بالخجل".
وتابعت "تعلّمت قوانين السير وأجريت الكثير من الأبحاث وحضرت العديد من المؤتمرات العالمية عن السلامة المرورية، وحصلت "كن هادي" على جائزة من جمعيةBreak   في لندن على فكرة التاكسي نايتس علماً أننا كنا ننافس جمعيات عالمية".
لا تنكر لينا جبران أنّها واجهت تحديات مختلفة وحتى من جمعيات أخرى، وأكّدت أن التمويل كان صعباً جداً ففي البداية كان التمويل شخصياً أي من زوجها، علماً أنه يحق لـ "كن هادي" أن تحصل على تمويل من وزارة الشؤون الاجتماعية ولكن على مدى 15 عاماً لم تقدم الوزارة أي مساهمة للجمعية.
 
"كن هادي حفيدتي التي لا أريد أن تشوبها شائبة"
وتقول "نحن انطلقنا من حرقة قلب وشعرنا أنّ "كن هادي" هي ما نستطيع أن نقدمه لهادي، وأعتبر أنّ "كن هادي" هي ابنة ابني أي حفيدتي وكأن ابني راح وترك لي هذه الجمعية، وأنا بدموع العين قمت بتربيتها ولا أريد لأي شائبة أن تشوبها، كانت بركته موجودة في الجمعية وبكل نشاط نقوم به، ولكن بالتأكيد كنت مؤمنة بهذه القضية ولذلك استطعنا أن نؤثر في الآخرين ونجعلهم يثقون بنا".
وأوضحت "لطالما كانت المرأة تستخف بقدراتها ولكن عندما تكون أمام الامتحان تتفوق وتتحلى بالقوة، تحليت بقوة وجرأة ولم أتردد بلقاء أي شخصية معروفة ومهما كان مركزها وموقعها الاجتماعي أو السياسي".
وعن النشاطات الحالية في ظل الوضع الراهن قالت "لم نتوقف نهائياً عن نشاطاتنا ولكن تراجعت بسبب الوضع الصحي والاقتصادي والسياسي السيء، ولكننا نتعاون في هذه المرحلة مع عدد من الشركات إذ نقوم بتنظيم محاضرات توعوية عن القيادة الوقائية، نواكب المؤتمرات الافتراضية، وفي حال تم إعادة فتح المدارس سننظم محاضرات توعوية في المدارس".
 
"نسعى لتأسيس مركز لدعم أهالي ضحايا حوادث السير"
وتتحدث رئيسة جمعية "كن هادي" لينا جبران عن حلمها الذي لم تترجمه إلا بشكل معنوي لغاية الآن، قائلةً "لطالما كان لدينا هدف أنا وزوجي بأن نؤسس مركز لدعم أهالي ضحايا حوادث السير، إذ ثمة عائلات تنهار بعد وفاة أحد أبنائها، لغاية اليوم لم نستطع أن نجد تمويلاً لهذا المركز ولكن من دون أن أسعى، تلقيت اتصالات من أشخاص لمقابلة أهالي ضحايا حوادث السير في محاولة لمواساتهم والاستماع لهم وكأنني أعالجهم واستطعت أن أساعدهم بالفعل حتى أنني كونت صداقات معهم".
ولفتت إلى أنه "يصادف كل ثالت يوم أحد من شهر تشرين الثاني/نوفمبر اليوم العالمي لضحايا حوادث السير، علماً أنه لم يكن أحد يحييه أو يذكره في لبنان، ولكننا كجمعية بدأنا نحييه وأخذنا حديقة في سن الفيل وضعنا فيها أسماء ضحايا حوادث السير، نجتمع فيها كل عام ونطلب من الأهالي أن يستذكروا أولادهم بأشياء جميلة ومضحكة لا بذكريات محزنة".
تتحدث لينا جبران بشغف وحب عن الجمعية وعن ثقة الناس بها، قائلة "ما يسعدني أنّ الجميع أصبح يعرف "كن هادي" وكل الناس تعرف هادي"، مضيفةً "ربما اكتسبت ثقة الناس لأنهم لمسوا المصداقيّة التي أتحدث بها وأقدم ملاحظات مقنعة وعملية، بذلنا مجهوداً كبيراً لكي نكتسب هذه الثقة، ويحزنني اليوم أننا لا نستطيع أن نمارس نشاطنا المعهود".
وتعزو لينا جبران ارتفاع نسبة حوادث السير المميتة في المرحلة الأخيرة إلى عدة أسباب منها الغضب والانفعال بسبب الأزمات المتراكمة وكذلك إلى فقدان السيارات لشروط السلامة، قائلةً "لاحظنا في مرحلة الأقفال العام أن نسبة حوادث السير تراجعت ولكن حوادث السير المميتة ارتفعت نسبياً، ونعلم أننا في لبنان نعاني من عدة أزمات مجتمعة لذلك من كان يقوم بصيانة سيارته ويبدل الإطارات القديمة بجديدة في موعدها لم يعد يقوم بذلك إلا في حالات الضرورة القصوى، فالسيارات يجب أن تكون مستوفية شروط السلامة، بالإضافة إلى ذلك هناك تعطّل في إشارات السير في بعض المناطق، ولا يوجد أي إصلاحات للطرقات والبنى التحتية في حال حدوث حفريات بالطرقات، لذلك إذا قارنا بين حوادث السير ما قبل كورونا والأزمة الاقتصادية مع عدد السيارات على الطريق، نجد أنّ النسبة اليوم أعلى مقارنة بعدد السيارات".
وتابعت "نتوقّع مع الأزمة الاقتصادية أن تزيد حوادث السير ولاسيما المميتة منها بسبب السيارات الغير مستوفية شروط السلامة العامة، ولاسيما الإطارات".
وشددت على أنّ "لا يمكننا أن نبرر لمن يشعر بالغضب أن يقود بسرعة جنونية إذ على كل فرد أن يسيطر على غضبه ويبدأ من نفسه، فالسيارة كالمسدس يمكن لأي شخص أن يمسك المسدس ويقتل الناس، وكذلك قيادة السيارة بسرعة هي كأنك كالشخص الذي يمسك بيده المسدس ويقوم بإطلاق النار عشوائياً على الناس، إذ أنّ حادث السير يمكن أن يتسبب بمقتل السائق ومن حوله، ونحاول من هذا المنطلق أن نتواصل مع الناس، لأننا نعرف أن طرقاتنا غير صالحة للقيادة فمن غير المفترض أن نقود بسرعة. كل واحد منا عليه أن يبدأ بنفسه وبالتأكيد هذه النسبة ستكبر لاحقاً، وأعطي مثلاً: كن هادي بدأت كنقطة صغيرة ثم اتسعت لاحقاً وكبرت لأننا بذلنا جهداً كبيراً عليها".