"كالنار في الهشيم"... ينتشر التدخين بين أطفال إدلب دون رقيب

تنتشر ظاهرة التدخين بين الأطفال في إدلب بشكل ملحوظ في ظل غياب رقابة الأهل والمجتمع، وتحمل الظاهرة بين طياتها الكثير من المظاهر السلبية.

سهير الإدلبي

إدلب ـ لم تعد رؤية الأطفال المدخنين في إدلب أمراً غريباً مع تقدم الحرب السورية حتى عامها الحادي عشر وما رسبته من تداعيات أثرت بشكل سلبي على حياة الأطفال الذين تسربوا من مدارسهم واتجهوا للعمالة والجنوح والانحراف وسط غياب شبه كامل لرقابة الأهل والمجتمع.

تأسف الأم لحال ابنها الذي تخلى عن دراسته وضاع مستقبله في غياهب الحياة التي راحت تقذفه وفق أهوائها وتياراتها الغادرة، قالت لينا الحمدو (32) عاماً وهي نازحة من بلدة البارة ومقيمة في مخيمات كفر عروق في إدلب أن ابنها رائد الحمو البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً لا يكف عن التدخين منذ وفاة والده بالقصف الذي طال قريتهم، فترك مدرسته واتجه للعمل في إحدى الورش الصناعية لإعالة إخوته الثلاثة، لتجد الأم نفسها فجأة لم يعد لها سلطة على ابنها فلم يعد يصغي لنصائحها أو لما تطلبه منه، وراح يعتبر نفسه المعيل والمسؤول عن العائلة، ويحق له أن يفعل ما يريد، وأصبح ينفق ما يحصل عليه لقاء عمله في تأمين سجائره يومياً.

وبينما يهم في إشعال سيجارته أمام باب خيمتهم دون تردد أو خجل بدأ رائد الحمو يتحدث عن التدخين بأنه لا يعتبره عيباً فهو لم يعد صغيراً، وبإمكانه أن يتصرف بالطريقة التي تعجبه، مضيفاً أنه يستطيع شراء علبة السجائر من تعبه وعرق جبينه، وجميع من في الورشة يدخنون "فلما الأمر سيقف عنده فهو ليس استثناء" وفق ما يراه وما هو مقتنع به.

وليس أكثر الأطفال المدخنين في إدلب يعتمدون على عملهم الخاص في شراء علب السجائر التي يدخنونها بل دفعتهم تلك العادة السيئة للاعتماد على ما يحصلون عليه من مصروف من أهلهم لشرائها خفية أحياناً أو علناً أحياناً أخرى بل راح البعض يلجأ للسرقة من أهاليهم لتأمينها بعد الإدمان عليها.

واكتشفت صفاء العلي (38) عاماً وهي نازحة من بلدة كفروما ومقيمة في مخيمات سرمدا أن هناك من يعمد إلى سرقة بعض المال الموجود في محفظتها لتكتشف لاحقاً أنه ابنها خالد تعتاع البالغ من العمر (12) عاماً والذي كان يقلد أصدقائه ويشتري السجائر ويدخنها خفية.

"ضاع الولد" تقول صفاء العلي التي لم تفلح كل محاولاتها بإبعاده عن تلك العادة السيئة، فهو لا يدع فرصة إلا ويدخن فيها كلما خرج من المنزل، وعلاوة على ذلك أن والده مريض ومنشغل بآلامه وأوجاعه بعد إصابته بمرض الفشل الكلوي، ولا يقوى على ردعه بأية طريقة.

من جهته يقوم عامر الجدوع (13) عاماً بجولات في شوارع مدينة الدانا وأحيائها للبحث عما يمكن الحصول عليه من أجل تأمين ثمن السجائر فيعمد إلى التنقيب في النفايات، وبيع ما يجمعه لينفقه في شرائها.

"هل دنيا بتخلي الواحد يحشش كمان" هكذا برر الطفل عامر الجدوع عادة التدخين مشيراً إلى أنه الوحيد من ينسيه بعض همومه ونزوحه وفقر عائلته وضياع مستقبله فهو الوسيلة الوحيدة التي وجد فيها راحته وسط كل تلك الظروف.

أسباب عدة وقفت وراء انتشار ظاهرة التدخين بين الأطفال في إدلب تتحدث عنها المرشدة الاجتماعية نور الكامل بأنها تتمحور حول تقليد الكبار، رفقة السوء، عدم وجود رقابة كافية على الأطفال أو بائعي التبغ، إضافة للمشاكل الأسرية وحالات الطلاق وغياب المعيل والتسرب الدراسي وعمالة الأطفال، وهو ما يفضي بشكل قاطع لانحراف الأطفال.

وتنصح نور الكامل لتدارك المشكلة قبل استفحالها، "هذا إن لم تكن استفلحت" لإرساء قواعد جيدة بالتواصل مع الطفل وتوعيته وأداء النصح له وزرع الثقة في نفسه والتعرف على ما يضايقه، ومحاولة حل مشاكله من قبل الأهل أو المدارس أو منظمات المجتمع المدني المعنية بالتوعية المجتمعية.

وعدا عن أن ظاهرة التدخين بين الأطفال تحمل في طياتها الكثير من المظاهر السلبية والمجتمعية، فهي مدمرة لصحة الأطفال الذين عادة ما تكون أجسادهم أقل مناعة ومقاومة للأمراض، وتسبب لهم مشاكل صحية ونفسية ونوبات ربو وسعال حادة.

جعلت الحرب في سوريا حياة ومستقبل جيل من الأطفال معلقين بخيط رفيع كما جاء في تحذير من "اليونيسف"، إذ لا يزال وضع العديد من الأطفال والعائلات محفوفاً بالمخاطر، وحوالي 90% من الأطفال يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، بزيادة بلغت نسبتها 20% في عام 2021 فقط.

وتقول المديرة التنفيذية لليونيسف هنرييتا فور "لا يمكن للاحتياجات الإنسانية أن تنتظر، وينبغي على المجتمع الدولي أن يبذل قصارى جهده لإحلال السلام في سوريا وحشد الدعم للأطفال".