جرس المدرسة حلمٌ لبعض الأطفال في شرق كردستان

بالنسبة للبعض، يبدأ العام الدراسي برائحة الكتب والدفاتر الجديدة، لكن بالنسبة لكثير من الأطفال في هذه الأرض، جرس المدرسة هو صوت الحرمان.

سوما كرامي

جوانرو ـ بالنسبة للعديد من الطلاب، يرتبط بدء العام الدراسي برائحة الكتب والدفاتر الجديدة، وكذلك الحقيبة الجديدة والرغبة في التعلم؛ لكن بالنسبة ليالدا باغمالك من محافظة خوزستان شرق كردستان لم تكن إعادة فتح المدرسة سوى النهاية.

أنهت الشابة التي بلغت الـ 17 عاماً حياتها قبيل بدء العام الدراسي، لعدم قدرتها على شراء المستلزمات المدرسية والقرطاسية. موتٌ مريرٌ ترك جرحاً غائراً، ليس على العائلة فحسب، بل على المجتمع ككل؛ جرح الفقر والضغوط الاجتماعية التي تُثقل كاهل الأطفال والمراهقين في هذه الأرض منذ سنوات.

في شرق كردستان لا تستطيع العديد من الأسر تحمل تكاليف التعليم الأساسي لأبنائها، ويواجه الأطفال الحرمان قبل أن تتاح لهم الفرصة للتعلم. في حين تُظهر تجارب الدول المتقدمة أن التعليم قادر على كسر حلقة الفقر ويمهد الطريق للنمو الاقتصادي والاجتماعي، في إيران، يُشكّل الفقر بحد ذاته عائقاً أمام التعليم، ويمنع الأجيال الجديدة من تحقيق تكافؤ الفرص.

ووفقاً للإحصاءات الرسمية، بلغت حصة التعليم في سلة إنفاق الأسرة 4.72% في عام 2018، وهو رقم غير مسبوق في العقد الماضي، ومع تكثيف العقوبات وارتفاع التضخم، انخفضت هذه الحصة تدريجياً، لتصل إلى حوالي 1% في عام 2023.

لقد أجبر انخفاض القدرة الشرائية الأسر على إعطاء الأولوية للنفقات الحيوية وتخفيض نفقات التعليم؛ وهو اتجاه لم يحدّ من الاستثمار في التعليم فحسب، بل عمّق أيضاً عدم المساواة وقلل من إمكانية الارتقاء الاجتماعي للأجيال القادمة.

 

شادي. م شابة تعمل في متجر صغير لبيع حقائب وأحذية الأطفال، تقول بقلق من ركود السوق "هذا العام، المتجر أكثر هدوءً من المعتاد، يفكر الناس أولاً في شراء الدفاتر والأقلام، ثم إذا تبقى لديهم مال، يذهبون لشراء الحقائب والأحذية أو الملابس الجديدة، ولا يستطيعون تحمل هذا القدر من الإنفاق".

وعلى بُعد بضعة شوارع، في مدينة جوانرو، تعيش زانا محمدي، الطالبة في الصف الرابع، في منزل آجار صغير، ومنذ أيامها الأولى في المدرسة، شعرت بالمسافة بينها وبين الأطفال الآخرين؛ مسافة تبدأ من الحقائب والملابس، وتمتد إلى القرطاسية الملونة التي تُعدّ حلماً بعيد المنال بالنسبة لها، وتقول "لم أكن واثقة بنفسي قط، كان من الصعب عليّ تكوين صداقات جديدة. في كل مرة كان الأطفال يشترون شيئاً جديداً ولا أستطيع، كنت أبتعد عنهم. عندما كان زملائي يخططون لحضور دروس اللغات، وكرة الصالات، والووشو بعد المدرسة، كنت أتظاهر بالانشغال. فقط حتى لا يسألني أحد عن سبب عدم حضوري أو إن كنت أستطيع الحضور أصلاً".

لكن هذا العام، ازدادت الأمور صعوبة عليها فلم تستطع حتى شراء حقيبة "أحمل كتبي إلى المدرسة بيدي. والداي مثقلان بالديون والأقساط لشراء أبسط اللوازم المكتبية. نحن عائلة كبيرة ودخلنا محدود، وحتى هذه الأشياء الصغيرة تُشكل عبئاً كبيراً علينا".

في الجوار، تروي شلير أحمدي، وهي أم تربي أطفالها الثلاثة الأيتام لوحدها قصة مختلفة، لكنها تحمل ألماً مشتركاً "عندما كنت حاملاً، سقط زوجي في وادٍ أثناء ذهابه إلى الجبال لجمع أعشاب الربيع، وتوفي، ومنذ ذلك اليوم، وقع عبء الحياة كله على عاتقي".

وتركت قريتها كلش متجهة إلى جوانرو من أجل دراسة أطفالها "المدارس النظامية تضم عدداً أقل من المعلمين ذوي الخبرة، وابني دائماً يقول إن عليه أخذ دروس خصوصية أو شراء الكتب المدرسية للتعلم، لكن في المدارس الحكومية النموذجية، تتوفر جميع المرافق".

 

 

ودون أن تدري كم تؤذي مستقبل ابنتيها فضّلتُ ألا تذهبا إلى المدرسة إطلاقاً، ولا تنكر ندمها لاتخاذها هذا القرار "عندما لا أستطيع ضمهما إلى دروس اللغة، أو شراء الزي المدرسي أو دفاتر وأقلام بسيطة كل عام، فما الفائدة من ذهابهما؟ أرادت ابنتي إكسسوار كبقية الأطفال حتى لا تشعر بالنقص أمام صديقاتها، لكنني لم أستطع حتى شراء أبسط الأشياء، لهذا السبب نصحتهما بعدم الذهاب إلى المدرسة، لأن ألم الحرمان والإذلال أشدّ من ترك المدرسة".

 

مستقبل يبقى في الفقر

لا يقتصر الفقر وعدم المساواة على قصة زانا أو شلير، بل هما جزء من واقع أوسع، فوفقاً للإحصاءات الرسمية، انقطع حوالي 750 ألف طالب وطالبة في البلاد عن الدراسة خلال العام الدراسي الماضي بسبب الصعوبات المالية؛ وتُظهر الإحصاءات أن حتى المدارس الابتدائية ليست بمنأى عن هذا الضرر.

تشير دراسات حديثة إلى صورة مماثلة ففي العام الدراسي 2024 ـ 2025 تجاوز عدد طلاب المرحلة الابتدائية المتسربين من الدراسة 158 ألف طالب، ومن بين هؤلاء، لم يلتحق حوالي 152 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين السادسة والحادية عشرة بالفصول الدراسية قط، أو طُردوا منها مبكراً.

نجحت الجهود في سد جزء صغير من هذه الفجوة، حيث عاد حوالي 29 ألف طفل فقط إلى المدارس، لكن عشرات الآلاف من الأطفال الآخرين، لا يزالون على هامش التعليم، وبالطبع، هذه الإحصائيات لا تعكس الحقيقة كاملة؛ فالواقع دائماً أكبر وأثقل مما تُظهره الجداول الرسمية.