حي الشيخ مقصود... دور بارز للنساء في الحرب الشعبية
مجازر فظيعة وقصف عشوائي لسنوات عديدة والمقاومة تتصاعد، هذا ما عاشه حي الشيخ مقصود في حلب بوجه هجمات النظام السوري تارة والجماعات المرتزقة تارة أخرى
روبارين بكر
حلب ـ ، ليكون الإصرار وعزيمة أهله اللبنة الأساسية التي انطلقت منها شرارة ثورة روج آفا نحو شمال وشرق سوريا.
منذ عام 2012 وحتى اليوم من عمر الأزمة السورية، عمل أهالي حي الشيخ مقصود والأشرفية على تدريب أنفسهم تمهيداً ليكونوا جزءاً من المشروع الديمقراطي، مستفيدين من انشغال النظام بإرسال قواته لقمع التظاهرات السلمية التي عمت مختلف المناطق.
وتعد المؤسسات والمراكز التي افتتحت في حي الشيخ مقصود خلال الفترة الأولى من الأزمة السورية هي الأولى من نوعها في سوريا، ومن هنا انطلقت شرارة الثورة في روج آفا بعفرين، وكوباني وإقليم الجزيرة لتتوسع اليوم بعد أكثر من 10 أعوام من المقاومة والنضال نحو جميع مناطق شمال وشرق سوريا.
النظام لم يتقبل فكرة إدارة الأهالي لشؤونهم بأنفسهم وإعلان الشعب الكردي هويته وكذلك كان موقف المجموعات المسلحة وهذا ما شكل سبباً في تعرض الحي للكثير من الهجمات بالطائرات الحربية والأسلحة الثقيلة حتى المحرمة منها دولياً.
بنية أساسية لانطلاق ثورة روج آفا
لعل أعنف هذه الهجمات وقعت في 16 شباط/فبراير 2015 عندما تعرض الحي للقصف بالمواد الكيماوية 3 مرات من قبل المرتزقة، واستشهد في ذلك العام المئات من المدنيين وأصيب العديد غيرهم أكثرهم نساء وأطفال، لكن مقاومة الأهالي استمرت في وجه هذه الفصائل التي استهدفت وحاصرت الحي لأكثر من عاميين.
ومع الذكرى السنوية السابعة للمقاومة التي أبداها أهالي حي الشيخ مقصود قالت سهام بلال "مع بدايات الثورة السورية، كانت مدينة حلب السباقة والأساس لانطلاق ثورة روج آفا وشمال وشرق سوريا، حيث أن أهالي حي الشيخ مقصود على وجه الخصوص نظموا أنفسهم وأعلنوا إدارتهم الذاتية من خلال تشكيل مجالس تنفيذية للحي، وكومينات ومجلس المرأة، وخرجوا بتظاهرات وفعاليات منددة بممارسات النظام ومطالبة بحرية الشعب السوري".
وأشارت إلى أنه في حي الشيخ مقصود اتخذ الأهالي ثلاثة نقاط رئيسة للانطلاق بثورتهم بوجه النظام "مركز الثقافة والفن، ومدرسة تعليم وتدريس اللغة الكردية ودار المرأة، تعد المراكز الأساسية التي ساهمت في تجمع الأهالي وتوعيتهم وإدراكهم لأهمية المرحلة وحساسيتها، وما يقع على عاتق الشعوب التواقة للحرية في بدايات الأزمة والأحداث السورية".
الشهيدة كولى سلمو من حي الشيخ مقصود بداية الثورة
وتحدثت سهام بلال عن الشهيدة كولى سلمو قائلةُ إنه في عام 2013 حاولت عدد من المجموعات المسلحة المرتبطة بأجندات خارجية اختطاف أحد الإعلاميين الذين كانوا يوثقون جرائم تلك الجماعة، وقامت كولي سلمو التي رافقت الإعلامي حينها بإنقاذه لكن المجموعات المسلحة استهدفتها برصاصة، وأصيبت حينها بجروح في رأسها وبعد ثلاثة أيام استشهدت "اعتبرت الشهيدة كولى سلمو بداية لانتفاضة أهالي الحي، والتي أشعلت شرارة ثورة روج آفا نحو شمال شرق سوريا".
وعن دور المرأة في المقاومة بينت أنه "في الصباح كانت النساء تنطلق نحو المكان الذي يعد فيه الطعام للمقاتلين حتى ساعات الظهيرة، وفي المساء ترفعن السلاح وتحمين الحي حتى ساعات الصباح الباكر ترسيخاً لمبدئ الحماية الجوهرية، كما شاركن في المستوصف لإسعاف الجرحى ومساندتهم إلى جانب تنظيم الفعاليات".
مجازر فظيعة وحصار خانق والمقاومة تتصاعد
تقول سهام بلال عن الأحداث التي شهدها حي الشيخ مقصود في عام 2016 "ارتكبت عدة فصائل مرتزقة مجازر بحق المدنيين فإدارة الأهالي لأنفسهم لطالما هددت ذهنية النظام والفصائل المسلحة. استهدفوا حي الشيخ مقصود بجميع أنواع الأسلحة الثقيلة، وارتكبوا مجازر فظيعة بحق المدنيين العزل منها المجزرة التي ارتكبت بحي المعروف التي راح ضحيتها 22 مدني بينهم أطفال، وكان الحي محاصر من جميع الجهات".
وأشارت إلى أن أهالي الحي عانوا لفترات طويلة من الحصار والاستهداف "رغم ما مر به الأهالي إلا أنهم احتفلوا على طريقتهم بالإمكانيات البسيطة وقتها، ففي عام 2016 أشعلوا النيران في الشوارع، وشكلوا تجمعات صغيرة احتفالاً بعيد النوروز".
واستذكرت سهام بلال المقاومة والصمود الذي أبداه أهالي حي الشيخ مقصود "أهالي الحي كانوا يداً واحدة مع القوات العسكرية المدافعة عنهم، حيث أن كل عائلة وبجميع أفرادها دافعوا عن الحي بكل ما يمتلكون من قوة وإرادة كالانضمام لصفوف الدفاع، تأمين متطلبات القوات العسكرية من مأكل ومشرب وإرسالها لهم".
"كل فرداً قاوم في جبهات الحماية والمقاومة"
الحرب الشعبية كانت رمزاً لمقاومة أهالي الشيخ مقصود فقد شارك فيها الجميع نساءً ورجالاً وأطفالاً وكبار في السن كما تؤكد حياة هورو، التي شاركت في مقاومة حي الشيخ مقصود منذ بدايتها، وصمدت في الحي حتى الآن "الهجمات لم تكن هينة ولم يبخل المرتزقة في استخدام جميع أنواع الأسلحة حتى المحرمة دولياً، إلا أن التحلي بروح الشعب الثوري منح الأهالي القوة والعزيمة".
وأضافت "كل فرد من أهالي الحي اتخذ دوره، الجميع حمل على عاتقه الحماية والدفاع عن الحي، بدءاً من نفسي وعائلتي حيث أن زوجي كان مقاتل في قوات الاسايش، وكل واحد من أبنائي كان يدافع عن الحي بطريقة مختلفة، منهم من قدم المساعدة في المستوصف الوحيد في الحي، وآخرين في قوات الحماية الجوهرية، وبعضهم في التنظيم، وكنت أشارك النساء في إعداد الطعام، وفي المساء أخرج للحماية الجوهرية، ولم نقبل بالرضوخ والاستسلام والتخلي عن الحي".
وقالت حياة هورو أن "حي الشيخ مقصود مثال يحتذى به اليوم لمشروع الأمة الديمقراطية"، مبينةً "تحول الحي لمثالٍ يحتذى به للمشروع الديمقراطي وبكونه كان نقطة البداية لشرارة الثورة في المنطقة فإن المجموعات المرتزقة ظنوا أنهم سيتمكنون من السيطرة عليه كغيره من الأحياء التي سيطروا عليه بعد هروب عناصر النظام، لكن رد الشعب المقاوم والثوري كان صارم".
فضلت حياة هورو المقاومة والعيش على أرضها وعدم الهجرة والتشرد قائلةً "لن تنفعنا سوى أرضنا فيستحيل أن تتحول الغربة إلى وطن لذا بكل ما نملك من إرادة وقوة سنقاوم ونحمي مشروعنا الديمقراطي، ولن نتخلى عن طريق شهدائنا".