"حرب الثأر"... مازالت تمعن في تشريد نساء وأطفال إدلب
لم يكفي أهالي إدلب ما يعانوه من تشريد وأوضاع إنسانية ومعيشية صعبة ليأتي الثأر ويمعل في جراحهم.
سهير الإدلبي
إدلب ـ عادت حرب الثأر إلى إدلب مجدداً تزامناً مع حالة الفلتان الأمني والفوضى التي تعيشها المنطقة، فظهرت إلى السطح ظاهرة الانتقام والصراعات الأهلية والأحقاد الشخصية بلا رادع.
لم تكن صبا الجدعان (32) عاماً تعلم أن اختفاء زوجها الفجائي كان بسبب حرب ثأر قديمة عادت لتشتعل من جديد بممارسات جديدة وهي الخطف، ورغم تواصل الخاطفين مع عائلة زوجها للحصول على فدية، لم تفلح كل محاولات الأهل ودفع الفدية التي قدرت بـ ٢٠ ألف دولار في إطلاق سراحه، ومازال مصيره مجهولاً بعد أن صرح الخاطفين أنهم يبحثون عن ثأرهم في الانتقام منه ومن عائلته.
تعود قصة زوج صبا الجدعان إلى أعوام مضت حين اشتعلت حرب الثأر في قريتهم الدير الغربي جراء مقتل أحدهم على يد أخ زوجها أواخر عام 2013 ما أسفر عن مقتل عدد من الأفراد بين العائلتين فيما رحل البقية حقناً للدماء ريثما تهدأ الأمور، غير أن ظنونهم خابت حين لم تهدأ الحرب رغم مضي كل تلك السنوات، بل كان هدوئها ما هو إلا عبارة عن نار "تحت الرماد" سرعان ما عادت للاشتعال مع أول فرصة.
تقول إن ما حدث مع زوجها جعلها وأطفالها الأربعة "في خوف دائم وترقب وتشرد، وبت أكثر حذراً على أطفالي الذين لم أعد أسمح لهم بالخروج والذهاب حتى إلى المدارس أو اللعب خوفاً من تعرضهم للخطف أو القتل وخاصة بعد تلقينا تهديدات مستمرة من قبل خاطفي زوجي الحاقدين".
ورغم مضي أكثر من عام على حادثة اختطاف زوجها إلا أن "الأجهزة الأمنية" في إدلب لم تفلح حتى اللحظة في الوصول إلى الخاطفين أو معرفة أي معلومات عن مصير زوجها الذي انقطعت أخباره.
وتعددت حوادث الانتقام والثأر بشكل يدعو للقلق في إدلب وخاصة بعد زيادة عدد الجرائم التي باتت "كالنار في الهشيم"، والتي عكست مدى الندوب الاجتماعية التي لم تمحى من ذاكرة أصحاب الثأر رغم كل ما حل بالمنطقة من حرب ونزوح ودمار بل عادت أقوى من السابق في ظل الفوضى وشبه انعدام العامل الأمني.
كذلك لقي شقيق حنان البرهوم (28) عاماً مصرعه على يد مجهولين قاموا بإطلاق النار المباشر عليه أثناء توجهه إلى مدينة إدلب لشراء بعض البضائع لمحله التجاري، ورغم أن جريمة القتل بدت أنها بدافع السلب والسرقة بعد تجريده من أمواله ودراجته النارية إلا أن فحوى الورقة التي رميت على جثته أظهرت أن الجريمة كانت بدافع الثأر.
وعن فحوى الورقة وما كتب فيها تقول حنان البرهوم "الدم بالدم، هكذا كتب المجرمون على جثمان أخي وليد البالغ من العمر39 عاماً، والذي راح ضحية حرب ثأر لم يكن له فيها ناقة ولا جمل".
وعن سبب تلك الحرب بين العائلتين تقول إن شرارة الحرب بدأت حين قتل ابن عمها أحد رجال قريتهم البارة جنوب إدلب بعد مشادة كلامية بينهم، ومازالت تلك الحادثة تحصد الأرواح البريئة من كلا العائلتين وتدفع الكثيرين للتنقل والهروب والهجرة خارج البلاد.
وتوضح أن عائلة أخيها هاجرت إلى تركيا ومنها إلى أوروبا بعد حادثة مقتله منذ أكثر من سنتين، فيما استمرت حنان البرهوم وإخوتها المتواجدين داخل إدلب بالتنقل من مكان إلى آخر بحثاً عن الأمان الذي افتقدوه لسنوات دون جدوى.
الناشطة الحقوقية مروى زين الدين (42) عاماً تعلق على ظاهرة الثأر بالقول إن القتل أخذاً بالثأر هو عرف قبلي وعادة موروثة عن الجاهلية، وإن قاتل الثأر غالباً يعترف فوراً بجريمته ويباهي بها ويقبل بالعقاب أياً كانت شدته.
وتؤكد أن قتل الثأر تتوافر فيه عناصر القتل العمد كافة مع سبق الإصرار والترصد، وهو عادة تستند إلى اعتقاد قبلي جاهلي سائد يقول بأن الدم لا يغسل إلا بالدم، وبأن روح القتيل لا تستقر وتستريح إلا بالأخذ بثأره من قاتله.
وترجع أسباب تفشي الظاهرة مؤخراً لغياب القانون وعدم جدية "المحاكم" القائمة على تقصي الحقائق ورد المظالم إلى أصحابها، وخاصة وأن تلك المحاكم لا تستند إلى أي مرجعيات أو قوانين من شأنها وضع حد رادع لتلك الممارسات التي تحولت إلى ظاهرة تسجل جرائمها المتزايدة ضد مجهول عادةً، لتستمر حرب الثأر ماضية في طغيانها وحصادها الأرواح البريئة وتشريدها الكثير من الأسر دون حسيب ولا رقيب.