حرب إبادة لا نهاية لها... فلسطين تكتسي بدماء النساء وعائلات تختفي
في ظل الحرب المستمرة في قطاع غزة وما خلفته من دمار هائل، تواجه الفلسطينيات تحديات غير مسبوقة من استهداف مباشر وقصف وتشريد، لتعشن واقعاً لا يملكن فيه سوى الأمل بحياة جديدة قريبة.
نغم كراجة
غزة ـ خلال الأيام الماضية حيث توشحت معظم دول العالم باللون البرتقالي خلال الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة، اكتسى شعار "رمز الأمل" في فلسطين بدماء النساء والفتيات اللاتي تدفعن ثمن حرب إبادة مستمرة منذ أكثر من عام.
تعيش الفلسطينيات واقعاً مريراً ومليئاً بالانتهاكات بدءً من القتل المباشر مروراً بالتشريد القسري وصولاً إلى المعاناة التي ترهقهن جسدياً ونفسياً، وسحر القواسمة التي تعمل مديرة عامة لمؤسسة "أدوار"، تسرد قصصاً مؤلمة عن صمود الفلسطينيات، وترى أن التحديات المفروضة عليهن لم يسبق لها مثيل.
وأوضحت أن أوضاع المرأة الفلسطينية تدهورت بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تاريخٌ أضاف حلقةً جديدة إلى سلسلة المعاناة الممتدة لعقود ممتدة، وصنف هذا الواقع بأنه مأساة متجددة، حيث لا تدري من أين تبدأ الحديث، هل عن فقدان النساء لأسرهن بأكملها، أم عن معاناة الأمهات اللواتي تحول فقدانهن لأبنائهن إلى جزءٍ يومي من حياتهن؟
ونوهت أنه خلال الحرب الجارية على غزة قُتلت نحو 12,000 امرأة نتيجة القصف العنيف والممنهج الذي يهدف إلى إبادة عائلات بأكملها "تواجه النساء صدمة إنسانية متواصلة وسط حربٍ لا ترحم أحداً حيث يُقتلن أو يُتركن تحت الأنقاض مع أسرهن دون أدنى فرصة للنجاة".
عائلات بأكملها اختفت من السجل المدني
وأشارت إلى أن النساء في غزة تواجهن تدهوراً إنسانياً غير مسبوق حيث يزداد ارتفاع عدد الضحايا والمفقودين يومياً، وأصبحت الخسائر جزءً لا يتجزأ من حياتهن "عائلات بأكملها اختفت من السجل المدني بسبب قصف القوات الإسرائيلية المكثفة، وهناك من فقدن حياتهن تحت الأنقاض دون إحصاء دقيق لأعدادهن، مشاهد مرعبة تتكرر، وأمهات يكتبن أسماء أطفالهن على أجسادهم تحسباً لقصف مفاجئ يودي بهم".
الرضع والمجاعة... الوجه الأكثر قسوة للحرب
وتواجه الحوامل في غزة مأساة استثنائية، حيث أفادت بيانات أممية أن هناك 15,000 امرأة حامل على حافة المجاعة، معرضات لخطر الموت، الإجهاض، أو الولادة المبكرة نتيجة سوء التغذية الحاد وانعدام الرعاية الصحية التي أُجبرت العديد من النساء على الولادة في ملاجئ مكتظة باستخدام أدوات بدائية غير معقمة، مما أدى إلى وفاة عدد منهن وأطفالهن.
وأوضحت سحر القواسمة أن إغلاق العيادات والمستشفيات الصحية أدى إلى انعدام المتابعة الطبية للحوامل وحديثات الولادة بينما يعاني الأطفال الرضع من نقص حاد في حليب الأطفال بسبب سوء التغذية الحاد الذي يعصف بالأمهات "إن مشاهد الأمهات العاجزات عن إرضاع أطفالهن، والرضع الذين يواجهون المجاعة القاتلة تبرز الوجه الأكثر قسوة للحرب الجارية".
وترى أن وضع النساء في قطاع غزة المنكوبة لا يختلف كثيراً عن حالهن في الضفة الغربية التي تعاني من حصار القوات الإسرائيلية وسياساتها القمعية، فهناك تُحرَم الأمهات من وداع أبنائهن المفقودين الموجودين في "مقابر الأرقام" حيث تُجهل هويات الضحايا، كما تدمر منازلهن وتُفرض عليهن أعباء جديدة تزيد من الأزمات النفسية والاجتماعية، وفي غزة تقتل النساء يومياً، وفي كل لحظةٍ يُعلن عن سقوط إحداهن تحت الأنقاض، بينما تبقى أخريات مفقودات في ظل غياب بيانات دقيقة توضح حجم الضحايا.
تتضاعف هذه المعاناة مع ارتفاع أعداد الأسيرات في السجون الإسرائيلية، حيث تحتجز العديد من الأمهات بعيداً عن أطفالهن وتحرم الشابات من حقوقهن الأساسية، وتروي سحر القواسمة قصصاً عن عقوبات تُفرض على النساء داخل المعتقلات حيث يُعاملن بنفس القسوة التي يواجهها الرجال.
وقد أدى تدهور الأوضاع الاقتصادية بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام ٢٠٢٣، إلى تصاعد حاد في طلب المساعدات الإنسانية "لجأت النساء في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل متزايد إلى مؤسسة )أدوار للتغيير الاجتماعي) سعياً للحصول على المساعدات الأساسية، ولكن هذه الجهود تصطدم بتضييقات الاحتلال حيث يتم تقليص أعداد الشاحنات الإغاثية التي تصل إلى المناطق المنكوبة فضلاً عن تحديات اجتماعية تمنع وصول هذه المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة إليها".
"واقع قاحل"... معاناة ذوات الإعاقة لا نهاية لها
ولفتت الانتباه إلى الواقع الذي فرض على النساء ذوات الإعاقة، واصفةً حالهن بأنه "واقع قاحل" في ظل تدمير البنية التحتية وانعدام الخدمات، وباتت ذوات الإعاقة تعانين من مشكلات مضاعفة خاصة عند النزوح القسري، وتضطر الكثيرات للسير مسافات طويلة على الأقدام تحت أشعة الشمس الحارقة ما يزيد من تدهور حالتهن الصحية، مشيرةً إلى أنه هناك نساء انفصلن عن عائلاتهن أثناء الفرار ولم يتمكنّ من الوصول إلى بر الأمان.
وأضافت "عند الوصول إلى الملاجئ، لا تجد ذوات الإعاقة ما يلبي احتياجاتهن الخاصة، والمستشفيات شبه خالية من الأدوية، والحلول البديلة المتاحة قد تضر أكثر مما تنفع".
جهود إنسانية رغم التحديات
وسط الانتهاكات المتصاعدة بحق النساء، تحولت الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة إلى مشهدٍ مغطى بالدماء في فلسطين، ففي غزة تواجه النساء حرب إبادة مستمرة منذ أكثر من عام، تُزهق فيها أرواحهن، وتُسلب حقوقهن، وتُدمر حياتهن بالكامل.
وأكدت سحر القواسمة على ضرورة أن تتجاوز هذه الحملة إطار الشعارات وأن تتحول إلى جهود فعلية تحاسب القوات الإسرائيلية على الجرائم المرتكبة بحق المرأة الفلسطينية، وتسليط الضوء على الانتهاكات المرتكبة كجزءٍ من مسؤولية العالم الحر.
وعلى الرغم من الدمار لم تتجاهل سحر القواسمة دورها الإنساني في محاولة تخفيف وطأة الحرب على النساء حيث عملت جاهدة على تقديم جلسات دعم نفسي، وتوزيع الطرود الإغاثية، وحقائب الكرامة النسائية بقدر الإمكان، لتوفير الحد الأدنى من الأمان النفسي والجسدي إلا أن هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة بسبب القيود المفروضة من قبل القوات الاسرائيلية، والتقليص المتعمد للمساعدات الإنسانية "مع كل الجهود المبذولة لا تزال الفلسطينيات بحاجة إلى دعم دولي أكبر للاستجابة للكارثة الإنسانية التي تعصف بهن".
وشددت على ضرورة توثيق الانتهاكات والممارسات الممنهجة التي تتعرض لها الفلسطينيات، وإيصال أصواتهن إلى العالم "هذه الأصوات يجب أن تدفع المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية نحو تحمل مسؤولية محاسبة القوات الإسرائيلية عن الجرائم التي ما زالت ترتكبها بحق المرأة والشعب بأسره".
واختتمت حديثها بالقول "إن النساء الفلسطينيات تقفن شامخات كجبال تحملن أعباء لا يستطيع أحد تصورها وسط هذا الدمار، ويبقى نضالهن المستمر شهادة على مدى مقاومتهن وأملهن في التحرر".
وتظل المرأة الفلسطينية، رغم كل الألم، رمزاً للصمود، هي الأم التي تخوض المعركة في كل جبهة، هي المعلمة التي تزرع الأمل في قلوب أطفالها، وهي الناشطة التي ترفع صوتها ضد الظلم، في وجه حرب الإبادة تقف شامخة رغم الجراح، وتحارب من أجل الحياة.