حقّ الملح: عادة تونسية قديمة يُكرّم من خلالها رجال تونس زوجاتهم
عادات وتقاليد كثيرة اندثرت بفعل الزمن وبفعل الظروف الاجتماعية والثقافية، وأخرى تطوّرت وأصبحت مواكبة للعصر
تونس- ، وعادات ظلّت على حالها، ومن بينها "حق الملح "، التي تعد اعترافاً بالجميل من الزوج التونسي لزوجته صباح عيد الفطر، وتكريماً لجهدها في شهر الصيام وتختلف قيمتها حسب المكان والظرف.
عادة تونسية اشتهرت قبل الاستقلال
جمعية الهواملي 70 عاماً، عايشت حقبات مختلفة من هدايا حق الملح، منذ كانت الهدية تُقدّم على شكل قماش حريري لتصنع به الزوجة سفساري تونسي، إلى أن أصبحت قطعة ذهب أو فضّة، وإلى أن تطورت اليوم وباتت سيارات وتذاكر سفر.
تقول في حديث مع وكالتنا، "هدية حق الملح اشتهرت بها تونس ما قبل الاستقلال، عشنا ذلك مع أمهاتنا وجداتنا، ورافقت هذه العادة النساء عقود من الزمن وحافظ عليها الرجال، وحتى الجيل الجديد خطى على نفس الطريق"، وتضيف "هي هدية يقدّمها الأزواج اعترافاً للزوجات بما بذلنه من جهد وما تكبدّنه من عناء طيلة شهر رمضان في إعداد ما لذّ وطاب من أشهى الأطباق للزوج ولبقية أفراد العائلة".
وعن معنى الاسم الذي اختير للعادة تقول "اسم طريف ورمزي بما معناه اضطرار الزوجة وهي صائمة لتذوّق درجة ملوحة الطعام على طرف لسانها دون ابتلاعه، ودون أن تفسد صيامها حتى يكون الطعام جيداً".
كيفية تقديم الهدية
وعن كيفية تقديم الهدية تضيف جمعية الهواملي "عادة ما يعود الزوج من صلاة العيد مرتدٍ الجبة التونسية التي تزين بما يسمّى "الحرج" وهو نوع من الزخرفة فيقال "جبة بالشمس" أو بالكبابت وجبة الخواتم بـ "الأباقل" أو بـ "البرج"، والتي عادة ما تنسج بالحرير، تستقبله وهي في أبهى زينتها وأناقتها بالزيّ التقليدي التونسي (الجبة)، وتقدم له فنجان القهوة العربي وطبق حلويات متنوع قبل أن يجلس قليلاً، ثم يذهب لمعايدة أحبائه، يرتشّف قهوته ولا يعيد الفنجان فارغاً بل يضع هديته ويغادر بسرعة".
وتردف مبتسمة،" هي عربون محبة وامتنان، نتمنى أن تستمر لنغرس في ابنائنا أهمية تقدير المرأة والاعتراف بجهودها في إسعاد عائلتها برغم التعب والارهاق، نخشى على هذه العادة التي تتميز بها تونس دون غيرها من الاندثار والتلاشي خاصة مع الظروف التي تمرّ بها البلاد" .
تحدثنا جمعية الهواملي عن حياتها فتقول "تزوجت بسن صغيرة 15 عاماً، وكنت لا أجيد الطبخ، كان زوجي يطبخ ويساعدني في كل أشغال المنزل ويخبر عائلته أنني من أعدّت الطعام واجتهدت وتعبت، وفي العيد كان حق الملح فرضاً لا يغيب عن فنجان القهوة لزوجي ولوالده، أروي هذه القصة لأكشف لأول مرّة عن ذلك الحب النقي والاحترام الذي احتضنني بهما طيلة أكثر من نصف قرن من العشرة والزواج، كان سنداً مشجعاً، وكان مثالاً في الاحترام والتقدير، يقدر دور المرأة، ويعرف جيداً ماذا يعني أن تكوني زوجةً أو أماً أو أختاً أو بنتاً".
تغير إيقاع الحياة غيّر قيمة الهدية
ويرتبط تغيّر قيمة الهدية من قطع فضة أو ذهب إلى سيارات وتذاكر سفر، بتغير أسلوب وإيقاع الحياة الذي غيّر أيضاً من قيمة ونوع هدية حق الملح فقبل أيام حصلت فتاة تونسية من محافظة بنزرت على هدية حق الملح وكانت عبارة عن سيارة، الأمر الذي شغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي وتناقلوا الصور التي أظهرت المرأة مع هدية حق الملح.