حكواتيات تستعرضن تجربتهن مع فن الحكاية

نساء جمعهن الشغف بالحكاية التي حفظنها عن الجدات أو عن الحكواتيين/ات الرواد الذين كانت ساحة جامع "الفنا" تعج بهم، قبل أن تغزوها المطاعم الشعبية وأصحاب البازارات وتتقلص المساحة المخصصة للفرجة.

رجاء خيرات

المغرب ـ يعود الفضل للحكواتيين في تصنيف ساحة جامع "الفنا" ضمن قائمة التراث العالمي للإنسانية لدى منظمة اليونسكو، وقد كانت مهنة الحكواتيين في الماضي حكراً على الرجال قبل أن تقتحمها مجموعة من النساء اللواتي أتقنها وأبدعن فيها واستطعن أن تضعن بصمتهن وأسماءهن في سرد الحكايات الشعبية.

لكل امرأة لمستها الإبداعية الخاصة وتجربتها المتفردة في فن الحكي، حيث لا يخلو محفل أو نشاط ثقافي أو مهرجان من أسماء نسائية تساهم في إشعاع الحكاية الشعبية والتعريف بها كتراث شفاهي.

 

أحببت الحكاية من "مي المباركة"

استلهمت الكاتبة والزجالة نعيمة أدراع الحكايات التي تكتب نصوصها بنفسها من جدتها "مي المباركة"، حفظت الكثير من الكلام الشفهي الذي روته الجدة في سنوات الصبا، وعن تجربتها في فن الحكاية تقول "تجربتي مع الحكاية تعود لسنوات الطفولة، فعندنا كنا صغار كنا نلتف حول جدتي "مي المباركة" كما لو كانت هي دجاجة تحضن كتاكيتها الصغار، ثم تبدأ بسرد الحكايات، حتى حفظناها كلها عن ظهر قلب، لكن مع ذلك كنا ننتظر سماعها بشغف كما لو كنا سنسمعها لأول مرة، ونتلهف لحلول موعد النوم لنسمعها منها، خاصة في ليالي الشتاء الباردة والطويلة".

وأوضحت أن "الحكاية كانت تنساب من فمها كماء عذب رقراق، خاصة مع لكنتها المراكشية الأصيلة، ثم بعد ذلك تعلمت فن الحكاية من والدتي التي كانت هي الأخرى حكواتية بامتياز، إذ كانت لا تفوت فرصة للتلقين إلا وأعطتنا حكماً وعبر كلها مستمدة من الحكايات التي كانت ترددها على مسامعنا، خاصة بالنسبة لي بحكم قربي منها".

كبرت نعيمة أدراع على حكايات والداتها التي غذت وجدانها بالعديد من القصص الشعبية وحفظتها كلها، لكن الأثر الكبير الذي صقل موهبتها في فن تأليف الحكايات التي أصبحيللت تكتبها بنفسها فيما بعد وبحروف "التيفيناغ" (الكتابة الأمازيغية)، كان بفضل والدها الذي كان يعمل رئيس فرقة تراثية هي فرقة "أحواش" وقد كان شاعراً ينظم القصائد المغناة داخل الفرقة بنفسه، حتى أنه ألهم كثيرين سواء من أقربائه الذين حفظوا عنه أو أعضاء الفرقة، كانت له كاريزما وكان مؤثراً في كل المحيطين به يلهمهم بقصائده الجميلة.

رغم تأثرها بفن الحكاية، إلا أنها استطاعت أن تخلق لنفسها أسلوباً جديداً يحاكي الظواهر الاجتماعية السائدة في عصرنا الحالي، والذي تنسج على منواله حكايات تحمل الكثير من الأسئلة التي تسلط الضوء على العديد من القضايا الإنسانية الشائكة.

وأشارت إلى أنها كتبت نصاً عن الحكاية الشعبية المعروفة بـ "هانية" التي يحفظها كل المغاربة من الأجيال السابقة، والتي تدور أحداثها حول الفتاة الجميلة "هاينة" التي يختطفها الغول ذات ليل حالكة الظلام من بيتها، وأثناء عودة ابن عملها من سفره الطويل سيكتشف غيابها، ولأنه كان يحبها ذهب للبحث عنها في بلدان بعيدة حتى يجدها ويعود بها رغم المخاطر، وقد ارتأت نعيمة أدراع أن تصوغها بشكل مختلف، حيث جعلتها تجول في العديد من مدن المغرب، وفي كل محطة تحكي تفاصيل ثم عادات وتقاليد كل منطقة حطت بها "هاينة".

بالإضافة إلى ذلك الحكايات التي صاغتها بأسلوب جديد ومختلف، فهي تهتم بتوثيق التراث الأمازيغي، حيث أنها عملت لسنوات في تسجيل وحفظ الحكايات الشعبية الأمازيغية والأشعار.

عن الصعوبات التي واجهتها في هذه التجربة التي تخوضها، تقول إن "الحكواتية تحتاج للدعم والتشجيع، لأنه مهما كان المشروع الذي نسعى له هادفاً وجدياً ومفيداً، فإذا لم يلق تشجيعاً ومتابعة فلن يستمر".

وأكدت أن هناك حاجة ماسة لإطار ثقافي يهتم بالحكايات الشعبية والحكواتيين/ات لأنها تدخل في التراث الشفاهي الذي يعكس جوهر الثقافة والحضارة الإنسانية لكافة الشعوب، مشددة على ضرورة تشجيع النساء اللواتي تمتهن هذا المجال لأن الحكاية في الأصل روتها الجدات، والأمهات، وبالتالي فهي نتاج ثقافي نسائي بامتياز.

 

 

حكواتية تعلمت على يد رواد الحكاية

أما الحكواتية مريم كنان فقد تفننت بالحكايات الشعبية منذ الصغر حتى باتت مشروعاً مهماً في حياتها، فقد أحبت لعبة السرد الشفاهي وحفظت العديد من الحكايات الشعبية حتى باتت تتقن لعبة الحكي الممتعة للسادة والسامعين/ات.

وعن تجربتها الاحترافية في فن الحكاية تقول "بدأت تجربتي مع الحكاية عندما شاركت في المسابقة التي نظمت لـ "أحسن حكواتية" بالمدينة التي نظمها المقهى الثقافي "أو كلوك" عام 2019، حيث توجت كأفضل امرأة حكواتية باللهجة المغربية".

وولجت مريم كنان المدرسة المخصصة لتلقين فن "الحكاية" برياض جبل الأخضر بمراكش والتي قام بإنشائها ثلة من مثقفي المدينة المحافظين على تراثها خوفاً على فن الحكاية من الاندثار، خاصة وأنه تم تصنيف ساحة جامع الفنا كتراث شفاهي للإنسانية من طرف منظمة اليونسكو.

تسرد مريم كنان حكاياتها بالعربية الفصحى وباللهجة الدارجة، واللغة الفرنسية والإنجليزية كذلك، حيث إنها تحفظ الحكاية وتترجم نصها إلى اللغة الأجنبية ثم تسردها بأسلوبها الخاص الذي لا يخلو من تشويق وإثارة تجعل السامعين/ات متلهفين لتتمة الحكاية، وهو الأسلوب الذي يجعل الحكواتية مطلوبة أكثر منه غيرها في عالم الفرجة.

كانت تسرد  حكاياتها في المقهى الثقافي "أو كلوك" الذي يرتاده السياح الأجانب، وبحثت لها عن فضاءات أخرى تعرض فيها، فباتت واحدة من الحكواتيات المطلوبات في المحافل الثقافية والعروض الفنية أو التربوية لسرد حكاياتها بمختلف اللغات الأجنبية، كما أنها تعمل مع جمعية "خشبة الحوز للمسرح" كأستاذة مؤطرة لدروس المسرح والحكاية لفائدة الأطفال.

بالإضافة إلى كل ذلك فإنها تعمل في معهد "جداول المعرفة" وهو معهد متخصص في السياحة والفندقة بالمدينة، وهي تعمل كمدرسة للطلاب في مادة "التنشيط المسرحي"، كما تعمل مع العديد من المؤسسات التعليمية وحتى مؤسسات البعثات الأجنبية كثانوية "فيكتور هوغو" بمراكش وغيرها من المؤسسات، كما أنها تعطي دروساً في فن الحكاية بلغات أجنبية مختلفة.

وأوضحت أنها كحكواتية تحرص على الحضور الدائم في التظاهرات والمهرجانات الثقافية والفنية، خاصة التي تهتم بفن الحكاية كتراث شفاهي يعكس الثقافة المغربية، خاصة مهرجان فن الحكاية الذي ينظم سنوياً بمدينة مراكش والذي يصل دورته الثالثة هذا العام، وكذلك مهرجان المسرح بمسقط رأسها مدينة تحناوت عاصمة إقليم الحوز.